أهداف بوتين في أوكرانيا.. استراتيجية جديدة أم خدعة لكسب الوقت؟

بينما تدخل الحرب في أوكرانيا عامها الرابع، تشير تقييمات استخباراتية غربية إلى تحوّل في استراتيجية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ولم يعد الهدف المُعلن هو السيطرة الكاملة على أوكرانيا، بل تثبيت اليد الروسية على الأراضي التي تمّت السيطرة عليها، في ظل ضغوط اقتصادية متزايدة وتبدّل في ميزان القوى الدولية.
السؤال الآن يدور حول ما إذا كان تحوّل نوايا بوتين يعكس هدفًا حقيقيًا أم أنها مجرد مناورة تكتيكية؟
يُجيب عن هذا السؤال اثنان من أبرز الخبراء الفرنسيين المتخصصين في الشأن الروسي– الأوكراني، ضمن قراءة متعمقة لطبيعة الأهداف الجديدة للكرملين.
وكشفت شبكة “سي.نيوز” الفرنسية أن أجهزة الاستخبارات الأوروبية تتابع تحركات بوتين عن كثب، وتشير المعلومات الأخيرة إلى تغيّر في أهدافه ضمن إطار النزاع الأوكراني، فالأولوية لم تَعُد الاستمرار في القتال، بل تعزيز السيطرة على المناطق التي استولت عليها قواته سابقًا.
حتى وقت قريب، كانت التقييمات الغربية (خاصة الأمريكية) تشير إلى أن بوتين يعتقد أن لديه الزخم والموارد البشرية اللازمة لمواصلة الحرب على المدى الطويل، بهدف السيطرة الكاملة على أوكرانيا، لكن يبدو أنه يعيد النظر في هذه الخطط.
وفي ظل الضغوط الاقتصادية، وتصاعد التهديدات بعقوبات جديدة من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يجد بوتين نفسه في موقف دقيق.
وقال الخبير السياسي الفرنسي جان-لوك بوييه، مدير برنامج الدراسات الروسية في معهد IFRI لـ”العين الإخبارية”: إن “ما نشهده اليوم من تراجع في الخطاب التصعيدي الروسي يعكس قراءة استراتيجية للظرف الدولي”.
وأضاف بوييه أن “الولايات المتحدة منقسمة، وأوروبا منهكة، والاقتصاد الروسي يتنفس عبر أنابيب الالتفاف على العقوبات”، لافتًا إلى أن بوتين يريد تحصين مكاسبه الحالية وفرض أمر واقع دائم، ومن ثم إعادة تموضع عسكري جديد..”هو لا يراهن على اتفاق دائم، بل على إنهاك خصومه”.
من جانبها، قالت الباحثة الفرنسية كلير مونتيلييه، خبيرة شؤون أوكرانيا في مركز “مونتين”، لـ”العين الإخبارية”: إن “تحليل أجهزة الاستخبارات يعكس بوضوح أن بوتين انتقل من منطق الحرب الشاملة إلى منطق التفاوض المرحلي”.
وأضافت أنه من “غير أن هذا التفاوض لا يهدف إلى إنهاء الحرب، بل إلى تأمين مكاسب استراتيجية”.
وأشارت إلى أن بوتين يعلم أن مزاج الإدارة الأمريكية الجديدة قد يكون أكثر تساهلًا، لذا فهو يستخدم ورقة “الاستعداد للسلام” كأداة ضغط تكتيكي، مع الإبقاء على الاستعداد للعودة إلى المواجهة إذا سنحت الفرصة، معتبرة أن “هدفه النهائي لم يتغير: إبقاء أوكرانيا تحت مظلة الضعف والتبعية”.
مقترح سخي يفتح باب التساؤلات
التغيّر الملحوظ الذي رصدته أجهزة الاستخبارات عزّز، في البداية، قناعة ترامب بأن بوتين ربما أصبح الآن أكثر استعدادًا لتوقيع اتفاق سلام مع كييف، خاصة وأن العرض الأمريكي المقدَّم إلى موسكو يُعتبر سخيًا للغاية، إذ ينصّ على الاعتراف الروسي بأغلب الأراضي التي تمّ احتلالها.
غير أن مسؤولين أمريكيين بارزين في الملف أعربوا عن شكوك كبيرة، معتبرين أن بوتين قد يوافق شكليًا على الاتفاق، ليعود لاحقًا لاستئناف الحرب وتوسيع نفوذه أكثر.
هؤلاء يشيرون إلى تصريحات بوتين المتكررة حول الجذور التاريخية للشعب الروسي، ما يعني -برأيهم- أنه لا يمكنه التخلي عن فكرة استعادة “مهد الحضارة الروسية”، في إشارة إلى أجزاء من أوكرانيا.
وبالتالي، فإن بوتين قد “يلعب اللعبة” مع الولايات المتحدة، ويخفض مؤقتًا من سقف طموحاته بهدف تحسين العلاقات مع واشنطن، من دون أن يتنازل فعليًا عن نواياه التوسعية، التي حدّدتها الاستخبارات الأمريكية كـ”أولوية مطلقة” بعد ضمان بقاء نظامه.
“أوكرانيا ضعيفة قدر الإمكان”
أحد كبار المسؤولين الأمريكيين قال إن: “الهدف الروسي هو نيل اعتراف دولي بأكبر قدر ممكن من الأراضي، وإبقاء أوكرانيا أضعف ما يمكن”.
وأضاف أن بوتين يسعى حاليًا إلى كسب الوقت من أجل التخفيف من حدّة إدارة ترامب، وهو مُدرك أن قواته لم تحقق أي تقدم ملموس على خطوط الجبهة منذ فترة طويلة.
وكان الرئيس الأمريكي ترامب قد صرّح بأن الولايات المتحدة مستعدة للاعتراف بالسيادة الروسية على شبه جزيرة القرم، في حين شدّد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف هذا الأسبوع على أن موسكو تريد اعترافًا دوليًا بخمسة أقاليم أوكرانية تسيطر عليها كليًا أو جزئيًا. وقد أعلنت كييف مسبقًا رفضها القاطع لهذا الطرح.
ووفقًا لشبكة “سي.إن.إن” الأمريكية، فإن المسؤولين السياسيين وأجهزة الاستخبارات الأمريكية أصبحوا يشككون في نية روسيا الحقيقية. فبوتين يُشتبه في أنه يستخدم المفاوضات كغطاء لشراء الوقت ومواصلة حملته العسكرية، أكثر من رغبته في إنهاء النزاع.
وحتى ترامب أعرب عن شكوكه عبر منصته للتواصل الاجتماعي”تروث سوشيال”، حيث كتب عن بوتين: “ربما لا يريد إنهاء الحرب، ربما يراوغني فقط، ويجب التعامل معه بطريقة مختلفة، من خلال عقوبات مصرفية أو ثانوية”.
من جهتها، تؤكد موسكو أنها تدرك رغبة واشنطن في تحقيق “نجاح سريع” في العملية التفاوضية، لكنها تعتبر أن “حل الأزمة الأوكرانية أعقد من أن يتم بين ليلة وضحاها”.
ووفقًا لدميتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين فإنه، “ما زال هناك الكثير من التفاصيل التي ينبغي التوصل إلى اتفاق بشأنها”.
aXA6IDIxMy4xNjUuMjQ3LjkzIA==
جزيرة ام اند امز