بين الماضي والحاضر.. كيف تحولت أفيشات الأفلام المصرية من تشريح مضمون العمل لـ رَص الأبطال؟
بين الماضي والحاضر، تتغير الأشياء وتنقلب النفوس وتتبدل الأحوال بأحوالٍ أخرى، فلا شيء دائم ولا معمّر، أذواقنا متعددة ومتغيرة، فما كنت عليه أمس، بالطبع تبدّل اليوم، كما تعد الفنون من المجالات التي أخذت نصيب الأسد من التغير، وتحديدًا الذوق الفني العام، حيث ما كنا نراه قديمًا، اختلف تمامًا عن الفترة الحالية، سواء نوعية الأعمال، أو طريقة تحدث الممثلين، طريقة سرد الأحداث، وكذلك الملصقات الدعائية للأعمال الفنية، وتحديدًا السينمائية، حيث تعد “أفيشات” الأفلام عامل جذب قوي للفيلم أو النفور منه، وبالطبع لا تحدد مؤشر نجاح الفيلم ومضمونه أو عدمه، ولكنها تعمل على خطف الأنظار كخطوة أولى لجذب عملية مشاهدة الفيلم بنجاح.
وبإلقاء نظرة متمعنة على أفيشات الأفلام السينمائية قديمًا وحديثًا، نرى الفرق بينهما كبيرا وواضحا للعيان، فنجد في بوسترات أفلام الثمانينيات والتسعينيات وما قبلهما، أن مصمم الأفيش كان يقوم بمثابة عملية تشريح لمضمون الفيلم، الذي كان يأخذ نبذة عنه من صُناعه، ليتخيل من منظوره الخاص كيف يمكنه وضع روح العمل وأجوائه على ملصق سيعمل على الدعاية والترويج للفيلم؟، فكانت أفيشات تلك الفترة تكشف أبعاد شخصيات الأبطال، تكشف الوجوه، وبالطبع المستور، وإليكم نبذة عن بوسترات أفلام الحقبة الفنية الماضي:
ولا يمكن عدم ذكر السمة الأهم في بوسترات الحُقب القديمة من السينما، وهي الجرأة التي كانت تغلب عليها، فلم يكن هناك خوف أو تردد من إضافة أي شيء أو أي منظر محدد، لخدمة مضمون الفيلم، فمثلا عندما تعرضت سعاد حسني للاغتصاب ضمن أحداث فيلم الكرنك، وضع مصمم البوستر ملامح تلك الواقعة على الأفيش، تشويقًا للجمهور، وإيضاحا طبيعة الفيلم الذين سيشاهدوه، وعندما كانت تجسد نبيلة عبيد دور امرأة لعوب في فيلم كشف المستور، ظهرت على أفيشه بهيئة توحي بملامح تلك الشخصية، قبل أن يتعرف عليها الجمهور فعليًا داخل أحداث الفيلم، وغيرهم كثير.
وإذا اتجهنا لـ أفيشات الأفلام السينمائية الحديثة، منذ أكثر من 10 سنوات وحتى الآن، وجدنا الملصقات الدعائية الخاصة بها متبعة استراتيجية الاقتصار على فكرة “رص أبطال الفيلم” فقط، فمثلا نشهد خلال تلك الفترة الحالية عودة لحالة الانتعاش الفنية، وعرض عدد كبير من الأفلام بدور العرض السينمائي، مما جعل المشاهدين ورواد مواقع التواصل الاجتماعي بصدد مقابلة عدد كبير من البوسترات أمامهم يوميًا، مما يُسهل عليهم عملية ملاحظة التشابهات الشديدة بين البوسترات الحالية، والتي لا يعبر أغلبها عن طبيعة مضمون ومحتوى الفيلم، وتفقد التواصل بين الشخصيات، وكذلك تفقد عنصر كتابة أسماء الأبطال على البوستر، وإليكم نبذة عن بوسترات أفلام الحقبة الفنية الحالية:
ماجدة خير الله: نعاصر قلة ضمير وإبداع في تصميم أفيشات الأفلام
وبناءً على ما سبق ذكره، والاختلافات الجوهرية بين أفيشات أفلام الماضي والحاضر، تواصل القاهرة 24 مع عدد من المعنيين بهذا الأمر، منهم الناقدة الفنية ماجدة خير الله، التي كشفت رأيها في هذا الأمر، وجاءت تصريحاتها على النحو التالي: أفيشات زمان اختلفت كثيرًا عن الزمن الحاضر؛ وهذا سببه ربما قلة الإبداع من مصمم الأفيش، أو قلة فهمه لمضمون الفيلم، ومعنى الترويج للأعمال الفنية بشكل عام، وهذا يعد أيضًا قلة ضمير لأن المصمم هذا يتقاضى أموالًا عن هذا الأفيش.
وعن دور صناع الفيلم الذي يتم تصميم الأفيش له، قالت ماجدة خير الله: المخرج ليس له علاقة بالصورة النهائية للأفيش، فهو ينتهي عمله بمجرد تسليم الفيلم للمنتج، وإنما هي مسألة ترويجية بحتة، تخص المنتج، الذي بالطبع لديه يد في خروج الأفيش بشكل لا يليق بالعمل؛ نظرًا لأنه يوافق على استلامه بهذه الهيئة، ولكن للأسف يبدو أن هذا الأمر لا يعنيهم، وهناك ثمة إبداع في ظل كل هذا، ستكون فكرة أفيش مسروقة من عمل أجنبي.
بشير الديك: الاختلاف بين أفيشات الماضي والحاضر أمر طبيعي
وهذا إلى جانب السيناريست والمخرج بشير الديك، الذي حالفه الحظ وعمل في أكثر من حقبة فنية، حيث قدم عدد من أفلام حقبة الثمانينيات والتسعينيات، التي تميزت أفيشاتها بالتفاصيل الدقيقة التي تشرّح مضمون العمل وتوضحه بشكل صريح وواضح، وعلق بشير الديك على هذا الأمر لـ القاهرة 24، قائلًا: بالطبع يوجد هناك فروق بين أفيشات الفترة السابقة والحالية للأفلام السينمائية؛ وهذا بسبب اختلاف العصور، وإن العصر الحالي يعتمد على السرعة والخفة، لم تعد هناك فكرة البحث عن العمق، فأرى أن السبب وراء هذا هو إن الظروف الاجتماعية مؤثرة بشكل كبير، ومثلما ذكرت أن السرعة وعدم التدقيق والتعجل أصبحوا من سمات العصر، ولكن لا يمكن إنكار إنه هناك أشياء ذات مستوى عالٍ، ولكن بنسبة قليلة جدًا.
كما أكد بشير الديك على إنه يعد فيلم إحنا بتوع الأتوبيس، هو أكثر أفلامه التي حرص فيها على توصيل فكر معين لمصمم البوستر، حيث جلس هو ومخرج الفيلم عاطف الطيب، مع مصمم البوستر لتوصيل رسائل ورؤى محددة، لتكوين بوستر يكون عنوانا للفيلم ويروج له بالشكل المناسب.
أحمد السبكي: العالم والأجيال والأذواق تتغير
ووجب التواصل مع أحد المنتجين، المعنيين بصلة مباشرة بخروج أفيشات الأفلام بصورة مناسبة ولائقة، لذلك تواصلنا مع المنتج أحمد السبكي، صاحب العديد من الأفلام السينمائية، التي تم طرحها خلال العشر سنوات الماضية، والذي علق على سبب اعتماد البوسترات حاليًا على استراتيجية “رص الأبطال” بشكل كبير، وقال: كانوا يعتمدون قديمًا على رسم البوسترات، ولكن حاليًا يعتمدون على إجراء جلسات التصوير لأبطال الفيلم، واستخراج الأفيش منهم، ومبرري الوحيد لأشكال البوستر الحالية هو أننا لا بد أن نواكب العصر وهذا أمر طبيعي، فالعالم يتغير، وبالتبعية تتغير الأجيال ونوعية المقبلين على السينمات، وبالنهاية يجب أن نواكب العصر.
وبالنهاية، مما لا شك فيه فإن العصر والظروف المجتمعية في حالة تغير مستمر، ورتم الحياة يسير سريعًا، فيؤثر على طبيعة استقبال الجمهور للأعمال الفنية وكل ما له علاقة وصلة بالأفلام السينمائية تحديدًا، وتبقى أفيشات الأفلام السينمائية القديمة، التي تعلق بها الجمهور، عالقة في أذهانهم وذكرياتهم فقط، ويتعود الجمهور على تقبل متغيرات العصر ومواكبته.