«التخريب».. هل أضافت روسيا مهمة جديدة لـ«أسطول الظل»؟
قالت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، الأحد، إن روسيا استخدمت بعض قطع “أسطول الظل”، الذي أنشأته لنقل النفط الخام، لإحداث الفوضى في أوروبا.
ولطالما أثار ما يُعرف بـ “أسطول الظل” الروسي، وهو مجموعة من الناقلات القديمة، التي تُستخدم لنقل النفط الخام الروسي سرًا حول العالم، مخاوف المسؤولين الغربيين. فمنذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، انصبّ التركيز – بشكلٍ أساسي – على استخدام هذه السفن غير المُسجلة للتحايل على العقوبات الغربية، وتوفير إيرادات لتمويل آلة الحرب الروسية.
لكن أسطول الظل الروسي قد يمثل الآن خطرًا أكثر إلحاحًا يهدد الاستقرار في أوروبا. ففي تطورٍ لافتٍ، صعدت قوات كوماندوز فنلندية على متن ناقلة نفط يُشتبه في تورُّطها بقطع كابلات تحت الماء في بحر البلطيق، من بينها كابل حيوي لنقل الكهرباء بين فنلندا وإستونيا.
ووفقًا لصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، تتطابق مواصفات هذه السفينة، التي تحمل اسم “إيغل إس”، مع سفن “أسطول الظل” الروسي، وكانت قد أبحرت من ميناءٍ روسي قبل فترة وجيزة من وقوع الحادث.
في حال تأكّد تورُّط هذه السفينة في عملية التخريب، فستكون هذه هي المرة الأولى التي يُستخدم فيها “أسطول الظل” بشكلٍ مُتعمّدٍ لاستهداف بنية تحتية حيوية في أوروبا؛ ما يُعدّ تصعيدًا خطيرًا من جانب روسيا في صراعها مع الغرب.
وأعرب لوري لانييميتس، وزير داخلية إستونيا، عن قلقه الشديد إزاء هذه التطورات، مُشيرًا إلى أن روسيا تشنّ بشكلٍ منهجي “حربًا هجينة” ضدّ جيرانها من دول الناتو والاتحاد الأوروبي.. ودعا إلى ضرورة “مواجهة الواقع”، والتخلي عن أيّ أوهامٍ بشأن النيات الروسية.
وعقد إيلكا كوسكيماكي، مفوّض الشرطة الوطنية الفنلندية، ومسؤولون فنلنديون آخرون، مؤتمرًا صحفيًا في هلسنكي؛ لمناقشة حادثة قطع الكابلات، ما يُظهر مدى خطورة الوضع. وعلى الفور، أعلنت دول المنطقة عن تعزيز الإجراءات الأمنية في بحر البلطيق، ونشر المزيد من قوات البحرية وخفر السواحل.
كما أكّد الأمين العام لحلف الناتو، مارك روته، استجابةً لطلبات من زعيمي فنلندا وإستونيا، أن الحلف “سيعزّز” وجوده العسكري في المنطقة.
أسطول الظل: حل للكرملين وعامل تخريب محتمل
شكّل إنشاء أسطول الظل حلاً للكرملين لمواجهة العقوبات الغربية التي استهدفت اقتصاد روسيا بعد غزو أوكرانيا في فبراير/شباط 2022. وكان قطاع الطاقة الروسي، وخاصة النفط، هدفًا رئيسيًا للعقوبات. وبدلاً من فرض حظر كامل، فرضت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون سقفًا سعريًا بقيمة 60 دولارًا للبرميل الواحد من النفط والمنتجات النفطية الروسية المنقولة بحرًا، وهو ما يمثل انخفاضًا كبيرًا عن السعر السوقي.
وترى إليزابيث براه، زميلة بارزة في المجلس الأطلسي، أن فكرة إنشاء أسطول الظل للالتفاف على العقوبات ليست جديدة، فقد استخدمت من قبل دول مثل إيران وكوريا الشمالية وحتى عصابات المخدرات. لكن الابتكار الروسي يكمن في التوسع الهائل لهذا الأسطول.
وأضافت براه أن الأسطول الروسي ينمو بسرعة ليشكل 17% من إجمالي ناقلات النفط العالمية، مما يجعله “أشبه بورم خبيث”. وأشارت إلى أن نحو 70% من صادرات النفط الروسي تُنقل عبر ناقلات الظل.
وفيما لا تزال السلطات الفنلندية تحقق في حادثة سفينة “إيغل إس”، فإن الحجم الكبير لأسطول الظل قد يجعل استخدام بعض السفن للتخريب أمرًا مغريًا للكرملين. وقالت براه: “أعتقد أن روسيا أدركت في مرحلة ما: لدينا كل هذه السفن، فلماذا لا نستخدم بعضها لإحداث أذى إضافي؟”.
تصاعد التوتر
تثير هذه الحادثة تساؤلات مثيرة للقلق حول الدور الحقيقي لـ “أسطول الظل” الروسي. فهل يقتصر دوره على نقل النفط سرًا، أم أنه يُستخدم أيضًا كأداة لتنفيذ عمليات تخريبية وزعزعة الاستقرار في أوروبا؟ ويُشير تورُّط سفينة تابعة لهذا الأسطول في قطع الكابلات إلى احتمال وجود أجندة روسية أوسع، تتجاوز الجوانب الاقتصادية، وتستهدف الأمن القومي لدول أوروبية.
يشكل بحر البلطيق منطقة إستراتيجية حسّاسة، وتكثيف الوجود العسكري لحلف الناتو فيها يُنذر بتصاعد التوتر الإقليمي. فمن جهة، يهدف “الناتو” إلى ردع أيّ محاولاتٍ روسية لزعزعة الاستقرار في المنطقة، ومن جهة أخرى، قد ترى روسيا في هذا الوجود العسكري المتزايد تهديدًا لأمنها القومي.
من الواضح أن حادثة قطع الكابلات تُشكل منعطفًا خطيرًا في العلاقة بين روسيا والغرب. فاستخدام “أسطول الظل” في أعمال تخريبية يُعدّ تصعيدًا مُقلقًا، يُنذر بمرحلة جديدة من الصراع الخفي. ويثير هذا التطور مخاوف جدية من إمكانية تكرار حوادث مماثلة في مناطق أخرى، واستهداف بنى تحتية حيوية أخرى؛ ما يُهدّد الأمن والاستقرار في أوروبا والعالم. فما الخطوات التي سيتخذها المجتمع الدولي لمواجهة هذا التحدي الجديد؟.
aXA6IDIxMy4xNjUuMjQ3LjkzIA==
جزيرة ام اند امز