«العين الإخبارية» تتعقب قتلة «بلعيد».. ما هو التنظيم السري لإخوان تونس؟
كل القرائن أمام القضاء في تونس تدين الجهاز السري لتنظيم الإخوان بوقوفه وراء اغتيال القيادي اليساري شكري بلعيد، فيما تحاول حركة “النهضة” التنصل من تلك التهمة.
وقد وجهت هيئة الدفاع عن القيادي اليساري شكري بلعيد تهمة القتل إلى الجهاز السري للإخوان وعلى رأسه زعيمه راشد الغنوشي.
وقالت المحامية التونسية وعضو هيئة الدفاع عن شكري بلعيد إيمان قزارة، لـ”العين الإخبارية”، إنه “تبين أن الجهاز السري للإخوان هو الجهة المدبرة لاغتيال بلعيد”، متهمة راشد الغنوشي، بالوقوف وراء العملية، باعتباره رئيس الجهاز الذي لا يمكن لأعضائه القيام بأي عمل دون علمه.
وقالت “نتهم الغنوشي رأسا بالتخطيط لاغتيال بلعيد، فيما تولى تنظيم أنصار الشريعة (المحظور) تنفيذ الاغتيال”.
واعتبرت قزارة أن النيابة العامة التونسية تحررت من سيطرة حركة النهضة، وقالت إن “أجهزة وجهات أمنية وقيادات أمنية كبرى، تشمل رئيس جهاز المخابرات التونسية الأسبق إضافة للقضاء، تورطوا في هذه القضية”.
ورفض الغنوشي في يونيو/حزيران الماضي المثول أمام القاضي المتعهد بالملف لاستجوابه حول الجهاز السري، فقرر القاضي إصدار بطاقة إيداع بالسجن بحقه.
ويرى مراقبون للمشهد السياسي التونسي أن “النهضة” بالرغم من إدانتها التامة في قضية الجهاز السري، ما زالت تحاول التنصل من القضية وتكذيبها.
وقال عماد الخميري القيادي بحركة النهضة الإخوانية إنه يتحدى هيئة الدفاع عن بلعيد أن تعرض أسماء المتهمين في القضية من حركة النهضة.
وزعم أنه “لا يوجد اتهام وحيد للحركة أو أي قيادي بها بالتورط في الاغتيالات”.
من جانبه، قال عبد الرزاق الرايس المحلل السياسي التونسي إن “حركة النهضة لم يعد لها سوى التكذيب لأن جميع القرائن والأدلة تدين تنظيمها وعلى رأسه راشد الغنوشي”.
وأكد الرايس في تصريحات لـ”العين الاخبارية” أن النهضة منذ وصولها للحكم استطاعت التغلغل داخل الدولة التونسية عن طريق تشكيل أجهزة موازية في الأمن والقضاء والنقابات وفي الإعلام لأنها لا تستطيع العمل بوجوه مكشوفة وتعمل دائما في الخفاء.
وقال إن “قيادات النهضة البارزة كلها تقبع في السجون في جرائم إرهابية ارتكبوها خلال العشر سنوات الماضية، ولعل أبرزها وزير الداخلية الأسبق علي العريض ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي ووزير العدل الأسبق نور الدين البحيري وغيرهم”.
واعتبر أن “حركة النهضة ترقص رقصة الديك المذبوح وليس لديها أي حل سوى التكذيب من أجل التمويه أمام الرأي العام التونسي والدولي”.
وأكد وجود إرادة سياسية لكشف الحقائق والتوغل في القضايا المعقدة والمثيرة للجدل، دون استثناء أي متهمين مهما كان شأنهم من المثول أمام القضاء”، مؤكداً أن ذلك أثر في التطور الملحوظ في قضية اغتيال بلعيد.
تفاصيل قضية الجهاز السري
وكان لطفي بن جدو وزير الداخلية الأسبق قد اعترف أن حركة النهضة تمتلك أجهزة تنصت تفوق قدرات الجيش والأمن في تونس، وهي تجهيزات في شكل حقائب قادرة على التقاط 4000 مكالمة في نفس الوقت وعادةً ما تنتقل في سيارات مغلقة.
وعند تفتيش مدرسة تعليم قيادة السيارات، يملكها المشرف على الجهاز الأمني الموازي مصطفى خذر بمنطقة المروج ضواحي العاصمة التونسية خلال سنة 2015، ضُبطت لديه وثائق تتضمن قوائم تفصيلية لآلاف المجرمين في إقليم تونس الكبرى تتضمن هوياتهم وأرقام هواتفهم.
كما كان خذر المسؤول عن البريد الخاص لوزير الداخلية الأسبق الإخواني علي العريض،بالرغم من عدم وجود صفة رسمية له.
ومصطفى خذر هو المتورط الرئيسي في قضية اغتيال شكري بلعيد، وقد تم سجنه، سنة 2013 بتهمة التستر على جريمة الاغتيال، لكن بعد 8 سنوات استطاعت حركة النهضة إطلاق سراحه وتهريبه خارج تونس.
وعند تفتيش منزل خذر عام 2013 عُثر على وثائق تتضمن مكالمات هاتفية ومراسلات بين المتهم الرئيسي في اغتيال بلعيد والبراهمي، ومصطفى خذر، وبين وزير العدل نور الدين البحيري، والداخلية علي العريض، في ذلك الوقت، وهما من قيادات حركة النهضة.
وكان خذر عسكريا وعضوا في المجموعة الأمنية المعروفة بارتباطها بالنهضة، والتي كانت متهمة بمحاولة الانقلاب على الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة عام 1987، وخرج من السجن بعد سقوط نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي.
خذر نفسه كان مكلفا من الحركة بجمع المعلومات الشخصية عن عناصر الأمن والصحفيين، وحتى سائقي سيارات الأجرة، الذين يمكن للحركة التعويل عليهم في تنفيذ مخططاتها المشبوهة.
كما تشير معلومات كشفت عنها هيئة الدفاع سابقا في الأعوام الماضية إلى طبيعة عمل الجهاز السري للإخوان، الذي يضم جهازا استخباراتيا داخل الدولة يتألف من 21 ألف عنصر دُمجوا في الحكومة التونسية، بمقتضى قانون العفو التشريعي العام، وعينوا في وظائف حساسة.
ويتكون هذا الجهاز من وجوه إخوانية وقيادية بحركة النهضة من بينهم مصطفى خذر(خارج البلاد) وهشام شريب، وشرف الدين كريسعان وخالد التريكي، والطاهر بوبحري، وقيس بكار، وبلحسن النقاش، وعلي الفرشيشي، وكمال العيفي(هرب خارج البلاد ومستقر بماليزيا)، ورضا الباروني(هرب خارج البلاد)، والعروسي بن ابراهيم، وسليمان عويس، وتمام اصبعي إضافة لقيادات أمنية مثل رئيس المخابرات التونسية الأسبق محرز الزواري وفتحي البلدي رجل الظل (كون الجهاز الأمني الموازي) وسمير الحناشي.
وسنة 2022، تولت النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية بتونس فتح بحث تحقيقي ضد تلك الأسماء.
مكونات الجهاز السري
يذكر أن عبدالكريم العبيدي الذي تم إصدار في حقه مذكرة اعتقال مؤخرا يعد واحدا من أخطر عناصر جهاز “الأمن الموازي” الذي اشتغلت به حركة النهضة وممّن تورّطوا في إختراق الدولة.
والعبيدي هو كادر أمني بأمن الطائرات مودع حاليا في السّجن بموجب مذكرة إيداع سابقة بالسجن في ملف التّسفير مع كل من علي العريّض و فتحي البلدي، بتهمة الإنضمام لتنظيم إرهابي وتسهيل تنفيذ عمليّات ذات طابع إرهابي.
فيما كان محرز الزواري المدير العام السابق للمصالح المختصة (المدير العام للمخابرات التونسية) بوزارة الداخلية هو ذراع مصطفى خذر .
عمد الزواري بصفته مدير إدارة المخابرات التونسية على انتداب مجموعة تتكون من 20 شخصا، وهي مجموعة أمنيّة غير مسجّلة بالدّفاتر الرسميّة لوزارة الداخلية، ثم كلّف شخصا بالإشراف على تدريب هذه العناصر التي كانت ضالعة في اغتيال شكري بلعيد وفي جرائم إرهابية أخرى على الفنون القتالية.
أما فتحي البلدي المستشار السابق بوزارة الداخلية ،فقد قام بتكوين جهاز الأمن الموازي في وقت وزير الداخلية الأسبق علي العريض (المسجون على ذمة قضية التسفير إلى بؤر الإرهاب) وقام بتكوين شبكة علاقات مع كوادر أمنية متعدّدة داخل الوزارة.
ورافق البلدي أغلب وزراء الداخلية حتى حكومة هشام المشيشي، وقد شمله قرار الإحالة للتقاعد الوجوبي الصادر في ديسمبر/كانون الأول 2021.
والبلدي كان عون أمن قبل سنة 2011، وبعد التفطن لانتمائه للجهاز السري للحركة من قبل نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، تمّ عزله والحكم عليه بالسجن لمدة أكثر من 15 سنة بتهمة الانتماء لتنظيم غير معترف به.
وفي 2011، تمت إعادة دمج البلدي في وزارة الداخلية ومنحه كافة الامتيازات، وشغل منصب مستشار وزير الداخلية آنذاك علي العريض، ولم يفارقه حتى عند ترؤسه لحكومة الترويكا الثانية، ولكن بصفة غير رسمية.
أما سمير الحناشي فيعد أخطر عناصر الجهاز وقد تم تعيينه في منصب مستشار بديوان رئيس الحكومة التونسية الإخواني حمادي الجبالي، وفي 2012 تم تعيينه مستشارا لدى الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي، حتى يكون عين حركة النهضة داخل القصر الرئاسي.
والحناشي هو عسكري متقاعد ينتمي إلى مجموعة ”براكة الساحل”، وهو رمز يشير لمجموعة إخوانية حاولت عام 1991 اغتيال الرئيس التونسي الراحل زين العابدين بن علي. وآنذاك وُجهت إلى مجموعة “براكة الساحل” تهم الانضمام لتنظيم إرهابي وتوفير أسلحة ومتفجرات وذخيرة ومواد ومعدات وتجهيزات مماثلة ومعلومات لصالح هذا التنظيم.
كما كان الحناشي هو واحد من المتّهمين بالتخطيط لعملية “سليمان الإرهابية” نهاية عام 2006، غير أنه استفاد من العفو التشريعي العام بعد 2011 كغيره من الإرهابيين.
أما كمال البدوي وهو سجين سابق من حركة النهضة وعسكري متقاعد، ينتمي إلى ما يعرف بمجموعة “برّاكة الساحل” أيضا، وهو متهم في ملف الجهاز السري، كما أنه المشرف على الحراسة في منزل راشد الغنوشي.
وقالت هيئة الدفاع عن شكري بلعيد ومحمد البراهمي إنه تم الكشف عن تسجيلات للاتصالات بين مصطفى خذر، المتورّط في جريمة الاغتيال مع راشد الغنوشي عبر شخص آخر، هو كمال البدوي، إذ تم تسجيل 11 اتصالاً هاتفياً بعد منتصف ليل وقوع جريمة اغتيال محمد البراهمي في 25 يوليو/تموز 2013.
أما رضا الباروني وهو عضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة فقد هرب من تونس قبيل إجراءات 25 يوليو/تموز 2021، وهو قيادي بارز بالجهاز السري للإخوان.
والباروني هو ضابط سابق في الجيش التونسي والذي كُشف بعد وقوع مصطفى خذر في أيدي الأجهزة الأمنية، بصفته المسؤول المباشر عن خذر، وواسطته للقيادة العليا، بحسب اعترافات خذر نفسه أمام قاضي التحقيق المكلف بقضية اغتيال شكري بلعيد.
وعمل الباروني ضابطا بالجيش التونسي برتبة ملازم أول، وخلال سنة 1987 تورط في محاولة الانقلاب عسكرياً على الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، إلا أنه هرب إلى إسبانيا، وهناك حصل على اللجوء السياسي متنقلاً بين إسبانيا وألمانيا، لكنه عاد إلى تونس وأصبح فورا عضواً بالمكتب التنفيذي للنهضة، يشرف على إدارة الشؤون المالية والإدارية.
غير أنه، وبعد تورط الباروني بهذا الملف وكشف علاقته المباشرة مع هذا الجهاز، قررت حركة النهضة إبعاده عن الواجهة، وخفضت رتبته بالحزب.
aXA6IDE5Mi4yNTAuMjM5LjExMCA= جزيرة ام اند امز