إسرائيل وفلسطين.. لماذا يستمر الصراع؟
بالنسبة لإسرائيل، يشكل «العدوان العسكري» المتزايد، النهج الافتراضي لأي مشكلة أمنية، ما يعني انتفاء أي معنى للدبلوماسية.
وبشكل ثاقب، حدد مبعوث الأمم المتحدة المتقاعد لعملية السلام في الشرق الأوسط السبب الرئيسي لاستمرار الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
وفي مقابلة أجرتها مؤخرًا صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، انتقد الدبلوماسي النرويجي تور وينسلاند المجتمع الدولي لاعتماده على حلول قصيرة الأجل.
ومن بين تلك الحلول تحسين نوعية الحياة في الأراضي المحتلة أو السعي إلى اتفاقيات سلام بين إسرائيل ودول عربية أخرى، حيث أكدت الحرب خلال العام الماضي عدم فعالية مثل هذه الأساليب.
وفي الوقت الذي تطلبت فيه الأمور جهدا دبلوماسيا مستداما لإنهاء الاحتلال وإنشاء دولة فلسطينية، لم يتم توظيف هذا الجهد، وفقا لوينسلاند الذي قال “إن ما شهدناه هو الفشل في التعامل مع الصراع الحقيقي، وفشل السياسة والدبلوماسية”.
كان الكثير من انتقاد وينسلاند موجهاً إلى المجتمع الدولي ككل، لكن نقاطه تنطبق بشكل خاص على الولايات المتحدة التي ترعى أحد جانبي الصراع الذي يسيطر على الأرض ويقاوم السيادة الفلسطينية، وفقا لما ذكره موقع “ريسبونسيبل ستايت كرافت”.
وعلى النقيض من الجهود الدبلوماسية المطلوبة، كان ما يشكل استراتيجية إسرائيل -وإلى حد كبير استراتيجية واشنطن أيضا- هو تطبيق المزيد والمزيد من القوة العسكرية مثلما حدث في حرب 1973، حين كانت السمة الأساسية لسياسة ريتشارد نيكسون وهنري كيسنجر هي الجسر الجوي الضخم للإمدادات العسكرية إلى إسرائيل.
ولقد نظر نيكسون وكيسنجر إلى الصراع من منظور الحرب الباردة، واعتبرا سياستهما ناجحة من خلال تمكين إسرائيل من تحويل مجرى المعركة مع استبعاد الاتحاد السوفياتي من دور إقليمي ذي مغزى.
«جهود عبثية»
اليوم، لا يزال التركيز منصبا على التصعيد العسكري، فمن خلال جهودها العبثية لـ”تدمير حماس” وضرب الخصوم على حدودها الشمالية، فإن إسرائيل ملتزمة أكثر من أي وقت مضى بزيادة الموت والدمار كنهج افتراضي تجاه أي مشكلة أمنية. وهذا ما شجعته الولايات المتحدة بمنح إسرائيل 18 مليار دولار من الذخائر منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، وفق المصدر.
وقد يشجع انهيار نظام بشار الأسد في سوريا هذه الاتجاهات، حيث احتفل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بهذه الأحداث، معتبرا أن سقوط الأسد كان بسبب الغارات الجوية الإسرائيلية السابقة على حزب الله وإيران.
كما كان تغيير النظام فرصة لإسرائيل لزيادة نشاطها العسكري الهجومي في سوريا، بما في ذلك الاستيلاء على منطقة عازلة منزوعة السلاح سابقاً على طول حدود الجولان والضربات الجوية على دمشق وحولها.
«المتابعة ضرورية»
بالعودة لمرحلة ما بعد حرب 1973، فقد بذل رئيسان أمريكيان جهوداً حقيقية لدفع عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية، لكن المتابعة الضرورية لم تتم.
فبعدما توسط جيمي كارتر في اتفاقيات كامب ديفيد عام 1978، وضعت حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن في جيبها معاهدة السلام مع مصر وتجاهلت الجزء الذي يتعامل مع الفلسطينيين.
وبعدما وضع بيل كلينتون في عام 2000 على الطاولة “معاييره” للتوصل إلى اتفاق، اقترب الجانبان أكثر من أي وقت مضى من التوصل إلى اتفاق سلام، لكن الانتخابات الإسرائيلية أنهت المفاوضات ولم تعد الحكومة الإسرائيلية الجديدة إلى الطاولة.
ولا يقدم التغيير الوشيك في الإدارة الأمريكية أي أمل في إحداث تغيير إيجابي، حيث لم تقل منشورات الرئيس المنتخب دونالد ترامب شيئاً عن الدبلوماسية وتحدثت بدلاً من ذلك عن “الجحيم الذي سيدفع ثمنه” إذا لم يتم إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين بحلول موعد تنصيبه. فيما قدم نتنياهو شكره لترامب على “تصريحه القوي”.
بالدبلوماسية فقط
بحسب المصدر نفسه، فإن الشرق الأوسط ليس المنطقة الوحيدة التي أظهرت خطأ فكرة تهدئة الصراع من خلال التصعيد العسكري، حيث يقول وينسلاند إن “السياسة والدبلوماسية هي التي تنهي الحرب”.
والمقصود بالدبلوماسية هنا ليس تقديم كلمات روتينية لـ”حل الدولتين” دون فعل أي شي لتحقيق هذا الحل، ولا تعني أيضًا السعي إلى الاتفاقيات من أجل الاتفاقيات، للتباهي بالإنجازات المفترضة أمام دائرة انتخابية محلية.
لكن ما تعنيه الدبلوماسية هو الاستخدام المتضافر والمستدام للطاقة الدبلوماسية، ونطاق صنع السياسات، ورأس المال السياسي لمعالجة القضايا الأساسية الكامنة وراء الصراع بشكل مباشر وتحقيق نتيجة تحدث فرقًا وهو ما يعني في سياق الشرق الأوسط، تقرير المصير الفلسطيني وإنهاء الاحتلال.
سياسة ضبط النفس
ويشير الفهم الصحيح للدبلوماسية -أيضاً- إلى ما تعنيه سياسة ضبط النفس الخارجية فهي لا تعني الانعزالية، ففي مجالات مثل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، قد تعني زيادة المشاركة الدبلوماسية والأولوية التي يعطيها صناع السياسات للهدف المنشود.
ولقد دفعت سياسات الاستيطان الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، والتي لم تفعل الولايات المتحدة شيئاً لوقفها، العديد من المراقبين إلى الاعتقاد بأن حل الدولتين لم يعد ممكناً.
لكن حتى لو كان من الممكن تحقيق متطلب تقرير المصير الفلسطيني فقط من خلال حل الدولة الواحدة الذي يوفر حقوقاً متساوية للجميع، فإن المبدأ نفسه لا يزال ينطبق وهو أن السلام لا يمكن تحقيقه إلا من خلال الدبلوماسية النشطة وليس التصعيد العسكري.
aXA6IDIxMy4xNjUuMjQ3LjkzIA== جزيرة ام اند امز