المال العام وحرمة التعدي عليه موضوعٌ لخطبة الجمعة المقبلة
الخميس 14/نوفمبر/2024 – 02:04 ص
حددت وزارة الأوقاف، موضوع خطبة الجمعة المقبلة 15 نوفمبر 2024م بعنوان: “المال العام وحرمة التعدي عليه”.
وقالت وزارة الأوقاف إن الهدف المراد توصيله إلى جمهور المسجد من خلال هذه الخطبة هو توعية جمهور المسجد أن المال العام منفعة عامة للجميع، وبيان حرمة التعدي عليه بأي صورة من الصور.
نص خطبة الجمعة المقبلة
“الحمد لله رب العالمين، بديع السماوات والأرض، ونور السماوات والأرض، وهادي السماوات والأرض، أقام الكون بعظمة تجليه، وأنزل الهدى على أنبيائه ومرسليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلها أحدا فردا صمدا، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، أرسله الله تعالى رحمة للعالمين، وختاما للأنبياء والمرسلين، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:-
فإن المتأمل في البيان النبوي الشريف يجد وعيدا شديدا وترهيبا حادا من التعدي على المال العام بأي صورة من الصور، حيث يقول نبينا صلوات ربي وسلامه عليه: «إن رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق، فلهم النار يوم القيامة»، أرأيتم أيها الناس قدسية المال العام وعظمته؟! أرأيتم ماذا سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ إن المال العام هو مال الله تعالى.
أيها المعتدي على المال العام أفق! أنت لا تعتدي على مال الوطن والمواطنين فقط، أنت تعتدي على مال الله جل جلاله! أعلمت هول الأمر وشدته وعظمته؟! إن المال العام هو المال المقدس، إن التعدي على المال العام جور وبغي على المال الذي نسب إلى الله تعالى نسبة صيانة وحماية وحفظ! أيها المعتدي على المال العام تأمل عقاب الذين يعتدون على مال الله بتضييعه وسوء التصرف فيه والأخذ منه بغير حق، إن الجزاء نار حامية، يقول صلى الله عليه وسلم: «فلهم النار يوم القيامة»، ويقول صلوات ربي وسلامه عليه: «أيما لحم نبت من حرام فالنار أولى به».
وهنا يتحرك في عقولنا جميعا سؤال: ما هو المال العام؟ ونجيب فنقول: المال نوعان، مال خاص ومال عام، أما المال الخاص فهو ممتلكاتك أنت الشخصية، مثل منزلك، وثوبك، وكتابك، ومكتبك، وأغراضك ومتعلقاتك الشخصية، وهذه لها حرمة عظيمة؛ حماية من الشرع لك ولحقوقك، حيث قال الله تعالى: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل}، وقال صلى الله عليه وسلم: «لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه»، وقال صلوات ربي وسلامه عليه: «كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعرضه»، فهذا هو المال الخاص.
وأما المال العام فهو الذي لا تملكه وحدك، ولا يخصك وحدك، ولا يقتصر نفعه عليك وحدك، بل يملكه الناس جميعا، وينتفع به الناس جميعا، مثل المواصلات العامة، والشوارع، والكهرباء، والماء، والمدارس، والمستشفيات، والمرافق العامة المختلفة، فربما يتساهل فيه بعض الناس لأنه ليس من أملاكهم الخاصة، فيتجرؤون عليه ويعتدون عليه ويستسهلون أمره، ألا إن هذا الأمر عظيم! وإذا كان الله تعالى عظم أملاكك الخاصة وحرم على الناس العدوان عليها، فهل يباح لك أنت العدوان على مال الناس جميعا؟! وهل أملاكك الخاصة أعظم حرمة مما هو مملوك للناس جميعا وينتفع به الناس جميعا، وأنت واحد منهم؟!
إن من أعظم الغفلة عن الله وعن حرمات الله أن يختل ميزانك، وأن تنعكس الأمور وتلتبس عليك، فتعظم حرمات أموالك وأملاكك أنت، وتستبيح ما يملكه وينتفع به الناس جميعا، إن المال العام أعظم حرمة، وأشد حماية عند الله وعند رسوله صلى الله عليه وسلم من حرمة المال الخاص، مع شدة تعظيم حرمة المال الخاص، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتدرون ما المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار»، فإذا كان هذا الوعيد فيمن أكل مال فرد واحد «وأكل مال هذا»، فكيف بمن أكل أموال شعب، وضيع مقدرات وطن؟!
إن الميزان النبوي في التعدي على الأموال الخاصة يعظم غصنا ضئيلا مقطوعا من شجرة، فما الحال إذا كان المال المتعدى عليه عاما متعلقا بذمم كثيرة وحقوق متعددة؟! يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه، فقد أوجب الله له النار، وحرم عليه الجنة، فقال له رجل: وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله؟ قال: وإن قضيبا من أراك».
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فيا أيها الكرام! تحملوا مسئولياتكم تجاه وطنكم ومجتمعكم، حافظوا على موارد ومقدرات واقتصاد بلادكم، واعلموا أن جرائم الاختلاس، والرشوة، والتربح، وتسخير الوظيفة لخدمة مصالح شخصية، وغيرها من صور التعدي على المال العام غلول وخيانة وإثم مبين، قال الله تعالى: {ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة}، وتأملوا هذه الصورة البديعة في حسن التعامل مع المال العام، حين طلب أبو بكر بن عمرو بن حزم (أمير المدينة المنورة) من أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله أن يمده بمزيد من الأوراق التي يستخدمها في قضاء مصالح المسلمين، فوجهه إلى قانون عظيم في الترشيد والتدبير، حين كتب إليه: «أدق قلمك، وقارب بين أسطرك، واجمع حوائجك؛ فإني أكره أن أخرج من أموال المسلمين ما لا ينتفعون به».
ويا من تبتغي البركة في مالك وأهلك وأولادك، لا تأكل إلا طيبا، لا تطعمهم إلا طيبا، يا من تريد من الوهاب سبحانه إجابة دعائك وتحقيق آمالك، حافظ على أموال الناس ومرافقهم وممتلكاتهم العامة؛ حتى تبرأ ذمتك، ويطيب كسبك، وترضي ربك، وتنصح لوطنك وأمتك، وليكن هاديك قول المولى جل وعلا: {يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين}، وحاديك قول المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه: «أطب مطعمك؛ تكن مستجاب الدعوة»”.