«حرب أوكرانيا» في 2025.. سلام «اضطراري» أم تهدئة «خادعة»؟
مع نهاية عام 2024، تسدل حرب أوكرانيا الستار على «الفصل قبل الأخير » في أصعب مواجهات الدب الروسي مع التكتل الأوروبي الأمريكي، انتظارا لـ 4 خيارات محتملة في 2025 مع تولي الرئيس المنتخب دونالد ترمب منصبه.
هذه السيناريوهات تعزز سلاما «مرا» قد يطوي احتمال اندلاع حرب عالمية ثالثة أو هدنة مؤقتة لتجهيز كييف لأتون معارك جديدة ستستمر مستقبلا، دون تجميد منتظر للصراع الذي تجاوز الألف يوم، ولم تقف مواجهاته أو عقوباته وتحيطه حاليا غيوم عسكرية وسياسية.
تقديرات أدلى بها خبراء روس وغربيون، لـ«العين الإخبارية»، في قراءة لمستقبل الحرب التي اندلعت في فبراير (شباط) 2022، بهجوم روسي، على أوكرانيا، أشعل وتيرة العقوبات الأمريكية الأوروبية دعما لكييف وفتح أبواب غضب موسكو لتستخدم سلاح الغاز الاستراتيجي ضد أوروبا، وتضم بعد استفتاءات في سبتمبر (أيلول) من العام ذاته 4 مناطق تشكل معا نحو 20 بالمئة من الأراضي الأوكرانية وهي: خيرسون وزابوريجيا (في الجنوب) ودونيتسك ولوغانسك (في الشرق).
واختتمت روسيا 2024 وهي تعزز مكاسبها في مقابل نداءات من كييف بزيادة الدعم العسكري الغربي للصمود في ظل مخاوفها من تلاشي الدعم في عهد ترامب الذي تعهد خلال حملته الانتخابية بإنهاء الحرب في أوكرانيا خلال «24 ساعة»، قبل أن يختار مبعوثا خاصا لأوكرانيا وروسيا هو الجنرال السابق كيث كيلوغ الذي دعا إلى تجميد خطوط المعركة الحالية وإجبار كييف وموسكو على الجلوس إلى طاولة المفاوضات.
ترقب وقلق
لكن تصريحات سابقة لكيلوغ عبر خلالها عن تأييده لفكرة الأمر الواقع ومن ثم تمكين روسيا من الأراضي التي تحت سيطرتها أثار قلق الغرب من تعهدات ترامب لحل الأزمة حيث حذره الأمين العام الجديد لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، في مقابلة مع صحيفة «فاينانشيال تايمز»، من أن الولايات المتحدة وليس أوروبا فقط من ستواجه «تهديداً خطيراً» من الصين وإيران وكوريا الشمالية إذا تم دفع أوكرانيا إلى توقيع اتفاق سلام بشروط مواتية لموسكو.
وبرأي روته، فإن «الأمر الأكثر أهمية الآن هو التأكد من أنه كلما قرر زيلينسكي الدخول في محادثات السلام، يمكنه القيام بذلك من موقف قوة، وهذا بالنسبة لي هو الأولوية رقم واحد الآن».
وهو ما أكدته زيارة المستشار الألماني أولاف شولتز إلى أوكرانيا، في 2 ديسمبر/كانون الأول الماضي، الذي أعلن لدى وصوله عن توريد المزيد من الأسلحة للدفاع ضد روسيا بقيمة 650 مليون يورو، مضيفا: «أود أن أوضح هنا أن ألمانيا ستظل الداعم الأقوى لأوكرانيا في أوروبا ويمكن لأوكرانيا الاعتماد على ألمانيا. نحن نقول ما نفعله. ونفعل ما نقول»، في إشارة أن المعركة لم تنته وأن الجدل بين التكتل الأوروبي وساكن البيت الأبيض الجديد لم ينته بعد.
وعقب لقاء مع ترامب في 7 ديسمبر/كانون الأول الماضي، وصف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي المحادثات بأنها «جيدة ومثمرة»، مضيفا: «نريد جميعا أن تنتهي هذه الحرب في أقرب وقت وبطريقة عادلة»، وذلك بعد أيام من إرساله كبيير مستشاريه أندري يرماك إلى واشنطن لإجراء محادثات مع فريق الرئيس الأمريكي المنتخب.
بالمقابل، تقف موسكو التي تواصل الحرب بأوكرانيا، في موضع شك وريبة من تلك التحركات الغربية الأمريكية، واتهم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، قبل أيام «الدول الغربية الحليفة لكييف بالبدء في الحديث عن وقف لإطلاق النار بوصفه وسيلة لمنح أوكرانيا متنفساً، وإعطاء أنفسهم الفرصة مجدداً لمدّ أوكرانيا بأسلحة حديثة بعيدة المدى»، مضيفا: «هذا بالطبع ليس السبيل إلى السلام».
ويلخص لافروف المشهد المعقد، في نقطتين، قائلا إن موسكو تفضل التوصل إلى حل سلمي، بشرط أن تعترف أوكرانيا بسيطرة روسيا على المناطق الأوكرانية الأربع التي ضمتها: دونيتسك، لوغانسك، خيرسون، وزابوريجيا.
وبحسب هيئة الأركان الأوكرانية، يشهد المحور المليء بالثروات المعدنية نحو 100 اشتباك مباشر كل يوم، أي ما يعادل نصف عدد الاشتباكات بكامل الجبهات الممتدة على مسافة تتجاوز ألفا و200 كيلومتر
وبخلاف هذا الاشتباك، ترى الخبيرة الأمريكية المختصة في الشؤون الاستراتيجية، إيرينا تسوكرمان، في حديث لـ«العين الإخبارية»، اشتباكا دبلوماسيا محتملا مرتقبا، قائلة إن «الشهرين المقبلين حاسمان في تشكيل مستقبل الصراع بين الأطراف والسيناريوهات المرجحة».
خيارات روسيا وأوكرانيا
وبشأن موقف موسكو، يرى الخبير في شؤون العلاقات الدولية والروسية، الدكتور ديمتري بريجع، في حديث لـ«العين الإخبارية»، أن بعض المسؤولين يرحبون بالمفاوضات لإمكانية إعادة ضبط العلاقات مع واشنطن، ورأوا في هذه الخطوة فرصةً لتحقيق مصالح روسيا الاستراتيجية دون اللجوء إلى مزيد من التصعيد العسكري.
تلك الفرصة، بحسب إيرينا تسوكرمان، مهددة بالتطور في سوريا التي تتواجد فيها قوات روسية داعمة لرئيس النظام السابق بشار الأسد منذ سنوات على غير رغبة واشنطن.
واعتمادًا على تطور الوضع في الشرق الأوسط بعد إعلان فصائل المعارضة الإطاحة بنظام بشار الأسد «فقد يؤدي ذلك إلى انهيار جزئي للتقدم الروسي في أوكرانيا، وقد يمنح كييف فرصة للهجوم بشكل أكبر، والذي بدوره يمكن استخدامه كرافعة دبلوماسية وسياسية بمجرد تنصيب ترامب»، وفق تسوكرمان.
وتستدرك: «لكن روسيا لا تزال لديها قوات كافية في أوكرانيا لمواصلة تقديم تهديد جيوسياسي أوسع لحلف شمال الأطلسي، وإذا رأت تكافؤا نسبيا أو جمودا، فلن يكون لدى الكرملين أي حافز للانخراط في أي نوع من المفاوضات، وقد يحاول ترامب الضغط على أوكرانيا للموافقة على المحادثات أو تقديم تنازلات، لكن من غير المرجح أن توافق روسيا حتى على التظاهر بموافقتها على المحادثات، دون شعورها بالخطر أو ضربة عسكرية خطيرة للغاية لقدراتها، ومن ثم ستواصل الصراع».
وقال ترامب الأحد عبر منصته للتواصل الاجتماعي «تروث سوشيال»: «رحل الأسد، فر من بلاده، روسيا، لم تعد تحميه الآن، فقدت كل اهتمامها بسوريا بسبب أوكرانيا وصارت في حالة ضعف»، داعيا إلى وقف فوري للحرب الأوكرانية والشروع في مفاوضات.
بالمقابل، فإن أوكرانيا، بحسب تقدير ديمتري بريجع، تبدي تحفظها على مقترح ترامب خاصة فيما يتعلق بالاعتراف بسيطرة روسيا على أجزاء من أراضيها، والتخلي عن مساعيها للانضمام إلى الناتو.
ولا تمتلك كييف سوى سيناريو مثالي وغير مرجح بعد، عبر تحقيق أوكرانيا نصراً واضحاً مما يجبر القوات الروسية على الانسحاب من البلاد، وتأمين الحدود، بحسب تسوكرمان.
موقف القارة العجوز والناتو
وتبدو خيارات أوروبا محددودة، بحسب الخبير المتخصص في الشؤون الدولية والباحث الفرنسي، بيير لويس ريموند، قائلا: «لن تقبل أي دولة أوروبية في دخول مواجهة مباشرة مع روسيا».
وبرأي ريموند، في حديث لـ«العين الإخبارية»، فإن الفرضية الوحيدة التي يمكن أن نرى فيها معركة مباشرة أوروبية روسية تكون في حال رد من موسكو على تدخل يهدد أراضيها تتبناه دولة عضو في حلف شمال الأطلسي، مستدركا: «لكن هذا السيناريو فرص حدوثه قليلة لأن هذا سيستدعي بدوره تدخلا للحلف بأكمله وبالتالي تصعيد للأوضاع لا تحمد عقباه».
لذا سيبقى الأوروبيين منقسمين بين مؤيد ومعارض لمسار ترامب الجديد، وفق تقدير بريجع، مرجعا ذلك إلى أن بعض الدول الأوروبية، خاصة تلك التي تخشى من توسع النفوذ الروسي، أبدت تحفظها على هذه الخطة، ورأت فيها تنازلًا كبيرًا لروسيا قد يهدد استقرار المنطقة، في حين اعتبرت دول أخرى أن أي خطوة نحو التهدئة ووقف النزاع يمكن أن تكون مفيدة للأمن الأوروبي عامةً.
وترى تسوكرمان أن أوروبا لم تصل بعد إلى النقطة التي تأخذ فيها التهديد لمصالحها على محمل الجد كما ينبغي؛ ولو فعلت ذلك، لكانت قد اتخذت تدابير جماعية لتزويد بعض دولها بالوسائل اللازمة لمنع روسيا من الاستيلاء على أنظمتها السياسية، وهو ما نشهده ليس فقط في جورجيا ومولدوفا، بل وأيضا في المجر وسلوفاكيا، وربما رومانيا ، محذرة من أنه إذا انهار جزء كبير من الجبهة الشرقية لأوروبا بسبب التسويات السياسية المؤيدة لروسيا، فإن موسكو سوف تحقق تقدما كبيرا وتؤمن الدعم لنشاطها العسكري دون أن تضطر إلى تحمل أي خسائر عسكرية.
وفي الوقت الحالي، ترجح تسوكرمان أن تحاول دول حلف شمال الأطلسي الأخرى زيادة إنفاقها الدفاعي، وقدرتها على إنتاج الأسلحة، والمساعدة لأوكرانيا، بقوات حفظ سلام أو ما شابه.
خطة ترامب المحتملة
ويقترب “بريجع” أكثر من الخطة المحتملة لترامب المتوقعة لحل الأزمة الأوكرانية، وأولى خطوات ذلك التوجه يتمثل في تجميد النزاع المستمر بين روسيا وأوكرانيا، وهذا التجميد يعني فعليًّا الاعتراف بسيطرة روسيا على نحو 20% من الأراضي الأوكرانية، وهي المناطق التي ضمّتها روسيا بعد النزاع، لافتا إلى أن تجميد النزاعات غالبًا ما يشكل الخطوة الأولى نحو التوصل إلى حل مستدام، أو خلق ظروف ملائمة لاستئناف القتال في المستقبل.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2023، قال المتحدث باسم الكرملين دميترى بيسكوف، إن خيارات تجميد الصراع الأوكرانى غير مقبولة بالنسبة لروسيا، ومن المهم أن تحقق موسكو أهداف عمليتها العسكرية الخاصة.
وبحسب بريجع، تحمل الخطة المحتملة لترامب هدفا ثانيا، يتمثل في التخلي المؤقت لأوكرانيا عن عضوية حلف شمال الأطلسي (الناتو) لمدة 20 عاما، لافتا إلى أن هذا يعطي روسيا نوعًا من الضمان بأن حدودها الغربية لن تكون محاطة بتحالف عسكري معادٍ. في المقابل، لكن التخلي عن عضوية الناتو يمكن أن يُضعف موقف أوكرانيا الإقليمي، ويفقدها الدعم الدبلوماسي والعسكري الذي يُعد عامل ردع أمام أي تحركات عدائية مستقبلية.
وحال قبلت أوكرانيا بالتخلي عن عضوية الناتو، تضمن واشنطن لها الدعم العسكري، وفق ثالث احتمالات خطة ترامب، لتحقيق نوع من التوازن بين الحفاظ على أمن أوكرانيا، ومنع مزيد من التوسع الروسي، دون الدخول في التزامات رسمية قد تؤدي إلى تصعيد مباشر بين الناتو وروسيا، وفق تقديرات بريجع،
وتشمل الخطة المحتملة لترامب خيارا رابعا يتمثل في إدارة منطقة منزوعة السلاح بمسافة 1300 كيلومتر، على أن تتولى كل من روسيا وأوكرانيا إدارة هذه المنطقة على نحو مشترك، وهذا يشكك فيه “بريجع” باعتباره يتطلب التزامًا صادقًا من الجانبين، وضمانات بعدم العودة إلى التصعيد، في ظل انعدام الثقة بين الطرفين.
ويهدد خطة ترامب، للتسوية، وفق الخبير الروسي، معارضة قوية من الكونغرس، والمؤسسات السياسية الأخرى في الولايات المتحدة، حيث يرى بعض السياسيين أن الخطة تتضمن تنازلات كبيرة لروسيا، باعتبارها ستقوّض النفوذ الأمريكي في أوروبا، بخلاف معارضة من الاتحاد الأوروبي هو لاعب أساسي في الأزمة الأوكرانية، وقد يعارض بعض أعضائه أي اتفاق يتضمن تنازلات لروسيا دون ضمانات واضحة لأوكرانيا، مقابل إمكانية فتح فصل جديد بين موسكو وواشنطن إذا نجحت الخطة.
تسوكرمان، بالمقابل أيضا ترى أن السيناريوهات أمام ترامب عديدة «فمن أجل عدم خسارة أوكرانيا تماما، قد تضطر يد الرئيس المنتخب إلى تقديم مساعدة عسكرية كبيرة لكييف للوصول إلى النقطة التي تتكبد فيها روسيا مثل هذه الخسائر والتي قد تُجبرها على العودة إلى طاولة الدبلوماسية. وعلاوة على ذلك، من المرجح أن يستهدف ترامب إيران ويحاول إضعاف التحالف بين إيران وروسيا لعزل روسيا وجعل من الصعب عليها الحصول على مساعدات عسكرية إضافية لمواصلة الصراع».
مستقبل الأزمة
وإزاء تلك الخيارات، فإن المسارات الأقرب لروسيا وأوكرانيا بحسب المحلل السياسي الفرنسي، بيير لويس ريموند، تشمل المساعي لأبعد قدر ممكن من المكاسب على الأرض قبل الوصول إلى المفاوضات التي ستديرها إدارة ترامب القادمة وهو ما بدأت فيه كييف عبر توغلها في كورسك الحدودية.
وبرأي ريموند فإن كلا الطرفين يعلمان أنه لن يكون هناك استرداد للأراضي وزيلينسكي اعترف بذلك وناشد بأن ما بقي من الأراضي يجب أن يوضع تحت رعاية حلف شمال الأطلسي، وسط اختلاف على العضوية التي قد يترك لها الباب مفتوحا على المدى البعيد.
ويستدرك: «لكن لا أحد يستطيع التكهن بتوقيت تحقيق وقف لإطلاق النار، ومستحيل توقع ذلك تماما طالما لم يكشف ترامب عن أوراقه كاملة».
وما لم تكن هناك استراتيجية واضحة للضغط على روسيا وإرضاء أوكرانيا، فمن غير المرجح أن ينتهي الصراع في عام 2025، وفق تقديرات تسوكرمان، مؤكدة أن استمرار الحرب «لن يؤدي لحدوث حرب عالمية ثالثة لأن طبيعة الحروب قد تغيرت”.
aXA6IDIxMy4xNjUuMjQ3LjkzIA== جزيرة ام اند امز