أوكرانيا وشبح الحرب النووية بـ2024.. سير على خيط رفيع
لم تتردد كلمة “الأسلحة النووية” في عام واحد منذ نهاية الحرب الباردة عام 1991، كما حدث بـ2024، مع تعديل روسيا عقيدتها النووية، وتنامي التوتر مع الغرب.
السيناريو الأكثر قتامة هو استخدام روسيا سلاحا نووية في مواجهة التصعيد مع الغرب في أوكرانيا، والذي وصل حد السماح للأخيرة باستخدام أسلحة بعيدة المدى لاستهداف الأراضي الروسية.
وكانت العقيدة النووية جزءا من “العقيدة العسكرية الروسية” التي أعلنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عام 2000، وصارت وثيقة منفصلة عام 2020.
ففي 21 أبريل/نيسان 2000، أعلنت روسيا عقيدتها العسكرية العامة الأولى، معتبرة السلاح النووي عاملا في ردع العدوان وضمان الأمن العسكري لروسيا الاتحادية وحلفائها.
ثم وقع الرئيس ديمتري ميدفيديف، الوثيقة العسكرية الثانية يوم 5 فبراير/شباط 2010، قبل أن تنشر السلطات التعديل الثالث للعقيدة العسكرية في 25 ديسمبر/كانون الأول 2014.
وخلال هذه النسخ المحدثة، لم تتعرض بنود الأسلحة النووية لأي تغيير، بل أشارت الوثائق لها باعتبارها عاملا مهما في منع ظهور الصراعات العسكرية النووية وغيرها.
واستمر هذا الوضع حتى وقع بوتين مرسوما لفصل “العقيدة النووية” عن “العقيدة العسكرية العامة” عام 2020، شمل تعديلات على بنودها، وحدد السيناريوهات والشروط التي بموجبها تقرر روسيا استخدام السلاح النووي.
وكان أبرز هذه السيناريوهات: تعرض روسيا أو أحد حلفائها لهجوم بأي نوع من أنواع أسلحة الدمار الشامل التي تشمل الأسلحة النووية والكيميائية والبيولوجية وأي أسلحة غير تقليدية، أو تعرض البلاد لاستهداف يهدد وجود الدولة.
وفي 2024، أدخلت روسيا تعديلات على هذه العقيدة، أبرزها قرار موسكو تخفيف قيود استخدام ترسانتها النووية لردع خصومها. إذ أعلنت تحديث عقيدتها النووية في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، بعدما سمحت الولايات المتحدة لأوكرانيا لاستخدام صواريخ أتاكمز الأمريكية بعيدة المدى لضرب أهداف عسكرية داخل روسيا.
تغييرات جديدة
وقال الكرملين في حينه إن روسيا ستخفف من الناحية النظرية ضوابط الاستخدام الأول للأسلحة النووية.
ووفق التغييرات الجديدة على العقيدة النووية، لم يعد الرد النووي مقتصرا على الهجوم بالسلاح النووي على الأراضي الروسية، بل على أي هجوم غير نووي سواء بالطائرات المسيرة، أو الطائرات المقاتلة، أو أي سلاح غير تقليدي، عليها أو على حليفتها بيلاروسيا.
ونصت التعديلات الجديدة على “أي عدوان ضد روسيا الاتحادية أو حلفائها من جانب دولة غير نووية بمشاركة أو دعم دولة نووية يُعَد هجوما مشتركا”، مضيفة “وقد تفكر روسيا في توجيه ضربة نووية إذا تعرضت أو حليفتها بيلاروسيا لعدوان باستخدام أسلحة تقليدية تهدد سيادتهما أو سلامتهما الإقليمية”.
وأضافت “روسيا قد تستخدم أسلحة نووية إذا تعرضت لهجوم نووي من جانب عدو أو لهجوم تقليدي يهدد وجود الدولة”.
وتمتلك روسيا أكبر ترسانة نووية يطلق عليها “أسلحة يوم القيامة”، كما تمتلك أنظمة الإطلاق الأكثر تقدماً على الإطلاق. ويقول اتحاد العلماء الأمريكيين إن لدى روسيا، منذ العام 2022، ما يقارب 5977 رأسا نووية، مقارنة مع 5428 لدى الولايات المتحدة.
وبحسب المعلومات، تم إخراج حوالي 1500 من هذه الرؤوس النووية من الخدمة، بينما يوجد في الاحتياط 2889 رأسا نووية، فيما يتم نشر 1588 كرؤوس نووية استراتيجية، وفق مواقع إعلامية.
تصعيد نووي
ووفق مراقبين، فإن التعديلات الأخيرة على العقيدة النووية، وما سبقها من سماح واشنطن لكييف باستخدام أسلحة بعيدة المدى ضد روسيا، يشعلان المخاوف بشأن تصعيد نووي.
وفي هذا السياق، قالت جانيس شتاين، المديرة المؤسسة لكلية مونك للشؤون العالمية والسياسة العامة وأستاذة إدارة النزاعات في قسم العلوم السياسية في جامعة تورنتو، “لا يمكن تقدير احتمال التصعيد النووي. فالقصف الذري لهيروشيما وناغازاكي بالقنابل الذرية من قبل الولايات المتحدة في عام 1945 هما الحالتان الوحيدتان اللتان استخدمت فيهما الأسلحة النووية”.
وتحدثت شتاين عن سيناريو محتمل لاستخدام السلاح النووي في أوكرانيا، وقالت “في أحد السيناريوهات التي تمت مناقشتها، تفجر روسيا سلاحًا نوويًا تكتيكيًا لإجبار أوكرانيا على إنهاء القتال والموافقة على التنازل عن شبه جزيرة القرم والمقاطعات الأوكرانية الأربع التي تحتلها روسيا حاليًا”.
وتابعت “إن تفجير سلاح نووي تكتيكي واحد من شأنه أن يوفر ميزة محدودة للغاية للقوات الروسية في ساحة المعركة، وهناك بعض المخاطر من أن الضرر الناجم عن الضربة قد يطال القوات الروسية القريبة”.
وأضافت في مقال منشور بموقع “نشرة علماء الذرة”: “كما أن الأضرار الناجمة عن سلاح نووي تكتيكي واحد لن تكون خطيرة بما يكفي لإضعاف معنويات الشعب الأوكراني”.
لكنها قالت “تفجير سلاح نووي تكتيكي واحد – مهما كانت حمولته صغيرة – من شأنه أن يكسر المحرمات النووية التي ظلت قائمة لما يقرب من ثمانية عقود” في العالم.
أدوات ضغط
بدوره، كتب الباحث ريشي بول،”خلال الحرب الباردة، كان قادة الولايات المتحدة وروسيا في الغالب يرون أن الأسلحة النووية لا تقدم أي ميزة سياسية أو عسكرية حقيقية ضد خصم يتمتع بقدرات الضربة الثانية الآمنة”.
وتابع “بدءًا من اندلاع الحرب الأوكرانية، غيّر بوتين هذا النموذج من خلال استخدام الأسلحة النووية كأدوات للضغط والنفوذ السياسي. ومن وجهة نظره، تُستخدم التهديدات النووية كأدوات للردع والحرب النفسية، وهي محسوبة للضغط على الخصوم مع تجنب الاستخدام المباشر”.
وحول أسباب التعديل الأخير على العقيدة النووية الروسية، كتب الباحث في مقال بموقع “شبكة القيادة الأوروبية” (بحثية)، “قام بوتين بإضفاء الطابع الرسمي على العقيدة النووية الروسية المعدلة ”في الوقت المناسب“، في مسعى لردع المزيد من التدخل العسكري الغربي دون إثارة مواجهة مباشرة”.
لكنه عاد وقال “ومع ذلك، لا يمكن استبعاد إمكانية استخدام روسيا أسلحة نووية منخفضة القوة”، موضحا “بشكل كامل. وعلى الرغم من أن مثل هذا القرار مستبعد، إلا أنه قد يأتي على شكل طلقة نووية تحذيرية فوق منطقة نائية في أوكرانيا إذا ما رأى بوتين تهديداً وشيكاً”.
aXA6IDIxMy4xNjUuMjQ3LjkzIA==
جزيرة ام اند امز