توغل فاغنر في موريتانيا.. تأثير «مغلوط» ورسالة خارج السياق
ما بين «دعاية كاذبة» و«توغل حقيقي» لقوات فاغنر الروسية، تعود أزمة الحدود المالية الموريتانية إلى الواجهة، بعد محاولات من قيادة البلدين لاحتوائها الشهر الماضي.
الأزمة جددها مقطع فيديو نشرته المجموعة شبه العسكرية، يوثق اقتحام عناصرها لإحدى القرى الحدودية بين موريتانيا ومالي، فما تداعيات ذلك على العلاقات بين نواكشوط وباماكو؟
“العين الإخبارية” استطلعت آراء خبراء حول الفيديو وتداعياته، لكن بعضهم شكك في صحته وتوقيته بينما اعتبر آخرون أنه كان توغلا محدودا ضمن قوة رسمية مالية، فيما اختلفوا حول تأثيره فبعضهم رأى أنه سيلقي بظلاله على علاقات البلدين، فيما أكد آخرون أنه لن يؤثر في ظل حرص البلدين على التنسيق واحتواء أي خلافات سريعا.
فيديو قديم
ويظهر المقطع دخول جنود من فاغنر قرى على الحدود الموريتانية واحتجاز بعض سكانها واستجوابهم وتفتيش المنازل والسيارات، ويظهر فيه قوات فاغنر رفقة جنود ماليين، في أبريل/نيسان الماضي.
فاغنر من جانبها لم تصرح أن المقطع يخص اقتحامها لقرى موريتانية حيث عنونت المقطع بأنه يوثق بعض أيام مقاتلي فاغنر في أفريقيا، غير أن المساكن التي ظهرت بالمقطع وملابس السكان تؤكد أن المقطع صور في مناطق موريتانية.
ونددت الحكومة الموريتانية به، آنذاك، وهددت بالرد عليه إن تكرر، ما دفع الرئيس المالي أسيمي غويتا إلى الاتصال بالرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني لشرح الموقف واحتواء تداعياته.
دعاية كاذبة
ونفى عبدالله امباتي، الكاتب الصحفي الموريتاني المتخصص في منطقة الساحل الأفريقي، توغل أي جندي من قوات فاغنر بالأراضي الموريتانية، مؤكدا أن “هذه المعلومات غير صحيحة”.
وأوضح امباتي لـ”العين الإخبارية” أن “الفيديو نشر في 20 أبريل/نيسان، وأن القرية الموجودة في الفيديو ليست موريتانية، وإنما هي قرية مالية، وأن هذا ليس أول فيديو تنشره فاغنر، وإنها دائما تنشر عملياتها في مالي”.
وأضاف: “لم يسبق لفاغنر أن تجاوزت الخط الحدودي نهائيا بين البلدين”، مؤكدا أن “ذلك ليس له أي تداعيات على موريتانيا”.
وبين أنه “بداية من أول يونيو/حزيران المقبل سيبدأ عمل الفيلق الأفريقي الروسي كي يستبدل فاغنر”، مجددا تأكيده على “أي معلومات عن توغل فاغنر للحدود الموريتانية هي دعاية كاذبة لا تستند إلى مصادر موثوقة يمكن الاعتماد عليها”.
وأشار إلى أن “الفيلق الأفريقي البديل لفاغنر يتبع وزارة الدفاع الروسية، والجيش المالي كذلك لم يتوغل ولم يتخطّ الخط الحدودي”.
وأضاف أن “موضوع الحدود بين البلدين تم تسويته في الاجتماع الأخير لقائد الأركان المالي الجنرال عمر ديارا في زيارته لنواكشوط، وأنه تم توقيع اتفاق بموجبه تتعهد القوات المسلحة المالية باحترام حدود البلدين، وأيضا القرى المتداخلة التي تتجاوز أحيانا الخط الحدودي في الاتجاهين، وعدم اصطحاب المرتزقة معهم في الدوريات”.
وتابع: “منذ التوقيع على هذا الاتفاق لم يحدث أي تجاوز، والمعلومات لدينا تؤكد أن القوات المالية بدأت تحتاط وتتراجع عن الحدود مسافة كبيرة”.
تداخل كبير
بدوره، أوضح الدكتور محمد شريف جاكو، الخبير التشادي في الشأن الأفريقي، أن “ما يثار عن توغل قوات فاغنر داخل الأراضي الموريتانية برفقة قوات مالية هو لمطاردة بعض المعارضة المالية سواء كانت الجماعات الإرهابية أم الحركة الانفصالية للطوارق (أزواد)، وأن هناك مشكلة قبلية بين الفلاتة في الحدود”.
وقال جاكو لـ”العين الإخبارية” إن “هذه المشكلة تتكرر دائما وتحدث لظروف اجتماعية وسياسية وجغرافية أيضا”.
وأوضح أن “هناك مجموعات معارضة في مالي تتسبب في العنف في الداخل المالي، وأيضا قبيلة الفلاته وهي أكبر قبيلة أفريقية، دخل مجموعة من شبابها في الجماعات المتطرفة، مبينا أن هناك تداخلا بشكل كبير يصعب تفريقه بين الشعبين المالي والموريتاني، وأن هذا التداخل يظهر بصورة قوية في الخطوط المتاخمة”.
وأكد أن “مثل هذا الاختراق لم يكن متعمدا، مضيفا أن هناك أطول حدود بين الدولتين قرابة 2000 كيلومتر، وليس هناك علامات توضيحية، كلها صحراء ممتدة شكلها واحد”.
وبين أن “سلطات البلدين تتفهم هذه الظروف الموضوعية من التشابك الاجتماعي بينهما، وتتفهم رواية الحكومة المالية بأن الاختراق ليس مقصودا”، مؤكدا أنه “ليس هناك رغبة في التصعيد بين الطرفين”.
ولفت إلى أن “هناك انتخابات رئاسية قريبة في موريتانيا والمعارضة الموريتانية تستغل ذلك ضد الحكومة لكن القيادة الموريتانية تدرك تماما خطورة التوتر مع مالي، خشية أن فرنسا تجد فرصة في تضخيم الخلاف نكاية في مالي، ولذلك تميل للتهدئة وتتفهم صعوبة الموقف في مالي وحلفائها من فاغنر”.
وشدد أيضا على أن “حكومة مالي تتحرك بدورها سريعا لشرح الموقف، لأنه ليس من مصلحة البلدين تصعيد الخلافات، وكذلك دول الساحل تحتفظ بموقف إيجابي لموريتانيا منذ وقوفها ضد حصار النيجر”.
وجود محدود
أما الدكتور محمد تورشين الباحث السوداني في الشأن الأفريقي، فقد أكد لـ”العين الإخبارية”، أن “قوات فاغنر تعمل تحت إمرة الجيش المالي، ولا تعمل بشكل منفصل، وإذا طلب الجيش منها دخول الحدود الموريتانية ستدخل”، موضحا أن “وجود الفيلق الأفريقي في مالي محدود، وأن وجودهم هناك كخبراء عسكريين ومدربين”.
وأوضح أن “الخلاف الحدودي بين البلدين هو خلاف قديم متجدد وظهر للسطح مؤخرا وأصبح له تأثيرات سلبية على البلدين”، مضيفا أن “الجانب المالي يتهم نواكشوط بأنها تأوي مجموعات انفصالية وبعض الجماعات الإرهابية، لكن نواكشوط ترفض هذا الأمر تماما”.
وتابع أن “باماكو ترى أن موريتانيا لا تتعاون معها بشأن توقيع أمني لإدارة الحدود بينهما، ولذلك الأمر يتفاقم وأصبح يمس مواطني الحدود، وأن الحدود بين البلدين مفتوحة ويسهل من خلالها توغل الجماعات الإرهابية”.
تحد حقيقي
وبحسب الخبير السوداني فإن “موريتانيا أمام تحد حقيقي، وأن المجلس العسكري في مالي لن يتهاون في محاربة الجماعات الانفصالية أو الإرهابية بأية حال، متوقعا أن “تسوء علاقات البلدين، لأن التوترات كبيرة جدا، ولن تهدأ ما لم تتدخل وساطات، وما لم يجلس الطرفان للوصول إلى تفاهمات جادة”.
وكانت قوة من فاغنر قد دخلت منتصف شهر أبريل/نيسان الماضي الأراضي الموريتانية وتحديدا الحدود الجنوبية الشرقية واقتحمت قريتي “دار النعيم”، و”مد الله”.
وحسب مصادر محلية فإن المجموعة أطلقت أعيرة من النيران وقامت باعتقال أشخاص كانت تطاردهم تصفهم بالإرهابيين من داخل منزل بقرية مد الله، وأصابت ثلاثة أشخاص بجراح قبل أن تنسحب خارج الأراضي الموريتانية.
وأثار الحادث موجة احتجاجات وإدانات واسعة في موريتانيا، ما دفع قيادة الجيش إلى طمأنة سكان المنطقة الحدودية بأن هذه التوغلات لن تتكرر مستقبلا، وأن الجيش قادر على حمايتهم.
وتشترك موريتانيا ومالي في حدود يبلغ طولها أكثر من ألفي كيلومتر، وبسبب غياب المراقبة الأمنية تتوغل عادة عناصر مسلحة مرتبطة بتنظيمي القاعدة وداعش إلى داخل الأراضي الموريتانية بعد كل عملية ملاحقة يقوم بها الجيش المالي.
aXA6IDJhMDI6NDc4MDphOjE0NTE6MDoxN2IzOjljNmY6MiA=
جزيرة ام اند امز