اخبار لايف

تبدأ من الغولف.. وصفة شينزو آبي لـ«ترويض» طموحات ترامب


قبل أسبوع واحد فقط من تنصيبه رئيسًا للولايات المتحدة، يخطط دونالد ترامب لإعادة رسم خريطة أمريكا.

فبعد أن أمضى حملته الانتخابية في التحذير من التورط في صراعات أجنبية جديدة، أطلق الرئيس المنتخب في الأيام الأخيرة سلسلة من الادعاءات التي وصفت بـ«العدوانية» بشأن التوسع الإقليمي الأمريكي.

ويوم الثلاثاء، صعّد ترامب من تهديداته بالسيطرة على جزيرة غرينلاند وقناة بنما. وعندما سُئِل في مؤتمر صحفي مطوّل عما إذا كان يستبعد استخدام القوة العسكرية في أي من الحالتين، قال: «كلا، لا أستطيع أن أؤكد لكم ذلك.. ربما يتعين عليكم أن تفعلوا شيئاً».

وتحدث ترامب عن إمكانية أن تصبح كندا الولاية رقم 51 في الولايات المتحدة، وأعلن أيضًا أنه ينبغي إعادة تسمية خليج المكسيك إلى «خليج أمريكا».

خطط أطلقت عليها صحيفة «نيويورك بوست»، اسم «مبدأ دونرو» – على اسم المشروع الذي تم تنفيذه في القرن التاسع عشر لتأكيد سيطرة الولايات المتحدة على نصف الكرة الغربي والذي سمي على اسم الرئيس جيمس مونرو.

نسف النظام الدولي

وبالنسبة لحلفاء أمريكا وشركائها وجيرانها، كانت هذه المطالبات بمثابة مقدمة درامية لما قد تحمله السنوات الأربع المقبلة، حيث يبدو أن الرئيس الأمريكي يتجاهل المعايير التي تدعم النظام الدولي ويتجه نحو الأصدقاء القدامى. ففي نهاية المطاف، تخضع غرينلاند لسيطرة الدنمارك، العضو في حلف شمال الأطلسي.

ويقول أحد كبار المسؤولين في الاتحاد الأوروبي في غرينلاند: «لقد توقعنا بعض الأشياء. وخططنا لبعض الأشياء. ولكن لم يحدث شيء مجنون إلى هذا الحد».

كما جاءت استفزازات ترامب في نفس الوقت الذي كان فيه إيلون ماسك، الملياردير الذي أصبح الآن مستشارًا رئيسيًا، يحاول بنشاط تقويض العديد من الحكومات الحليفة الأخرى، فقد دعا إلى إجراء انتخابات جديدة في المملكة المتحدة وسجن رئيس الوزراء كير ستارمر.

وتقول صحيفة «فايننشيال تايمز» البريطانية، إن الأسبوع الماضي كان بمثابة دورة تدريبية مكثفة للحلفاء حول كيفية الرد على الإدارة الجديدة ــ سواء كان التعامل مع تصريحات الرئيس باعتبارها أهدافا سياسية، أو تكتيكات تفاوضية، أو مجرد تهديدات لن تؤدي إلى شيء، متسائلة: هل ينبغي أن نأخذ ترامب على محمل الجد، أم أنه يحاول فقط خلق عناوين رئيسية من خلال صدم الناس؟

يقول تريفور تراينا، السفير الأمريكي السابق لترامب في النمسا، في تصريحات للصحيفة البريطانية: «نحن جميعا قطط ــ وترامب يحمل مؤشر الليزر. فهل نتصرف إذن كالقطط؟ أم نقف مكتوفي الأيدي ونقوم بتقييم الموقف؟»

فيما أشار اللورد بيتر ريكيتس، مستشار الأمن القومي البريطاني السابق، إلى أن تصريحات ترامب غير المكتوبة «لا ينبغي أن تكون سببا للذعر»، مضيفًا أنه كان «يريد التحذير بأنه جاد».

وبحسب الصحيفة البريطانية، فإن زعماء الحكومات المتحالفة يدركون أنهم إذا لم يقولوا شيئا فإنهم يخاطرون بالسماح لترامب بتحديد شروط المناقشة حول القضايا المتنازع عليها، في حين يجعلون أنفسهم يبدون ضعفاء. لكنهم يعترفون أيضا بأنهم لا يستطيعون التعبير عن الغضب إزاء كل تصريح يجدونه غير مريح.

ويحذر بعض حلفاء ترامب من الانحراف عن المسار بسبب التعليقات الأكثر غرابة التي أدلى بها الرئيس المنتخب، لكنهم يصرون على أن الدرس المستفاد من الأسبوع الماضي هو أن القادة بحاجة إلى إيجاد طريقة للتعامل بشكل مباشر مع ترامب إذا كانوا لا يريدون أن يجدوا أنفسهم تحت ضغوط هائلة من الإدارة الجديدة.

ويقول جوردون سوندلاند، السفير السابق لترامب لدى الاتحاد الأوروبي: «لقد أجريت محادثات مع العديد من الزعماء الأجانب، وكانت نصيحتي في كل حالة تقريبًا هي نفسها: اجلسوا مع الرئيس ترامب وابدؤوا في الحديث عن الأشياء التي يمكنكم القيام بها اليوم، وغدًا – وليس بعد 20 عامًا من الآن».

وبحسب «فايننشيال تايمز»، فإنه لطالما كان لدى ترامب هوس بالحصول على شكل من أشكال السيطرة على غرينلاند، في فكرة يعود تاريخها إلى عام 2019 عندما زرعها الملياردير رونالد لودر في رأسه.

وأشار مساعدو ترامب الحاليون والسابقون إلى إن أكبر جزيرة في العالم أصبحت ذات أهمية استراتيجية بسبب التنافس الجيوسياسي المتزايد على القطب الشمالي.

وأكدوا أن موقع غرينلاند يجعلها موقعًا رئيسيًا لأنظمة الإنذار الصاروخي، والتي تمتلكها الولايات المتحدة بالفعل في قاعدتها العسكرية على الساحل الشمالي الغربي لغرينلاند، كما أن المنطقة غنية بالنفط ورواسب المعادن النادرة التي تعد بالغة الأهمية للتكنولوجيات الجديدة وللجيش.

ويعتقد السفير السابق لدى الاتحاد الأوروبي سوندلاند أن «الهدف النهائي قد يكون زيادة الولايات المتحدة لوجودها العسكري هناك للدفاع عن الديمقراطية الغربية، وأن تكون أيضًا المستفيد الوحيد من غرينلاند. إذا استخرجت معدنًا، فستكون قيمته X، وسيحصلون على حصة».

وتقول كارلا ساندز، السفيرة السابقة لترامب في الدنمارك، أن الحكومة في كوبنهاغن «تركت غرينلاند غير محمية على الرغم من وضعها كأرض تابعة لحليف في حلف شمال الأطلسي، وإن ترامب يستطيع تأمين كل من الولايات المتحدة والأرض».

فيما يشير حلفاء ترامب إلى أن هدفه (ترامب) من الحديث عن وضع قناة بنما هو إيجاد سبل لخفض تكاليف الشحن، مؤكدين أن الرئيس المنتخب قلق بشأن النفوذ الصيني المتنامي ويريد ضمان وصول السفن البحرية الأمريكية في حالة نشوب صراع.

بدورها، قالت كارولين ليفات، المتحدثة باسم فريق ترامب الانتقالي: «لفت الرئيس ترامب الانتباه إلى المخاوف الأمنية الوطنية والاقتصادية المشروعة فيما يتعلق بكندا وغرينلاند وبنما».

أما وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي فقال إن خطاب ترامب قد يكون «مزعزعا للاستقرار»، لكنه في كثير من الأحيان يختلف كثيرا عن أفعاله. ويقارن بين الانتقادات الصريحة التي وجهها أعضاء حلف شمال الأطلسي الأوروبيين وقراره بنشر المزيد من القوات الأمريكية في أوروبا خلال رئاسته الأولى.

وأوضح لامي أن هناك مزايا لنهج ترامب، فالتجربة تثبت أن كثافة خطابه، ورغبته في متابعة السياسة الخارجية من خلال عدسة السلام من خلال القوة، ومن خلال درجة من عدم القدرة على التنبؤ، هي إحدى سماته المميزة».

لكن مثل هذه التطمينات لم تفعل الكثير لتهدئة بعض حلفاء أمريكا في مواجهة تصريحات هذا الأسبوع؛ فالمسؤول الكبير في الاتحاد الأوروبي الذي شارك في صياغة رد بروكسل على فوز ترامب، قال: «لقد تحدثنا عن العقوبات، وأوكرانيا، والتعريفات الجمركية، وأشياء من هذا القبيل. لكن فكرة غزو غرينلاند؟ أنا مذهول. إنه أمر لا يصدق».

وفي مواجهة مثل هذه الاستفزازات، اختارت بعض الحكومات الرد بحزم.

بعد أن تحدث ترامب عن إعادة تسمية البحار، وقفت رئيسة المكسيك كلوديا شينباوم أمام خريطة تعود إلى عام 1607 وقالت إن أمريكا الشمالية يجب أن تسمى «أمريكا المكسيكية».

لكن الخطر الكامن في مثل هذا النهج يتمثل في اندلاع حرب كلامية مفتوحة؛ فبعد أن أعلن رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو أن «فرصة انضمام كندا إلى الولايات المتحدة ضئيلة للغاية»، سخر منه حلفاء ترامب ــ وخاصة بعد إعلانه عن استقالته.

 شينزو آبي وترامب يوقعان اتفاقية تجارية في نيويورك عام 2019.

وقبيل تنصيبه، هناك بعض التفاؤل بأن ترامب يعمل على تشكيل فريق فعال للأمن القومي، وهو ما سيساعد في إدارة بعض الضوضاء، فيما يؤكد المسؤولون والدبلوماسيون الأوروبيون أن فريقه متمسك إلى حد كبير بمواقف أكثر تقليدية فيما يتصل بالعلاقات مع الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء.

وفي بروكسل وأكبر عواصم الاتحاد الأوروبي، يعلق المسؤولون آمالهم على شخصيات مألوفة مثل ماركو روبيو المرشح لمنصب وزير الخارجية، وكيث كيلوج مبعوث ترامب إلى أوكرانيا، ومايك والتز مرشحه لمنصب مستشار الأمن القومي، للتخفيف من حدة مواقف الرئيس بشأن قضايا السياسة الخارجية والتجارة الرئيسية التي من شأنها أن تؤثر على القارة.

ويقول أحد المسؤولين الذين عقدوا مناقشات مع أعضاء الفريق القادم: «الفريق أكثر هدوءًا.. ما يخبر به ترامب شعبه أنه يخطط للقيام به ليس ما تسمعه في المؤتمرات الصحفية».

لكن التعقيد الإضافي يكمن في كيفية التعامل مع ماسك وتدخلاته الشخصية في السياسة الأوروبية. ويقول مسؤول آخر في الاتحاد الأوروبي: «إن ماسك هو الشخص المخيف حقا».

 شينزو آبي وترامب يوقعان اتفاقية تجارية في نيويورك عام 2019.

وزعم ترامب أنه لا يعرف شيئًا عن مناورات ماسك هذا الأسبوع، لكنه أشار إلى أنه «ليس من غير المعتاد» أن يتدخل الملياردير الضخم في الانتخابات.

وحث أولاف شولتز، المستشار الألماني، حلفاءه السياسيين على عدم التعامل مع ماسك، قائلا لمجلة شتيرن الألمانية: «القاعدة هي: لا تغذي المتصيدين».

طريقة الرد

ويعتقد بعض الساسة الأوروبيين أن الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى الرد على الإدارة الجديدة بأفكار إيجابية بشأن العلاقات عبر الأطلسي.

وحث فريدريش ميرز، المرشح المحافظ الأوفر حظا في السباق لخلافة شولتز في ألمانيا، الاتحاد الأوروبي على «النضوج والتصرف في مواجهة القرارات السياسية التخريبية القادمة».

وبدلاً من فرض رسوم جمركية انتقامية، اقترح ميرز، وهو من أشد المؤيدين للتعاون الأطلسي، أن يحاول الاتحاد الأوروبي التفاوض على اتفاقية للتجارة الحرة مع الرئيس الأمريكي.

وأضاف: «نحن بحاجة إلى أجندة إيجابية مع الولايات المتحدة، وهو ما من شأنه أن يعود بالنفع على المستهلكين الأمريكيين والأوروبيين».

وصفة شينزو آبي الحل

ويعتقد مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق بولتون أن القادة الأجانب يجب أن يتعلموا من مثال شينزو آبي، رئيس الوزراء الياباني السابق. يُذكر آبي، الذي اغتيل في عام 2022، ببناء ما بدا أنه صداقة حقيقية مع ترامب خلال فترة ولايته الأولى.

وبحسب بولتون، فإن آبي كان قادرًا على الحصول على إجابات لمخاوفه بشأن كوريا الشمالية والصين و«غريزة الحماية» لدى ترامب؛ لأنه «كان يتحدث باستمرار مع الرئيس الأمريكي على الهاتف». كما التقيا بشكل متكرر واستغل آبي المناسبات للحديث عن الاستثمارات اليابانية الجديدة في الولايات المتحدة.

ويقول بولتون إن «هناك خرائط لامعة عليها رموز الشركات وخرائط للولايات المتحدة، مع أسهم تشير إلى مواقع المصانع. وأود أن أقول لأي زعيم أجنبي، في أوروبا على وجه الخصوص.. أن يراقب ما فعله آبي ويحاول تقليده»، مشيرًا إلى أن إحدى الطرق التي يمكن البدء منها هي «لعب الغولف، أو معرفة كيفية تعلمه».

aXA6IDIxMy4xNjUuMjQ3LjkzIA== جزيرة ام اند امز US

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى