الحدود السورية تحت السيطرة الإسرائيلية.. انتهاك أم احتواء؟
بسقوط نظام بشار الأسد، أغلقت سوريا فصلا من تاريخها، إلا أنها كانت على موعد مع آخر، عنوانه التوغل الإسرائيلي في منطقة الحدود، والذي وصفته تل أبيب بأنه خطوة دفاعية مؤقتة لضمان أمنها.
إلا أن أوامر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لقواته بـ«السيطرة» على منطقة عازلة مع سوريا، أدى إلى قلب عقود من الهدوء النسبي على طول الحدود الفعلية بين البلدين.
ولقد أغار جنود إسرائيليون على قرى سورية حدودية، مما دفع السكان المحليين إلى التجمع في منازلهم، كما استولوا على أعلى قمة في البلاد، وأقاموا حواجز على الطرق بين البلدات السورية، فيما الآن يطلون على القرى المحلية من مواقع عسكرية سورية سابقة، بحسب صحيفة «نيويورك تايمز».
ويعيش آلاف السوريين الآن في مناطق تسيطر عليها القوات الإسرائيلية جزئيا على الأقل، مما يجعل الكثيرين يشعرون بالقلق بشأن المدة التي ستستغرقها الحملة. وقد احتجزت القوات الإسرائيلية بعض السكان وفتحت النار خلال احتجاجين على الأقل ضد الغارات، وفقا للمرصد السوري لحقوق الإنسان.
انتهاك؟
ويقول بعض السوريين على الأقل الآن إنهم يخشون أن يتحول الوجود الإسرائيلي إلى احتلال عسكري طويل الأمد.
فـ«نحن الجزء الوحيد من البلاد الذي لم يتمكن حقًا من الاحتفال بسقوط نظام الأسد – لأنه حتى عندما سقط، جاء الجيش الإسرائيلي»، هذا ما قاله شاهر النعيمي، الذي يعيش في قرية خان أرنبة الحدودية التي داهمها الجيش الإسرائيلي.
وخاضت إسرائيل وسوريا صراعات متعددة، لكن على مدى عقود من الزمن، ظلت الحدود الفاصلة بين البلدين هادئة إلى حد كبير. وكانت آخر حرب بينهما في عام 1973، ليتفق بعدها الجانبان على إنشاء منطقة عازلة منزوعة السلاح تحرسها قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، والتي كانت بمثابة حدود بحكم الأمر الواقع.
لكن عندما أطاحت المعارضة السورية بالأسد من السلطة في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي، أمر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قوات بلاده بـ«السيطرة» على المنطقة العازلة، التي تضم عدداً من القرى السورية. ووصفها بأنها خطوة مؤقتة لـ«ضمان عدم تمركز أي قوة معادية بجوار الحدود مع إسرائيل».
وسرعان ما استولت القوات الإسرائيلية على قمة جبل الشيخ، أعلى جبل في سوريا، وتقدمت على طول المنطقة العازلة وما وراءها. وفي نفس الوقت تقريبا، قالت إسرائيل إنها نفذت مئات الغارات الجوية في مختلف أنحاء البلاد مستهدفة طائرات مقاتلة ودبابات وصواريخ وأسلحة أخرى تابعة للجيش السوري.
وأثارت الحملة العسكرية المستمرة، وخاصة العملية البرية في منطقة الحدود الفعلية، اتهامات دولية بأن إسرائيل تنتهك وقف إطلاق النار المستمر منذ عقود.
وقال رامي عبد الرحمن، رئيس المرصد السوري لحقوق الإنسان، في مقابلة هاتفية، إن الجيش الإسرائيلي يعمل في منطقة الحدود «الآن على نحو مماثل للضفة الغربية، بمعنى أنه يستطيع الدخول والخروج من أي مكان يريده واعتقال من يريد».
فيما قال بعض السوريين إنهم يأملون في إقامة علاقات جيدة مع إسرائيل، مشيرين إلى عدائهم المشترك تجاه إيران، التي دعمت نظام الأسد. كما قدمت إسرائيل الرعاية الطبية لبعض السوريين داخل الأراضي التي تحتلها، بما في ذلك لأولئك القادمين من منطقة الحدود.
وقال ضرار البشير، وهو زعيم محلي في منطقة القنيطرة الحدودية، إن «العلاج الطبي كسر بعض العداء الذي كان يشعر به الناس».
تحذيرات ومخاوف
لكنّ البشير وآخرين قالوا أيضا إن تحول العملية الإسرائيلية إلى احتلال طويل الأمد من شأنه أن يشعل فتيل المزيد من العنف في بلد منهك. وتسيطر إسرائيل بالفعل على جزء كبير من مرتفعات الجولان، وهي الأراضي التي كانت تحت سيطرة سوريا في السابق والتي احتلتها إسرائيل في حرب عام 1967 ثم ضمتها في خطوة لم يعترف بها معظم المجتمع الدولي.
فـ«نحن نريد السلام، لكن صناع القرار في إسرائيل يعتقدون أنهم سيحققون كل شيء بالقوة»، هكذا يقول أرسان أرسان، أحد سكان قرية سورية خارج المنطقة العازلة والذي ساعد في التنسيق بين مسؤولي الأمم المتحدة والسكان المحليين، مضيفًا: «إذا دفعوا الناس إلى الزاوية، فإن الأمور ستنفجر، تماماً كما حدث في غزة».
كما دخل ضباط إسرائيليون إلى القرى للقاء الزعماء المحليين والمطالبة بجمع كل الأسلحة الموجودة في بلداتهم وتسليمها للجيش الإسرائيلي، وفقًا لسبعة من السكان. وقالوا إن البلدات امتثلت في الغالب للأمر، مما دفع الجنود الإسرائيليين إلى إخراج البنادق بالشاحنات.
ولم ترد إسرائيل على طلبات التعليق على اتهامات محددة من جانب السكان المحليين. لكنّ الجيش الإسرائيلي قال يوم الأربعاء إن قواته صادرت ودمرت أسلحة كانت مملوكة في السابق للجيش السوري، بما في ذلك صواريخ مضادة للدبابات وأجهزة متفجرة.
وقال سكان سوريون وزعماء محليون في منطقة الحدود إن المركبات العسكرية الإسرائيلية ألحقت أضرارا بأنابيب المياه وكابلات الكهرباء في بعض القرى، ما تسبب في انقطاع التيار الكهربائي والمياه.
تركي المصطفى (62 عاما) يضيف، أنه لم تكن هناك مياه جارية في بلدته الحميدية منذ دخول القوات الإسرائيلية إلى المنطقة العازلة، مشيرًا إلى أن القوات سمحت بنقل بعض المياه بالشاحنات، لكنها أقامت حواجز على الطرق حول البلدة، وأمرت السكان بالدخول والخروج في ساعات محددة فقط.
وقال أحمد خريوش (37 عاماً) وهو من سكان بلدة رافيد إن استقبال شبكات الهاتف المحمول أصبح متقطعاً أيضاً في المنطقة العازلة منذ التوغل الإسرائيلي، مما يجعل الاتصالات صعبة، مضيفًا: «الآن يعيش الجميع في خوف من الجيش الإسرائيلي. لا نريد أن تتفاقم الأمور بيننا. نريد فقط السلامة والأمن».
واحتج بعض السوريين على الوجود العسكري الإسرائيلي، فنظموا مظاهرات في أربع قرى على الأقل. وقال اثنان من سكان بلدة سويسا إن جنودًا إسرائيليين أطلقوا النار وأصابوا عدة أشخاص خلال احتجاج هناك في 25 ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وعن المتظاهرين، قال أحد السكان، زياد الفحيلي (43 عاماً): «كانوا غير مسلحين ويرددون شعارات ضد الانتشار الإسرائيلي في المنطقة. في البداية، أطلق الجنود النار في الهواء، لكن عندما استمر الحشد في السير نحوهم، أطلقوا النار على المتظاهرين».
الجيش الإسرائيلي يرد
فيما قال الجيش الإسرائيلي إن قواته أطلقت «طلقات تحذيرية» في قرية سويسة، وإنه ينظر في تقارير تفيد بإصابة مدنيين.
وحتى قبل سقوط الأسد، كانت إسرائيل تشعر بالقلق من اكتساب الميليشيات المدعومة من إيران موطئ قدم على طول الحدود السورية. وكانت الطائرات الحربية الإسرائيلية تضرب بانتظام مسؤولين إيرانيين وحلفائهم في سوريا كجزء من حرب الظل التي استمرت لسنوات بين الجانبين.
ويعكس قرار إرسال القوات مخاوف بشأن احتمال وقوع هجمات مفاجئة على إسرائيل، مثل تلك التي أدت إلى حرب غزة التي اندلعت عام 2023. وقد أدى ذلك إلى حروب إسرائيل مع حماس في غزة وحزب الله في لبنان، إلى جانب الغارات الجوية الإسرائيلية على أهداف مرتبطة بإيران في سوريا قبل فترة طويلة من الإطاحة بالأسد.
وفي هذا الشهر، قال وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر: «إن إسرائيل تراقب عن كثب الوضع في سوريا، ولن تعرض أمنها للخطر. ولن نسمح بتكرار سيناريو السابع من أكتوبر/تشرين الأول على أي جبهة».
وقد انتقدت القيادة السورية الجديدة التحركات العسكرية الإسرائيلية. ووصف المنتقدون في الخارج، بما في ذلك العديد من الدول العربية وفرنسا، تصرفات إسرائيل بأنها انتهاك للهدنة المستمرة منذ عقود من الزمن ودعوا إسرائيل إلى الانسحاب.
واتهمت مصر إسرائيل بـ«استغلال حالة عدم الاستقرار الحالية في سوريا لتوسيع سيطرتها الإقليمية وفرض واقع جديد على الأرض».
ترتيبات جديدة
ويقول المسؤولون الإسرائيليون إنهم لن ينسحبوا إلا بعد وضع «ترتيبات جديدة» على طول الحدود. ونظراً للوضع الداخلي في سوريا، فقد يستغرق ذلك شهوراً أو حتى فترة أطول.
وفي كودانا، وهي قرية سورية صغيرة تقع خارج المنطقة العازلة مباشرة، وصلت مركبات مدرعة إسرائيلية بعد أيام قليلة من سقوط الأسد، وفقاً لرئيس بلدية القرية ماهر الطحان، الذي أشار إلى أن القوات الإسرائيلية طلبت من زعماء القرية بث رسالة عبر مكبرات الصوت في المساجد تأمر سكان كودانا البالغ عددهم نحو 800 نسمة بتسليم أي أسلحة.
وقال إنه منذ ذلك الحين، جلب الجيش الإسرائيلي مولدات كهربائية وأقام ثكنات مؤقتة في التلال المطلة على كودانا. لكن بما أن معظم آبار كودانا تقع على قمم تلك التلال، فقد لجأ السكان إلى شراء المياه باهظة الثمن من خلال الشاحنات بدلاً من ضخها من الأرض.
الطحان أضاف: «يتعين على الجيش الإسرائيلي أن يغادر في أقرب وقت ممكن. وطالما ظلوا هنا فإن المشاكل على الجانبين سوف تستمر في النمو».
aXA6IDIxMy4xNjUuMjQ3LjkzIA== جزيرة ام اند امز