بعد طرد السفير.. لماذا يستهدف ترامب جنوب إفريقيا؟

يُعد قرار إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بطرد السفير الجنوب إفريقي أحدث خطوة ضمن سلسلة من الإجراءات ضد دولة استُهدفت بالعقوبات واتُهمت باتباع سياسات معادية للبيض ومعادية للولايات المتحدة، حسب وكالة اسوشيتد برس.
التوترات بين الولايات المتحدة الأمريكية وجنوب أفريقيا
وفي خطوة مثيرة للجدل، كتب وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، عبر منصة إكس: السفير إبراهيم رسول لم يعد مرحبًا به في بلدنا العظيم، واصفًا إياه بأنه سياسي يحرّض على الكراهية العرقية ويكنّ العداء لأمريكا والرئيس دونالد ترامب.
ولم يوضح روبيو في منشوره أسباب القرار، لكنه أرفق رابطًا لمقال من موقع برايتبارت المحافظ، أشار إلى أن رسول قال في تصريحات الجمعة أن حركة اجعلوا أمريكا عظيمة مجددًا يمكن اعتبارها رد فعل على غريزة تفوّق عرقي.
وكان ترامب قد أصدر بالفعل أمرًا تنفيذيًا الشهر الماضي بقطع جميع أشكال التمويل عن جنوب إفريقيا، بسبب بعض سياساتها الداخلية والخارجية، وانتقد القرار الحكومة الجنوب إفريقية، التي يقودها السود، متهمًا إياها باتباع سياسات معادية للبيض في الداخل، ودعم جهات فاعلة سيئة على الساحة الدولية، مثل حركة حماس الفلسطينية وإيران.
الجدل حول المزارعين البيض في جنوب إفريقيا
جعل ترامب الأقلية البيضاء في جنوب إفريقيا محور اهتمامه، حيث اتهم حكومتها بشكل غير صحيح بانتهاك حقوق المزارعين الأفريكانيين البيض من خلال مصادرة أراضيهم بموجب قانون جديد لنزع الملكية، إلا أن الحكومة الجنوب إفريقية نفت هذه الادعاءات، مؤكدة أن سياساتها تهدف إلى تصحيح مظالم تاريخية وليست أداة للمصادرة.
وأثار تركيز إدارة ترامب على الأفريكانيين وهم أحفاد المستوطنين الهولنديين والأوروبيين جدلًا واسعًا، إذ أعاد طرح مزاعم سبق أن روج لها مستشار ترامب المولود في جنوب إفريقيا، إيلون ماسك، وبعض المعلقين المحافظين الأمريكيين، بأن الحكومة الجنوب إفريقية تتغاضى عن استهداف المزارعين البيض في ما يُعدّ إبادة جماعية، غير أن خبراء في جنوب إفريقيا نفوا وجود أي أدلة على استهداف البيض تحديدًا، مشيرين إلى أن جميع المزارعين، بغض النظر عن عرقهم، يعانون من أعمال عنف وجرائم سرقة في بلد يعاني من معدلات جريمة مرتفعة للغاية.
وتُعد قضية الأراضي في جنوب إفريقيا حساسة للغاية، إذ إنه بعد أكثر من 30 عامًا على نهاية نظام الفصل العنصري، لا يزال البيض يمتلكون معظم الأراضي الزراعية الخصبة، رغم أنهم يشكلون 7% فقط من السكان، وتؤكد الحكومة أن قانون نزع الملكية يهدف إلى معالجة هذا الخلل التاريخي وليس الاستيلاء على الممتلكات الخاصة.
وفي خطوة مثيرة للجدل، عرض ترامب منح المزارعين الأفريكانيين حق اللجوء في الولايات المتحدة ومسارًا سريعًا للحصول على الجنسية، لكن الجماعات التي تمثلهم صرحت بأنهم يفضلون البقاء في جنوب إفريقيا.
العلاقات مع إسرائيل وحماس
كما استشهد ترامب في فرض العقوبات على جنوب إفريقيا بدعوى أقامتها الأخيرة أمام محكمة العدل الدولية، تتهم فيها إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في غزة.
وأثناء مرافعات القضية المثيرة للجدل، اتهمت إسرائيل جنوب إفريقيا بأنها تعمل كوكيل لحركة حماس، وهو ادعاء كرره ترامب، معتبرًا أن موقف جنوب إفريقيا يُعبر عن سياسة خارجية معادية لأمريكا تدعم حماس وإيران والصين وروسيا.
ومنذ انتهاء نظام الفصل العنصري، دعمت حكومة جنوب إفريقيا القضية الفلسطينية، وهو موقف يمتد إلى عهد نيلسون مانديلا، أول رئيس أسود للبلاد، الذي قارن بين معاناة الفلسطينيين وما واجهه السود خلال حكم الأقلية البيضاء.
أما السفير إبراهيم رسول، فهو ينحدر من مجتمع مسلم في جنوب إفريقيا، عُرف بدعمه للقضية الفلسطينية، ومن جانبه، أشار كاتب مقال برايتبارت، جويل بولاك، إلى أن رسول يُعتبر مؤيدًا لحماس.
الملفات البيئية والتعددية
لم تقتصر انتقادات الولايات المتحدة لجنوب إفريقيا على هذه الملفات، بل امتدت إلى رئاستها لمجموعة العشرين هذا العام، حيث رفض روبيو حضور اجتماع وزراء خارجية المجموعة في جنوب إفريقيا الشهر الماضي، معلنًا أنه سيقاطع قمتها في نوفمبر المقبل.
وبرر روبيو موقفه بأن موضوع رئاسة جنوب إفريقيا لمجموعة العشرين الذي يركز على التضامن والمساواة والاستدامة، يعكس أجندة يسارية تتعلق بالتنوع والمناخ، مؤكدًا أنه لن يهدر أموال دافعي الضرائبة على هذه القمة.
التوترات منذ إدارة بايدن
ورغم أن حكومة جنوب إفريقيا أعربت عن دهشتها من عقوبات ترامب، مؤكدة رغبتها في إصلاح العلاقات مع واشنطن، إلا أن التوترات بين البلدين ليست جديدة.
فقد شهدت العلاقات بين البلدين خلافات حتى خلال إدارة بايدن، التي اتهمت جنوب إفريقيا بدعم روسيا في حربها ضد أوكرانيا، رغم زعمها اتباع موقف محايد، وكما هو الحال مع القضية الفلسطينية، فإن لجنوب إفريقيا روابط تاريخية مع روسيا، التي دعمتها خلال نضالها ضد الفصل العنصري.
وعلى الرغم من تأكيد الرئيس الجنوب إفريقي سيريل رامافوزا رغبته في الحوار مع إدارة ترامب، فإن حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الحاكم لم يُظهر دائمًا نفس الاندفاع، إذ استضاف الحزب مؤخرًا السفير الإيراني في مقره في جوهانسبرغ، مؤكدًا أنه لن يتخلى عن أصدقائه.