أولويات حزب الله لوقف نزيف «أيلول الأسود»
أسوأ أيام حزب الله، فيها ضُربت منظومة اتصالاته، قتل قادته وزعيمه، دُمرت مقراته الأكثر تحصينا، واختُرق أمنيا على نحو غير مسبوق.
تلك “الضربات المؤلمة” التي تعرض لها الحزب اللبناني، خلال شهر سبتمبر/أيلول الجاري، تقتضي منه حسب خبراء، أن يضع على رأس أولوياته العاجلة، بناء شبكة اتصال آمنة، وإعادة تشكيل وهيكلة هرم القيادة، لوقف نزيف الخسائر، لكن يبقى السؤال حول قدرة القيادات الدنيا، التي ستتولى المناصب العيا الشاغرة، على تحقيق هذه الأهداف.
وكان الجيش الإسرائيلي أعلن اليوم تنفيذ “ضربة محددة الهدف” في الضاحية الجنوبية لبيروت، وسط أنباء عن أن هدفها كان القيادي في الحزب أبو علي رضا، وهو آخر من تبقى في هرم القيادة العسكرية للحزب، الذي أكد من جانبه سلامته.
وقُتل الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، في غارة استهدفت المقر الرئيسي للحزب في الضاحية الجنوبية يوم الجمعة الماضي، وقبلها قُتل غالبية قادة الصفين الأول والثاني في الهرم العسكري للحزب، بعد تعطيل شبكة اتصالاته بتفجير أجهزة البيجر واللاسلكي التي يعتمد عليها عناصر الحزب.
أولويات المرحلة
وقال المحلل العسكري اللبناني العميد الركن المتقاعد يعرب صخر، في حديث لـ”العين الإخبارية”، إن حزب الله يسابق الزمن لـ “استعادة الوعي، ولملمة أطرافه المبعثرة، وعودة التوازن، واستيعاب الصدمة التي جرت، إضافة إلى دراسة البدائل والاحتياطات، من أجل البناء على ما مضى وللحفاظ على ما تبقى وتطويره”.
وأوضح صخر، أن “إسرائيل تسعى إلى عدم إضاعة الوقت، وزيادة الشرخ داخل حزب الله، وهذه هي المعضلة الآن التي تواجهه”.
وأضاف أن أولويات الحزب الآن تتمثل في إعادة بناء صفوفه قدر الإمكان والمستطاع، وبناء شبكة اتصال مؤمنة تماما ضد الاختراق، لكن تل أبيب تستغل عامل الوقت لزيادة إضعاف الحزب.
وحول قدرات الحزب الصاروخية، في ظل الغارات الإسرائيلية الأخيرة، نوه صخر، إلى أن “إسرائيل تقول إنها دمرت حتى الآن نحو 50% من قدرات الحزب الصاروخية، لكننا لا نعول على صحة تلك التصريحات، في وقت لا يتحدث حزب الله عن حقيقة الخسائر التي تعرض لها”.
لكن صخر، أبرز في هذا الصدد، أنه بـ”المراقبة والتتبع والاستنتاج يمكن القول إن هناك نسبة كبيرة من الصواريخ ومنصات الإطلاق لحزب الله قد تعرضت للضرر ودُمرت في الأنفاق، أو على الأرض قبل إطلاقها”، مؤكدا أن “إسرائيل حققت بالفعل إصابات في منظومة صواريخ حزب الله بنسبة مُقدرة لا نستطيع تحديدها”.
أما عن قدرة الحزب على الرد في ظل ما تعرض له من خسائر، قال الخبير العسكري اللبناني، إن حزب الله وكافة المحاور أو الساحات المساندة تدرس الوسائل والبدائل للرد، وقد يتم الترتيب لأمر ما، لكن ردود الفعل الإسرائيلية السريعة لا تترك لهم وقتا، إذ تضربهم أينما كانوا.
إعادة هيكلة هرم القيادة
من جانبه، قال الخبير العسكري العميد الركن المتقاعد ناهي جبران، في حديث لـ”العين الإخبارية”، إن أولويات الحزب في المرحلة الحالية تتركز في إعادة هيكلة الهرم التسلسلي للقيادة بتعيين بدلاء بأسرع وقت ممكن، ومعالجة مشكلة الاتصالات، عبر تأمين شبكة اتصال أكثر أمنا.
وأضاف أن من ضمن الأولويات أيضا معالجة الخروقات الأمنية العميقة، ومواكبة التطور التكنولوجي قدر الإمكان وحسب الميزانية بالإضافة إلى تطوير أساليب الحرب النفسية.
وأشار جبران إلى أنه في العلوم العسكرية وعلى المستوى الاستراتيجي، فمن المعروف أن منظومة القيادة والسيطرة خصوصا لدى التنظيمات المسلحة هامة جدا، وهي المنظومة التي قتلت اسرائيل على غالبية أفرادها.
وأضاف: “على المستوى العسكري يكتسب سلاح الإشارة أهمية استثنائية، فإذا فُقد الاتصال بين الوحدات الموجودة على الأرض والقيادات الهرمية التي تتبع لها هذه الوحدات فهناك مشكلة خطيرة”.
وتابع: “الخطر الذي قد يتعرض له سلاح الإشارة هو التشويش أو الانقطاع، لفترة محدودة نسبيا، لكن أن تصبح أجهزة الاتصال أداة تفجير تؤدي إلى قتل وإصابة الآلاف وإخراجهم من معادلة المعركة، فهذا أمر خطير جدا وغير مسبوق ويستلزم المزيد من الوقت لإعادة تنظيم صفوف هذه الوحدات”، مشيرا إلى صعوبة في تعيين بدائل للقيادات المستهدفة.
القيادات البديلة
من جهته، قال الخبير العسكري اللبناني، العميد مارسيل بالوكجي، إن حزب الله يتكون من ٣ مستويات، هي: القيادة، والقوة العملية على الأرض، وأخيرا قوة الدعم.
وأشار بالوكجي، في حديث لـ “العين الإخبارية”، إلى أنه رغم تعرض القيادات للاستهداف، إلا أن القوة العملية لازالت في جاهزية تامة ولم تُصب بضربات، وهي من تُنفذ قرار الضرب والقتال.
وكشف بالوكجي، أن لكل قائد في حزب الله، بديلين يحلان محله في حالة مقتله، مؤكدا أن عناصر تلك القيادات البديلة، صغار في السن، وأكثر خطورة وعدائية من حسن نصر الله، والقادة المعتدلين، ما يُصعب المعادلة القادمة.
وأوضح أن حزب الله سوف يستعد سريعا للتصعيد والمعارك العنيفة المرتقبة في لبنان، في حال الاجتياح الإسرائيلي البري.
ومن جانبه، أكد الخبير العسكري اللبناني، العميد طارق سكرية، أن حزب الله يحتاج بين أسبوعين إلى شهر لتعويض خسائره، لافتا إلى امتداد وانتشار حزب الله في لبنان وخارجها.
وأوضح سكرية، في حديث لـ “العين الإخبارية”، أن حزب الله لديه الأعداد الكافية من العناصر المدربة، وما يجعل إمكانية استيعاب الصدمة محتملا وأن أغلب القتلى هم من الجيل الأول وأعمارهم تجاوزت الستين عاما، مما يجعلهم قريبين من مرحلة التقاعد وصعود أجيال جديدة من الشباب الذين شاركوا في عمليات في لبنان وسوريا بشكل خاص.
aXA6IDJhMDI6NDc4MDphOjE0NTE6MDoxN2IzOjljNmY6MiA= جزيرة ام اند امز