تعثر الديمقراطية بمستعمرات فرنسا السابقة بأفريقيا.. هل باريس «المتهم»؟
تحت وطأة موجة من الانقلابات العسكرية و«تشبث» الرؤساء بالسلطة، تتأرجح الديمقراطية في البلدان الأفريقية التي كانت تحكمها فرنسا ذات يوم.
فبدءًا من السنغال، التي حاول رئيسها إلغاء الانتخابات، مرورًا بالنيجر، التي أطاح انقلاب عسكري برئيس منتخب، لا يزال بعد ثمانية أشهر مسجوناً في القصر الرئاسي، إلى تشاد، التي قُتل فيها سياسي معارض بارز في تبادل لإطلاق النار مع قوات الأمن، كانت هذه مؤشرات وأدلة على تعثر الديمقراطية في المستعمرات الفرنسية السابقة في أفريقيا.
وبحسب صحيفة «نيويورك تايمز»، فإن الطريقتين اللتين يتم من خلالهما «تخريب» النظام، يكونان عبر المسؤولين المنتخبين المكلفين بدعمه، أو من قبل مدبري الانقلاب الذين يطيحون بالحكومات، مما يفاقم الشعور بالضيق لدى العامة.
وتقول الصحيفة الأمريكية، إنه بعد حصولها على استقلالها عن فرنسا في ستينيات القرن الماضي، صاغت الدول الناشئة دساتيرها على غرار دساتير فرنسا، مما أدى إلى تركيز السلطة في أيدي الرؤساء، مشيرة إلى أن باريس حافظت على شبكة من العلاقات التجارية والسياسية مع مستعمراتها السابقة، في نظام كثيرًا ما يدعم الحكومات الفاسدة، ومثل أحد أسباب أزمة الديمقراطية في هذه البلدان.
لماذا تعثرت الخطوات الأفريقية؟
ورغم أن أغلبية الأفارقة الذين شملهم استطلاع الصحيفة الأمريكية، ما زالوا يقولون إنهم يفضلون الديمقراطية على أشكال الحكم الأخرى، إلا أن دعمها يتراجع في القارة السمراء، لصالح الموافقة على الحكم العسكري.
هذا التحول يحدث بشكل أسرع بكثير في المستعمرات الفرنسية السابقة مقارنة بالمستعمرات البريطانية السابقة، وفقًا لبونيفاس دولاني، المسؤول في منظمة أفروباروميتر، وهي منظمة بحثية غير حزبية، مضيفًا: «لقد أصيب الناس بخيبة أمل من الديمقراطية».
ويقول ندونغو سامبا سيلا، المؤلف المشارك لكتاب جديد عن فرنسا ومستعمراتها الأفريقية السابقة، إن المستعمرات الفرنسية السابقة كانت «أبطال الانقلابات» وكذلك أبطال التظاهر الأجوف بـ«النظام الدستوري» والديمقراطية، مشيرًا إلى أنه تم تمهيد الأرض للانقلابات العسكرية؛ فثمانية من تسع انقلابات الناجحة بأفريقيا منذ عام 2020، كانت في المستعمرات الفرنسية السابقة – والاستثناء الوحيد هو السودان، المستعمرة البريطانية السابقة.
ولم تكن أي من الدول الأفريقية التسع التي صنفتها منظمة «فريدوم هاوس»، وهي مجموعة مؤيدة للديمقراطية، على أنها «حرة»، مستعمرة فرنسية سابقة، بل إن نصف المستعمرات الفرنسية السابقة العشرين في القارة حصلت على أسوأ تصنيف في المجموعة: «غير حرة».
وسجلت جميع تلك البلدان (المستعمرات الفرنسية السابقة) درجات أقل على مقياس الحرية الخاص بمؤسسة فريدوم هاوس في عام 2023 مقارنة بعام 2019، باستثناء جيبوتي والمغرب، اللتين بقيتا على حالهما، وموريتانيا، التي بدأت مؤخرًا إجراء انتخابات بعد عقود من الحكم العسكري.
عودة الحكم العسكري
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن الحكم العسكري عاد إلى تلك البلدان، رغم أن قادة المجلس العسكري غالبا ما يتحدثون لغة الديمقراطية، ويطلقون على أنفسهم اسم «الحكومات الانتقالية»، ويعدون بإجراء انتخابات وتعيين وزراء مدنيين.
وكان من المفترض أن تجري غينيا، التي يحكمها الجيش منذ اقتحام الجنود القصر الرئاسي في عام 2021، انتخابات في أكتوبر/تشرين الأول المقبل. لكن في فبراير/شباط، تجمع الجنود في نفس القصر لإصدار مرسوم يهدد بتأجيل أي انتخابات.
وكان يُنظر إلى السنغال لفترة طويلة على أنها استثناء لهذا الاتجاه المناهض للديمقراطية، لكن في فبراير/شباط، صدم الرئيس ماكي سال البلاد بتأجيل انتخابات خليفته إلى أجل غير مسمى، قبل ثلاثة أسابيع فقط من بدء الاقتراع.
وتبنت إدارته تكتيكات يستخدمها آخرون عازمون على البقاء في السلطة في جميع أنحاء أفريقيا الناطقة بالفرنسية: إغلاق الإنترنت، وحظر المظاهرات، وقتل المتظاهرين، وإلقاء السياسيين المعارضين إلى السجن، إلا أن المحكمة الدستورية في السنغال أمرت بإجراء الانتخابات، اليوم الأحد.
وبحسب جيل أولاكونلي يابي، المؤسس والرئيس التنفيذي لمركز أبحاث مواطن غرب أفريقيا، فإن القاسم المشترك بين المستعمرات الفرنسية السابقة هو الأنظمة السياسية التي تتأثر بشدة بالنظام الفرنسي الذي يتمتع بسلطات رئاسية قوية للغاية، والتي تكافح مؤسساتها من أجل السيطرة عليها، مضيفًا: «هذا الإرث لا يزال حاضرا للغاية».
وفي بنين عام 2021، أُعيد انتخاب الرئيس باتريس تالون بعد تغيير القواعد الانتخابية بحيث أصبح من المستحيل على أي شخص باستثناء أنصاره الترشح لمنصب الرئاسة.
ويتولى الرئيس الكاميروني بول بيا، البالغ من العمر 91 عامًا، السلطة منذ عام 1982، بعد إلغاء القيود المفروضة على فترات الولاية. وتسيطر نفس العائلة على السياسة في توغو منذ عام 1963، على الرغم من الدعوات المطالبة بالإصلاح الانتخابي.
وفي ساحل العاج، فاز الرئيس الحالي الحسن واتارا بولاية ثالثة مثيرة للجدل في عام 2020 بنسبة 94% من الأصوات، فيما وصف المعارضة الاستحقاق الرئاسي بـ«الانتخابات الصورية».
لحظات حاسمة
وقال إبراهيم يحيى إبراهيم، المحلل في مجموعة الأزمات الدولية والذي يركز على منطقة الساحل، إن المنطقة تمر بـ«لحظة حاسمة» أخرى، مشيرًا إلى أن الأمر هذه المرة، يتعلق بما إذا كانت الديمقراطية ستعود إلى البلدان التي يقودها المجلس العسكري، والتي وعدت جميعها بإجراء انتخابات في عام 2024، لكنها لا تظهر سوى القليل من الدلائل على تنظيمها.
ويقول العديد من الأشخاص الذين يعيشون في ظل الحكم العسكري إن الانتخابات ليست أولوية. ويكتسب المجلس العسكري شعبيته من خلال انتقاد فرنسا، وطرد الجنود الفرنسيين والمجموعات الإعلامية، والشراكة مع روسيا – حتى في الوقت الذي يكافح فيه المواطنون لتغطية نفقاتهم، ويرجع ذلك جزئيًا إلى العقوبات الإقليمية المفروضة على البلدان التي يقودها المجلس العسكري.
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن نفوذ فرنسا في القارة السمراء تضاءل في العقود الأخيرة، مشيرة إلى أن بعض الرؤساء والمنظمات الإقليمية التي يُنظر إليها على أنها حليفة لفرنسا يتم تشويهه ، مثل المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (الإيكواس).
وفي مالي وبوركينا فاسو والنيجر، كثيرا ما يُنظَر إلى المجالس العسكرية باعتبارها تمثل الشعب ومصالحه، في حين يُنظر إلى القادة المنتخبين باعتبارهم بيادق غربية ــ وخاصة فرنسية ــ.
aXA6IDJhMDI6NDc4MDphOjE0NTE6MDoxN2IzOjljNmY6MiA=
جزيرة ام اند امز