الأخلاق رحلة بين الفضيلة والانهيار

الأربعاء 19/فبراير/2025 – 08:13 م
أصبحنا في زمنٍ أصبحت فيه الأخلاق عملة نادرة، حيث تكاد تكون مفقودة في أحيان كثيرة، قد تزايدت التصرفات التي تتعارض مع كل ما هو نبيل، وتراجعت القيم التي كانت عنوانا لحياة كريمة كانت تحكمها العلاقات الطبية بعيدًا عن القانون، في ظل شعارات كاذبة يعلنها عالم يعج بالكذب والخيانة، أصبحنا نعيش في تناقضات عجيبة، ابتسامات تداري خلفها طعنات قاسية تقطع القلوب وتجرح الأرواح، الانقسامات والتفرقات أصبحت سمة من سمات كل موقف، وأصبحت التفاهمات تنكسر أمام صخور المصالح الشخصية، فتندثر الروابط الإنسانية وتتلاشى.
لا يمكننا إغفال أن الإنسان فقد قيمته وانهارت آماله أمام شهواته التي لا تنتهي، أصبح الغش والخداع والكذب أمورًا مألوفة في حياتنا اليومية، ولم يعد ضمير الإنسان حيًا أمام هذه السلوكيات، فبعض الناس اختاروا المشي في طرق مليئة بالخداع والمراوغة، ليظهروا أمام المجتمع في صورة المثاليين، بينما هم في واقعهم يتقلبون في بحر من التناقضات، وأمام هذا الواقع المظلم، تضيع الكثير من المبادئ التي نشأنا عليها.
في هذا السياق، يتعين علينا أن نتوقف لحظة لنحاول فهم الخيارات التي أمامنا، وهناك طريق واحد يؤدي بنا إلى الفضيلة، حيث نتمسك بقيم الحق والمبادئ العليا في التعامل مع الآخرين، هذا الطريق لا يعني لنا سوى السعي للصدق مع أنفسنا ومع الآخرين، وإظهار النوايا الطيبة مهما كانت الظروف، لكن في المقابل، من يسلك هذا الطريق قد يواجه صعوبات وعراقيل؛ فغالبًا ما يكون منبوذًا في مجتمعٍ يتباهى بالزيف والنفاق، ويُعتبر “غير مواكب للعصر” ومع ذلك، يبقى هذا الطريق هو الأمل الوحيد للوصول إلى النجاح الحقيقي، والعيش حياة مليئة بالسلام الداخلي والرضا.
أما الطريق الآخر، الذي يظنه البعض أسهل وأكثر ضمانًا للنجاح، فهو طريق الغش والخداع، من يسلك هذا الطريق قد يحقق بعض النجاحات الاجتماعية أو الوظيفية، ولكنه في النهاية سيجد نفسه في مواجهة مع نفسه، حيث يتعذر عليه العيش بسلام داخلي، لن يجد هذا الشخص هوية ثابتة له، بل سيصبح ألعوبة في يد الطموحات الشخصية والشهوات العابرة، وبينما يحقق النجاح الظاهري، يكون قد خسر نفسه.
إذن، أمامنا طريقان: أحدهما يقودنا إلى الأخلاق والصدق، والآخر يقودنا إلى الزيف والانهيار الداخلي، ويجب علينا أن نختار، ليس بناءً على نتائج سريعة أو مزايا مؤقتة، بل بناءً على القيم والمبادئ التي نؤمن بها، ففي النهاية، الشخص الذي يسعى للفضيلة هو من سيعيش بسلام داخلي، حتى وإن كانت الطريق وعرة وصعبة.
في هذا الوقت الذي كثرت فيه المنغصات والظروف الاقتصادية والمعيشية القاسية، فنحن بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى استعادة القيم والأخلاق التي تجسد معاني الإنسانية السامية من أجل حياة أفضل، بعيدة عن التصنع والمراوغة، بعيدة عن كل ما يشوه صورتنا الإنسانية.