الدرعية.. مهد الثقافة السعودية من التأسيس إلى الازدهار
لم تكن “الدرعية” منطلقا لتأسيس الدولة السعودية الأولى قبل 3 قرون فقط، بل كانت مهدا لثقافة المملكة وعاصمة للفكر بالمنطقة.
وتحتفل السعودية، الخميس، بيوم التأسيس 2024، الذي يوافق ذكرى تأسيس الدولة السعودية الأولى قبل نحو 3 قرون، مع تولي الإمام محمد بن سعود حكم الدرعية (العاصمة الأولى للدولة والتي تبعد عن مركز الرياض العاصمة حاليا 20 كيلومترا منتصف عام 1139هـ الموافق 22 فبراير/شباط 1727م).
وتُنظّم وزارة الثقافة السعودية بتلك المناسبة خلال الفترة من 21 إلى 26 فبراير/ شباط باقةً من الفعاليات الثقافية والتاريخية احتفاءً بيوم التأسيس 22 فبراير/ شباط.
وتعيد تلك المناسبة التاريخية المهمة تسليط الضوء على “الدرعية” عاصمة الدولة السعودية الأولى.
اهتمام القيادة السعودية
حظيت الدرعية عاصمة الدولة السعودية الأولى باهتمام كبير من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، وتوج هذا الاهتمام بتسجيل حي الطريف التاريخي بالدرعية بقائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “يونسكو” عام 2010، حين كان الملك سلمان بن عبدالعزيز أميرا للرياض.
وبعد عامين من تولي الملك سلمان بن عبدالعزيز الحكم، وتحديدا في 2017، تم تأسيس هيئة تطوير بوابة الدرعية برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وأضحى مشروع تأهيل وتطوير الدرعية التاريخية أحد أهم مخرجات ومنجزات رؤية المملكة 2030.
لتُصبح “بوابة الدرعية” أكبر مشروع تراثي وثقافي في العالم، دشنه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019م، ويتابع مُنجزاته المتنامية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
ويسعى المشروع لإنشاء عدد من المتاحف المتميزة، والفنادق العالمية ذات الطراز التاريخي، ليعيش الزائر تجربةً فريدةً من خلال عراقة المدن القديمة، وفقًا لأفضل المعايير العالمية العصرية المتميزة، بالإضافة إلى أسواق تجارية على الطراز القديم، حيث تنتشر الأسواق المفتوحة على ضفتي وادي حنيفة، ليعيد تجسيد أدواره الموسمية العريقة.
ومع اكتمال مشاريع تطوير الدرعية السياحية والثقافية والتراثية ستتحول الدرعية التاريخية إلى واحدة من أهم الوجهات السياحية والثقافية وأماكن الجذب في المنطقة والعالم.
وفضلاً عما تمثله الدرعية كعنصر مهم في تحقيق تطلعات رؤية المملكة 2030 وما تشهده من تطورات جعلت منها أيقونة ومقصداً ثقافياً وسياحياً على المستويين المحلي والدولي، تم اختيارها عاصمة عربية للثقافة لعام 2030، بعد مصادقة وزراء الثقافة العرب في اجتماعهم السنوي الذي عقد دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة بالفترة من 19 إلى 20 ديسمبر/ كانون الأول 2021.
وتُشكل الدرعية اليوم بصمة خاصة في الثقافة السعودية، فتُعد أحياؤها التراثية، وعمارتها الأثرية، ومتاحفها، مركزًا عربيًا حضاريًا يجمع عراقة التاريخ والتقدم التقني، فضلًا عن كونها وجهةً سياحيةً، ومركزًا لإقامة المناسبات الثقافية والرياضية حيث تتضافر في العمل على تطويرها جهات حكومية عدة، على رأسها وزارة الثقافة، وهيئة تطوير بوابة الدرعية.
تطوير الدرعية
وضمن أحدث مستجدات مشروع تطوير الدرعية، تم في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وضع حجر الأساس لـ 7 فنادق عالمية فاخرة إضافة إلى تدشين فندق “باب سمحان”، الذي يعد واحدًا من بين أكثر من 41 فندقًا في الدرعية.
كما شهد الشهر نفسه الإعلان عن اختيار مصمم مشروع دار الأوبرا الملكية في الدرعية، ضمن خطط “شركة الدرعية” لتحويل الدرعية إلى وجهةٍ سياحيةٍ وثقافيةٍ عالمية، تجذب أكثر من 50 مليون زيارة بحلول 2030.
وستُصمّم دار الأوبرا وفقًا للطراز المعماري النجدي الأصيل، وأعلى معايير الاستدامة عالميًا، برؤية قائمة على مزج الثقافة النجدية الأصيلة مع التصاميم الحديثة والفنون المعمارية المعاصرة، مع توظيف المساحات والإطلالات التراثية العريقة التي تتداخل مع الطبيعة الخلابة التي تزخر بها الدرعية.
أيضا ضمن مشروع التطوير، ستضم الدرعية ضمن جنباتها، “مركز الدرعية لفنون المستقبل”، الذي يُعد أول مركزٍ تعليميٍ فنيٍ مخصصٍ للفنون الرقمية في المملكة، إذ أُطلق المركز كمشروعٍ مشتركٍ بين شركة الدرعية ووزارة الثقافة؛ بهدف دعوة مبدعي الفنون الرقمية لتنظيم فعاليات رقمية مشتركة، إضافة إلى تقديم مناهج تعليمية تدرّس على مدى عام كامل، وتتناول السمات والجوانب الرقمية للمشهد الفني، ويمثّل المركز أحد النماذج التعاونية لإبراز الفنون والاحتفاء بالطاقات الشابة.
ويعكسُ المركزُ الذي يتخذ من الدرعية التاريخية مقراً له، التزامَ وزارة الثقافة بالمحافظة على التراث السعودي، مع إيجادِ فُرَصٍ للتعبير الفني الإبداعي، بحيث يسهم في إثراء المشهد الفني المزدهر في السعودية، وتعزيز مكانة الدرعيّة كوجهةٍ ثقافيّةٍ عالميّة، ومَوطِنٍ لفنون الوسائط الجديدة.
أيضا شهد شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي وضع حجر الأساس لنادي الدرعية الملكي للفروسية والبولو، وكذلك تعشيب ملعب الغولف الأكبر في وادي صفار الذي صمّمه بطل الغولف العالمي غريغ نورمان، واستكمال الحفر التسعة الأولى في الملعب الذي يتكوّن من 27 حفرة, حيث يُستهدف أن يُصبح وجهةً رائدةً لعشّاق الرياضة في المملكة والعالم.
ويوما بعد يوم، تعزز الدرعية مكانتها السياحية والتراثية والثقافية من خلال جذب العديد من السياح والزوار من مختلف أنحاء العالم، خاصةً بعد افتتاح حي الطريف التاريخي المدرج على قائمة “يونسكو” للتراث العالمي، ومطل البجيري الذي تجتمع فيه أرقى وجهات الضيافة والطعام.
وينفرد “مطل البجيري” بمجموعة منتقاة من محلات التسوق المحلية والعالمية وأشهر المطاعم والمقاهي من حول العالم لتتيح للزوار تجربة مجموعةٍ من المأكولات المتنوعة في أكثر من 20 مطعمًا ومقهى بين المطبخ السعودي الأصيل والمأكولات العالمية.
ويوفر المكان للزوار تجربة فريدة للاستمتاع بالعديد من الفعاليات الترفيهية والموسيقية والبرامج الثقافية، التي تسلط الضوء على ثقافة الدرعية الأصيلة، وتراثها الفريد بأنواعه وتعزز من مكانة الدرعية كنقطة التقاء وتواصل للجميع من مختلف أنحاء العالم.
وتنسجم مكونات مطل البجيري مع طبيعة المباني التاريخية في الدرعية، التي تعد رمزاً للهوية السعودية ومقر حكم الدولة السعودية الأولى، حيث استخدم في تطوير الموقع على أدوات ومواد أصيلة يعود عمرها إلى 300 عام، يدخل فيها الطوب الطيني على الطراز المعماري النجدي التقليدي.
رؤية 2030
ويحقق مشروع بوابة الدرعية العديد من تطلعات وأهداف رؤية المملكة 2030 الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، منها تعزيز وحماية التاريخ والتراث السعودي الحضاري، وتطوير المواهب المحلية في مجال البحوث الأكاديمية والتاريخية والتراثية، وتعزيز قيمة الاعتزاز بالتاريخ والتراث الوطني، وزيادة الناتج المحلي الإجمالي وتطوير المحتوى المحلي.
أهداف تتقاطع مع أهداف الاحتفال بيوم التأسيس الذي أضحى مناسبة وطنية عزيزة توضح مدى رسوخ وثبات مؤسسة الحكم ونظام الدولة في السعودية لمدة زادت عن 3 قرون، واستمرار دورها في خدمة القبلتين وضيوف الرحمان، والذي كان أولوية قصوى لأئمة الدولة السعودية وتوارثها ملوك المملكة وصولًا إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود.
وتواصل هيئة تطوير بوابة الدرعية أعمالها في سبيل الحفاظ على الموروث الثقافي للدرعية وإبرازه بما يليق بمكانته التاريخية والحضارية، وبما يعمق الهوية الوطنية لدى أبناء المملكة ويزيد من معرفتهم بماضي أجدادهم، يأتي ذلك جنباً إلى جنب مع أعمال التطوير المستمرة في “بوابة الدرعية” والتي تشمل البنى التحتية والأسواق والمرافق الترفيهية والسكنية ذات الأنماط العصرية، بما يحول الدرعية إلى وجهة أولى عالمية.
احتفالية ثقافية كبرى
وتُنظّم وزارة الثقافة السعودية باقةً من الفعاليات الثقافية والتاريخية احتفاءً بيوم التأسيس؛ لتُشارك في هذه المناسبة الوطنية التي تستحضر قصةً عظيمة لوطنٍ تأسّس قبل أكثر من 3 قرون، وتُعيد للذاكرة القصة الملحمية لتأسيس الدولة السعودية على يد الإمام محمد بن سعود وما صاحب ذلك من قصص وبطولات أسهمت في بناء كيانٍ سياسي يَنعَمُ بالوحدة، والاستقرار، والازدهار.
وأعدّت الوزارة مجموعة من الفعاليات الثريّة في مختلف المجالات في عددٍ من مدن المملكة، ومن أبرزها فعالية “ليالي التأسيس” التي تأخذ الزائر في رحلةٍ عبر الزمن من خلال أمسية شعرية وغنائية تُقام يومي 21 و22 فبراير/ شباط على مسرح أبو بكر سالم بمنطقة بوليفارد سيتي بمدينة الرياض، تجمع بين الشعر والغناء بحضور نخبة من الشعراء والفنانين؛ لتقديم أجمل القصائد والأغاني، التي أثّرت في وجدان الشعب السعودي عبر التاريخ.
وفي فعالية “سيمفونية البداية” التي تُقام خلال يومي 25 و26 فبراير/ شباط على مسرح أبو بكر سالم في بوليفارد سيتي، ستحتفي الوزارة بهذه المناسبة من خلال عرض أوركسترا موسيقي ممزوج بالآلات السعودية، في تجربة موسيقية تأخذ الزائر في رحلةٍ زمنية وطنية تُروَى من خلالها قصة تأسيس الدولة السعودية، ويُشارك في العرض نخبة من الشعراء السعوديين، والملحنين، والفرقة الوطنية للموسيقى.
وتمثل فعالية “مسار التاريخ” رحلةً يستمتع فيها الزائر بعددٍ من المشاهد والمنحوتات التي تعكس القيم الراسخة للتأسيس من خلال مسارٍ يُعرَض فيه 19 مشهداً مُعبِّراً عن الخط الزمني لتاريخ الدولة السعودية منذ 1727م وحتى اليوم.
أما فعالية “قرية التأسيس” فستُقام خلال الفترة من 22 إلى 24 فبراير/ شباط في 14 مدينة ومحافظة حول المملكة وهي: المدينة المنورة، وحائل، وتبوك، وعرعر، والدمام، ونجران، والباحة، وسكاكا، والأحساء، وأبها، والطائف، والقصيم، وجازان، وجدة؛ لتُحيي قصصاً من ماضي المملكة في تجارب غنية تحتفي بالموروث الثقافي، وتتكون من مسارٍ يعبّر عن الخط الزمني للماضي الممتد منذ 300 عام، ويحتضن عروضاً لأهم الحرف التقليدية بطريقة مبتكرة، وساحة الثقافة التي تحتفي بأهم القصص والإنجازات من فترة التأسيس، بالإضافة إلى منطقة خاصة بالأطفال تحتوي على تجارب تفاعلية، ومنطقة للعائلة تتضمن تجارب ترفيهية كالألغاز والألعاب، ومنطقة الأطعمة التي تُقدم تجربة مذاق الأصالة السعودية، بالإضافة إلى مجموعة متنوعة من الفعاليات الثقافية في مختلف المجالات التراثية، والموروث اللفظي، والطهي، والفعاليات الرقمية لتمزج من خلال ذلك عراقة الماضي بالحياة المعاصرة.
aXA6IDE5Mi4yNTAuMjM5LjExMCA= جزيرة ام اند امز