إيران تغازل مصر بـ«فتح السفارات».. الدلالات وسر التوقيت
أثارت محاولات التقارب مع مصر التي تبذلها إيران خلال الفترة الماضية، تساؤلات حول الهدف منها خاصة في ظل التطورات الحالية بالمنطقة.
فقد توالت مواقف وتحركات إيران للتقارب مع القاهرة، والتي كان أخرها إعلان مهدي سنائي نائب الرئيس الايراني للشؤون السياسية عن قرب فتح سفارتي البلدين واستئناف العلاقات الدبلوماسية مع مصر.
تصريحات سنائي جاءت بالتزامن مع زيارة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان للقاهرة لحضور القمة الـ11 لمنظمة “الدول الثماني النامية” للتعاون الاقتصادي.
تلك التحركات قدرها خبراء عرب، في أحاديث منفصلة لـ”العين الإخبارية”، ضمن محاولات إيران لإعادة تموضعها الإقليمي في هذه المرحلة، وترتيب سياستها الخارجية بعد اهتزاز صورتها نتيجة لخروجها من سوريا، وإضعاف أذرعها في المنطقة.
وقدر هؤلاء الخبراء، أن “استئناف العلاقات بشكل كامل سيكون مرهونا بالتحركات الإيجابية لطهران بشأن النقاط الخلافية العالقة مع مصر، والتي من بينها سياسات طهران الإقليمية وتدخلها في الشئون الداخلية للدولة”.
والعلاقات الدبلوماسية بين مصر وإيران تقتصر حاليا على مكاتب رعاية المصالح بين البلدين، ولم تصل إلى مستوى التمثيل الدبلوماسي رغم الجهود التي بُذلت في السنوات الماضية.
وقال سنائي في تصريح صحفي “هناك الإرادة اللازمة لدى كل من إيران ومصر لاستئناف العلاقات، ونأمل أن نصل إلى مستوى إعادة فتح السفارات في المستقبل القريب مع الإجراءات التي تم اتخاذها”.
وأضاف “لا توجد علاقات سياسية بين إيران ومصر منذ أكثر من أربعة عقود.. ولكن في العام الماضي، تم إنشاء تفاعل أفضل، وقد جرت محادثة جيدة بين رئيسي البلدين في شهر نوفمبر/تشرين الثاني من هذا العام، وبدأت الإجراءات بين البلدين وبدأت المحادثات السياسية”.
وزار الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان ووزير خارجيته عباس عراقجي مصر للمشاركة في أعمال القمة الـ11 لمنظمة الدول الثماني النامية للتعاون الاقتصادي.
وفي كلمته خلال أعمال القمة، قال بزشكيان إن “مصر دولة كبيرة وصاحبة تاريخ عظيم، واجبنا عبر التعاون المشترك اتخاذ قرارات مثمرة للحد من الضرر”.
“خطوة شكلية”
من جانبه، قال السفير محمد العرابي، وزير خارجية مصر الأسبق، لـ”العين الإخبارية”، إن “إيران من مصلحتها إحراز تقدم في علاقاتها مع مصر في هذه المرحلة، في ضوء إعادة ترتيب سياستها الخارجية بعد أن اهتزت صورتها نتيجة لخروجها من سوريا، وإضعاف أذرعها في الإقليم”.
واعتبر العرابي أن رفع درجة التمثيل هو أمر شكلي، لكن له دلالته، مؤكدا أن “مصر تعرف محدداتها، ولن تتنازل عن مصالحها، ولا أمنها القومي لمصلحة أحد”.
وفي تقدير “العرابي” فإن فتح سفارتي البلدين “خطوة شكلية، لكن من الممكن أن تتم”.
إعادة التموضع الإقليمي
من جهته، أرجع الدكتور بشير عبدالفتاح، الخبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، التحرك الإيراني للتقارب مع القاهرة في هذا التوقيت، إلى محاولة إعادة التموضع الإقليمي، بعد أن فقدت إيران فعالية وتأثير ضعف أذرعها في المنطقة عقب الضربات الإسرائيلية الموجعة التي تعرضت لها.
وقال عبدالفتاح لـ”العين الإخبارية” إن “طهران تدرك أن التقارب مع القاهرة وسيلة فعالة ضمن وسائل تعويض خسائرها الكبيرة وأخرها سقوط نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا”.
ورغم إشارته إلى أن “العلاقات المصرية – الإيرانية تخطو إلى الأمام”، إلا أن عبدالفتاح أوضح أن هناك نقاطا خلافية كبيرة عالقة بين الدولتين تتمحور ما بين سياسات إيران الإقليمية وتدخلها في الشئون الداخلية للدول، والعبث بملف الأقليات.
وقال: “لكن سيكون هناك آلية للحوار تساعد على حل هذه الخلافات”.
وأستدل بتجربة تطور العلاقات “المصرية – التركية” التي تشير إلى إمكانية التقارب مع وجود خلافات، على أن يتم التباحث بشأن تسوية هذه الخلافات بعد ذلك.
دعاية وعرف دبلوماسي
فيما قال الدكتور وجدان عبدالرحمن، الخبير في الشأن الإيراني المقيم في بريطانيا، لـ”العين الإخبارية”، إن “التصريحات المتعلقة باستئناف العلاقات الدبلوماسية لا تتجاوز الدعاية فقط، أو العرف والمغازلة الدبلوماسية وليس أكثر من ذلك، على خلفية زيارة رئيس دولة لأخرى بينهما خلافات على غرار الحالة المصرية الإيرانية”.
وتدهورت علاقات مصر وإيران عقب الثورة في إيران عام 1979، وتوقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، وجرت الاتصالات عبر مكاتب مصالح، وهى شكل أقل مستوى من التمثيل الدبلوماسي.
واستبعد عبدالرحمن استئناف العلاقات الدبلوماسية قريبا بين القاهرة وطهران، قائلا: “الجانب الإيراني أضر كثيرا بالدولة المصرية بسبب دور طهران في الحرب على غزة بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بعد دعمها لجماعة الحوثي في اليمن، ما ألحق خسائر قدرت بملايين الدولارات للاقتصاد المصري”.
وأضاف أن “هناك أيضا مجموعات من الإخوان تأويهم إيران، وطالبت القاهرة عدة مرات بتسليمهم، لكن من الصعب أن يسمح المتشددون داخل النظام الإيراني بمحاكمتهم أو عودتهم لمصر”.
وذهب الخبير في الشأن الإيراني، في هذا الصدد، إلى أنه “لن تكون هناك إعادة للعلاقات بين البلدين في ضوء معوقات كبيرة تحول دون إعادة العلاقات، وهي خلافات أيديولوجية بالنسبة للنظام الإيراني التي على ضوءها تم قطع علاقاته من مع مصر 1979 بسبب اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل”.
ويأتي لقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وبزشكيان، بعد أيام من زيارة وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، إلى القاهرة، بوصفها أول زيارة لمسؤول إيراني كبير منذ عام 2014، في سياق تعزيز مسار العلاقات.
وسبق أن جمع لقاء بين الرئيس المصري مع نظيره الإيراني بزشكيان، على هامش قمة تجمع “بريكس” التي استضافتها مدينة قازان في أكتوبر الماضي.
واتفقت مصر وإيران على أهمية الجهود المشتركة لاستكشاف آفاق تطوير العلاقات الثنائية، وفق بيان صحفي للرئاسة المصرية آنذاك.
وفي مايو/أيار 2023، أعلن المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي أنه يرحب باستئناف العلاقات الدبلوماسية مع مصر، مؤكداً أن ليس لديه “تحفظات” في هذا الصدد.
aXA6IDIxMy4xNjUuMjQ3LjkzIA==
جزيرة ام اند امز