اخبار لايف

أوكرانيا بين وعود الضمانات الأمنية وخيارات الردع الأوروبي


ضمانات أمنية.. عبارةٌ استخدمها الرئيس الأوكراني، كثيرا، منذ اللقاء المشحون مع نظيره الأمريكي ونائبه، الأسبوع الماضي.

فكيف يمكن لأوكرانيا أن تطمئن إلى أن روسيا ستلتزم بأي اتفاق لوقف إطلاق النار، ولن تستأنف القتال في غضون عام أو عامين؟ يتساءل الرئيس فولوديمير زيلينسكي

تقول شبكة “سي إن إن” في تحليل لها طالعته “العين الإخبارية”، إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كان يرفض علانية انشغال نظيره الأوكراني، بمثل هذه الضمانات.

وقال خلال المواجهة في المكتب البيضاوي يوم الجمعة الماضي: “الأمن سهل للغاية، وهذا يمثل حوالي 2٪ من المشكلة”.

كانت إجابات ترامب على القضية الأوسع نطاقا المتعلقة بالأمن الأوكراني غامضة، باستثناء الادعاء بأن الأوروبيين سيتعاملون معها ولن تكون هناك حاجة إلى دعم أمريكي.

كما اقترح أن وجود شركات أمريكية تستغل المعادن النادرة والأخرى في أوكرانيا سيكون كافيا لإبقاء روسيا تحت السيطرة. مضيفا “لا أعتقد أن أحدا سيلعب إذا كنا هناك مع الكثير من العمال”.

وقبل اندلاع الحرب في فبراير/شباط 2022، كان هناك الكثير من الشركات الأمريكية العاملة في أوكرانيا، وفق “سي إن إن”.

هل أوروبا قادرة؟

في مقابلة مع قناة فوكس نيوز الأسبوع الماضي، قال وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو إن “ما تحتاج إليه أوكرانيا حقا هو الردع… لجعل الأمر مكلفا لأي شخص يحاول ملاحقتها مرة أخرى في المستقبل”.

وأضاف أن هذا “لا ينبغي أن يقتصر على أمريكا. أعني أن الأوروبيين يمكن أن يشاركوا في ذلك”.

وهو ما تطرق إليه مسؤولون أمريكيون آخرون، بينهم وزير الدفاع، حيث أكدوا أن الولايات المتحدة لن تكون جزءا من هذا الردع.

ويوم الأحد الماضي، التقى زعماء أوروبيون في لندن، للبدء في البحث عن بعض الإجابات لأوكرانيا، فضلا عن حلول طويلة الأجل لتفكك العلاقات عبر الأطلسي.

“هذه لحظة لا تتكرر إلا مرة واحدة في الجيل بالنسبة لأمن أوروبا”، هكذا قال رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، داعيا إلى “تحالف الراغبين”.

كتب فولفجانج إيشينجر، السفير الألماني السابق في واشنطن، في مجلة فورين أفيرز: “أوروبا تعرف شيئا واحدا: الاتفاق، إذا حدث، لا يتعلق ببساطة بتقسيم أوكرانيا أو تأمين وقف إطلاق نار سريع … بل يتعلق باتفاقية سلام دائمة وآمنة، وقضايا أمنية وجودية لجميع أوروبا”.

لكن كلوديا ميجور وألدو كليمان في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية قالا في ورقة بحثية نُشرت مؤخرا إن الأوروبيين “يفتقرون إلى القدرات العسكرية اللازمة والإرادة السياسية والوحدة” لتحمل العبء.

نشر قوات حفظ سلام

واقترح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بتفاؤل أن المفاوضات ستستغرق “عدة أسابيع، ثم بمجرد توقيع السلام، سيتم نشر (القوات)”. وأنه سيتعين الاتفاق على النشر مع روسيا.

لكن ماكرون أقرّ بأن فرض هدنة على طول خط المواجهة الذي يبلغ طوله ألف كيلومتر سيكون “صعبا للغاية”.

إذ سيتعين على قوات حفظ السلام العمل في مشهد من الغابات والحقول وحطام المدن الصناعية، المحاطة من ثلاث جهات في بعض المناطق، مع طرق سيئة أو غير موجودة.

وأعربت المملكة المتحدة وفرنسا عن استعدادهما للمشاركة في قوة ما بعد الصراع للحفاظ على السلام. وقالت أستراليا أيضا إنها منفتحة على مناقشة دور.

لكن استجابة الأوروبيين الآخرين كانت “مخيبة للآمال”،  على حد وصف”سي إن إن”، حيث قال المستشار الألماني المنتهية ولايته أولاف شولتز إن الأمر “سيتطلب جهدا لم يستعد له كثيرون بعد بشكل كاف”.

في حين تجنب حلفاء آخرون الأسئلة حول استعدادهم للانضمام إلى تفويض حفظ السلام. وقالت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني إن نشر قوات من بلادها “لم يكن مطروحا على الطاولة قط”.

ويقول ستارمر إن دولا أخرى مستعدة للمساهمة لكنه لم يحددها. ولكن رئيس الوزراء البريطاني شدد على أن “الجهود يجب أن تحظى بدعم قوي من الولايات المتحدة”، وهو أمر غير مؤكد.

منطقة منزوعة السلاح؟

وتختلف التقديرات لحجم هذه القوة المقترحة بشكل كبير مثل الأفكار المتعلقة بمهمتها وصلاحياتها. وهل هي قوة صغيرة رادعة لأنها مدعومة برد أكثر قوة على أي انتهاك؟ وهل هي مهمة مجهزة بالكامل وقادرة على الدفاع عن نفسها؟

يقول ميجور وكليمان في ورقة بحثية لم تنشر بعد، إنه “من غير المرجح أن يتم إنشاء قوة تابعة للأمم المتحدة لأن “روسيا، كدولة معنية وعضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، يجب أن توافق على نشرها”.

وفي قمة لندن، أصرّ زيلينسكي على نفس النقطة، والحاجة إلى “ضمانات أمنية محددة للغاية ومقدمي هذه (الضمانات) المحددين للغاية” والتي من شأنها أن تجعل “أي فرصة لروسيا لشن هجوم آخر مستحيلة بنسبة 100٪”.

ووفق ما طالعته “العين الإخبارية” في تحليل “سي إن إن”، ستحتاج قوة حفظ السلام الكاملة إلى أن يبلغ قوامها 100 ألف جندي على الأقل، وهو التزام كبير للجيوش الأوروبية وحدها، وخاصة عندما يتم تضمين التناوب الضروري.

وبالمقارنة، فإن مهمة حفظ السلام التي بدأت في كوسوفو في عام 1999 كان بها 48 ألف جندي. ويبلغ حجم أوكرانيا أكثر من 50 ضعف حجم كوسوفو.

ويرى محللون أن مثل هذه القوة ستتطلب منطقة منزوعة السلاح كبيرة تفصل بين المقاتلين وارتباطا مستمرا مع كلا الجانبين للتعامل مع الانتهاكات.

ويقولون إنه ستكون هناك حاجة إلى خط سيطرة وسحب الأسلحة الثقيلة إلى مسافة لا تقل عن 40 كيلومترا (حوالي 25 ميلا). ولن يتمكن أي من الجانبين من إطلاق طائرات بدون طيار في المنطقة منزوعة السلاح.

إلى جانب ذلك، هناك قضية الطائرات بدون طيار التي تتطلب من قوة حفظ السلام كيفية التعامل معها.

السيناريو الأسوأ

ولكن هناك مخاطر تصعيدية لا حصر لها أيضا. فإذا أسقطت القوات الروسية قذائف بعيدة المدى على موقع متقدم للجنود الفرنسيين أو البريطانيين، فهل يضع ذلك دول حلف شمال الأطلسي في حالة حرب مع روسيا؟

وإذا استهدفت قوات أوروبية بالقرب من خطوط المواجهة في أوكرانيا، فقد تجد الدول الأوروبية الأعضاء في حلف شمال الأطلسي نفسها في حالة حرب مع روسيا دون دعم الولايات المتحدة.

وفي الوقت نفسه، من غير المرجح أن يكون وقف إطلاق النار الذي لا يخضع لرقابة كافية كافيا.

وقال مارك ويلر، أستاذ القانون الدولي في مبادرة كامبريدج لتسويات السلام: “في أفضل الأحوال، قد يحدث وضع غير مستقر للغاية، حيث يكون تجدد الأعمال العدائية ممكنا بسهولة أو حتى محتملا”.

أفضل سيناريو

وفي حديث مع شبكة “سي إن إن”، أوضح ماثيو شميت، أستاذ الأمن القومي والعلوم السياسية في جامعة نيو هافن، أن الضمانات الأمنية الواقعية تنطوي على ثلاثة مكونات: وجود دولي كبير على الأرض، ودعم الولايات المتحدة، وجيش أوكراني حديث وموسع.

وقال إن ما يصل إلى 100 ألف جندي لحفظ السلام، إلى جانب قوة برية أوكرانية يبلغ قوامها نحو 200 ألف جندي، قد يكون كافيا كرادع. وهذا يعادل نحو ثلث القوة الروسية المنتشرة في أوكرانيا أو حولها.

وكان رئيس الوزراء البريطاني قد أصرّ على أن “الجهود يجب أن تحظى بدعم قوي من الولايات المتحدة”.

حتى إن قوة حفظ السلام المجهزة تجهيزا جيدا سوف تتطلب قدرات النقل الجوي الأمريكية، والتغطية عبر الأقمار الصناعية والدفاعات الصاروخية لصد أية هجمات روسية محتملة، وهي كل الأصول التي يفتقر إليها الأوروبيون.

ويؤكد زيلينسكي أن “أفضل ضمان أمني هو جيش أوكراني قوي وجيش أوكراني قوي لديه أعداد كافية”.

aXA6IDIxMy4xNjUuMjQ3LjkzIA== جزيرة ام اند امز US

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى