اخبار لايف

تجميد المساعدات الأمريكية.. ورقة تفاقم الألم حول العالم


أدى قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بوقف معظم المساعدات الخارجية إلى تفاقم الأزمات الإنسانية وطرح تساؤلات


حول مصداقية واشنطن كقوة عالمية.

وفي عالمٍ يعتمد فيه الملايين على المساعدات الإنسانية لمواجهة المجاعات والأوبئة والصراعات، جاء قرار ترامب بتجميد معظم المساعدات الخارجية كصدمة مدوية، تاركًا أثرًا كارثيًا على المجتمعات الأكثر ضعفًا، وفقًا لصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية.

ومن السودان إلى أوكرانيا، ومن تايلاند إلى كمبوديا، بدأت تداعيات القرار تظهر سريعًا، حيث أُغلقت مطابخ الإغاثة، وتوقفت المستشفيات عن استقبال المرضى، وعُلّقت برامج حيوية لمكافحة الفقر والأمراض.

في الوقت ذاته، أثار القرار تساؤلات جوهرية حول مصداقية الولايات المتحدة كقوة عالمية، وفتح الباب أمام منافسين مثل الصين وروسيا لتعزيز نفوذهم في الدول المتضررة.

الأوضاع الإنسانية

في السودان، حيث يعاني السكان من المجاعة بسبب الحرب، توقفت مطابخ الإغاثة التي كانت تقدم وجبات يومية لنحو 816,000 شخص.

وعقب تجميد المساعدات، اضطرت المنظمات الإنسانية التي تدير هذه المطابخ إلى وقف عملياتها، مما أدى إلى إغلاق 434 من أصل 634 مطبخًا في الخرطوم وحدها، مع ازدياد عدد المطابخ المتوقفة يوميًا.

وفي تايلاند، تأثرت الخدمات الطبية المقدمة للاجئين القادمين من ميانمار. وأُجبر بعض المرضى، مثل المصابين بالسل، على مغادرة المستشفيات بعد حصولهم على كمية محدودة من الأدوية، مما يهدد حياتهم بسبب انقطاع العلاج.

وفي أوكرانيا، يواجه السكان القاطنون في مناطق النزاع مع روسيا خطر فقدان إمدادات الحطب خلال فصل الشتاء، مما يزيد من معاناتهم في ظل انخفاض درجات الحرارة.

وتجاوز التأثير الجوانب الغذائية والصحية ليشمل مكافحة الأوبئة. ففي كمبوديا، التي كانت على وشك القضاء على الملاريا بفضل المساعدات الأمريكية، أدى تعليق التمويل إلى مخاوف من عودة المرض وانتشاره مجددًا. وفي نيبال، توقف برنامج بقيمة 72 مليون دولار كان مخصصًا للحد من سوء التغذية بين الأطفال.

وفي جنوب إفريقيا وهايتي، يواجه مئات الآلاف من مرضى الإيدز خطر فقدان العلاج بسبب تعليق التمويل الأمريكي لبرنامج مكافحة الفيروس، وهو أحد البرامج البارزة التي كانت الولايات المتحدة تدعمها لسنوات.

المساعدات المشروطة وأجندة واشنطن

لم يكن التجميد عشوائيًا بالكامل، إذ استثنت إدارة ترامب بعض المساعدات “المنقذة للحياة” بشكل مؤقت، لكن استثناءات أخرى تعكس أجندة الإدارة السياسية. فقد توقف التمويل عن البرامج المرتبطة بحقوق المرأة، والصحة الإنجابية، وقضايا التنوع، خاصة المساعدات المخصصة للإجهاض، رغم أن القوانين الأمريكية كانت بالفعل تمنع ذلك.

نتيجةً لذلك، توقفت خدمات الصحة الإنجابية المقدمة عبر صندوق الأمم المتحدة للسكان في مناطق مثل أفغانستان، باكستان، غزة، وأوكرانيا. وفي أفغانستان، أدى ذلك إلى فقدان 1,700 امرأة وظائفهن، في وقتٍ تفرض فيه طالبان قيودًا مشددة على عمل النساء.

التأثير على الأمن القومي

يمتد تأثير تجميد المساعدات إلى المجال الأمني والدبلوماسي. ففي ساحل العاج، أدى تعليق برنامج أمريكي لجمع المعلومات عن نشاط القاعدة إلى تعطيل الجهود الأمنية في المنطقة. وفي الكونغو الديمقراطية، توقفت المساعدات الموجهة للأمم المتحدة لدعم أكثر من 4.5 مليون نازح بسبب النزاع الدائر هناك.

وفي إيران، تعتمد منظمات حقوق الإنسان والإعلام المستقل على تمويل أمريكي لتوثيق الانتهاكات مثل الاعتقالات التعسفية والإعدامات. ومع تعليق التمويل، أُجبرت بعض وسائل الإعلام الفارسية المدعومة من الولايات المتحدة على تسريح العاملين لديها، مما يحدّ من قدرتها على مراقبة النظام الإيراني، بحسب الصحيفة الأمريكية.

تداعيات جيوسياسية

أدى تعليق المساعدات إلى زعزعة صورة الولايات المتحدة كحليف يمكن الاعتماد عليه، مما يمنح الصين وروسيا فرصة لتعزيز نفوذهما في الدول المتضررة. ويرى بعض المحللين أن الصين، التي تقدم قروضًا واستثمارات في دول الجنوب العالمي، قد تستغل الموقف لتقديم نفسها كشريك أكثر استقرارًا مقارنة بالولايات المتحدة.

في إفريقيا، حيث طالما تميزت الولايات المتحدة عن منافسيها من خلال برامجها الإنسانية، باتت بعض الدول تعيد النظر في اعتمادها المفرط على المساعدات الأمريكية. كما صرّح أحد مسؤولي الإغاثة في السودان: “لقد كان خطأنا الاعتماد على جهة مانحة واحدة. لكن أن تمنع الطعام عن الجوعى… هذا جنون.”

وخلصت نيويورك تايمز إلى أن قرار تجميد المساعدات لم يؤثر فقط على الفقراء والمحتاجين في العالم، بل أضعف أيضًا النفوذ الدبلوماسي والأمني للولايات المتحدة. وبينما تحاول إدارة ترامب تبرير القرار بأنه خطوة نحو “التركيز على الداخل”، فإن العواقب تمتد إلى ما هو أبعد، مما قد يغيّر ميزان القوى العالمية لصالح منافسين مثل الصين وروسيا.

aXA6IDIxMy4xNjUuMjQ3LjkzIA==

جزيرة ام اند امز

US

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى