«حرس إيران» وطوفان الأقصى.. «العين الإخبارية» تتعقب التناقضات
مع شن حركة حماس هجومها المباغت على إسرائيل، في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، اتجهت الأنظار إلى إيران، باعتبارها العقل المدبر لتلك العملية.
ووسط صمت إيراني وتأكيد محلي بأن العملية «حمساوية خالصة»، ألقى حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله، والذي يعد أحد الأذرع الإيرانية في المنطقة، خطابًا في أعقاب «طوفان الأقصى»، ليؤكد بأن الحركة الفلسطينية هي صاحبة فكرة العملية، وأن حزبه لم يكن على علم بها.
ورغم ذلك، إلا أن تصريحات مفاجئة للحرس الثوري الإيراني، بُثت يوم الأربعاء الماضي، أكدت أن «طوفان الأقصى»، كانت ضمن عمليات الانتقام لمقتل قائد فيلق القدس السابق، قاسم سليماني.
تلك التصريحات التي جاءت في أعقاب استهداف إسرائيل رضي موسوي، أحد قادة الحرس الثوري «الأكثر خبرة» في سوريا، سرعان ما نفتها حركة حماس، قائلة: «أكدنا مرارا دوافع وأسباب عملية طوفان الأقصى وفي مقدمتها الأخطار التي تهدد المسجد الأقصى» في القدس.
نفي «حماس»، تبعه تصريحات تصحيحية من قائد الحرس الثوري حسين سلامي، قائلا إن «طوفان الأقصى» لم تكن انتقاما لمقتل قاسم سليماني، وأنها عملية فلسطينية بالكامل وتم تنفيذها من قبل الفلسطينيين أنفسهم، مشيرًا إلى أن بلاده هي من ستنتقم لمقتل القائد السابق لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني.
رسائل وأخرى مضادة، اعتبرها مراقبون، بمثابة كاشف عن حالة من الارتباك داخل إيران، التي تعاني على وقع الضربات الإسرائيلية، واستهداف أبرز قياداتها في المنطقة.
وفي أحاديث منفصلة لـ«العين الإخبارية»، قال خبراء عرب، إن إيران تريد الإيحاء بأن لديها «مصداقية ردع، بأن من يعتدي عليها، يلقى جزاءه»، معتبرين -في الوقت ذاته- أن ما صدر من تصريحات للحرس الثوري الإيراني «بمثابة انتهازية سياسية».
فما أسباب الخطاب المرتبك؟
يقول المحلل السياسي السعودي، الدكتور مبارك آل عاتي، في حديث لـ«العين الإخبارية»، إن تناقض التصريحات والتبريرات الإيرانية يكشف عن «اضطراب وارتباك في الموقف الرسمي السياسي والعسكري، الذي أفرزه استهداف قائد الحرس الثوري الايراني في سوريا».
ورغم حالة الارتباك تلك، إلا أنها كشفت عن «أن قيادة حماس السياسية تدين بالولاء لطهران»، مما أكده -كذلك- «تعازي قادة حماس في مقتل رضي موسوي، ووصفها موته بأنه استشهاد على طريق المقاومة»، بحسب المحلل السياسي السعودي، الدكتور مبارك آل عاتي.
وضع اعتبره المحلل السياسي السعودي بمثابة «ارتهان من القيادة السياسية لحماس لمخططات المحور الصفوي، الذي يسعى للتوسع وإدخال المنطقة في أتون الفوضى»، مردفا : «قيادات إيران وحماس تتاجر بدماء شعب أعزل مغلوب على خياراته»، على حد قوله.
انتهازية سياسية
في السياق نفسه، يقول الخبير السياسي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، بشير عبد الفتاح، في حديث لـ«العين الإخبارية»، إن “التناقض والتخبط الإيراني يظهر إلى أي مدى وصل ارتباك استراتيجيتها الردعية، وأنها في حالة عدم توازن».
وأوضح الخبير السياسي، أن طهران تريد الإيحاء بأن لديها مصداقية ردع، «بأن من يعتدي عليها، يلقى جزاءه، لكن ما بدا هو التخبط في ظل تصريحاتها المتناقضة».
ووصف عبد الفتاح التصريحات الإيرانية التي صدرت بشأن عملية طوفان الأقصى، بـ«غير المنضبطة»، معتبرا إياها بمثابة «انتهازية سياسية»، وكأنه بمثابة رسالة بأن حماس تابعة لطهران.
وأوضح أن «إيران أخطأت في البداية حينما أعلنت أن عملية طوفان الأقصى جاءت ردا على مقتل قاسم سليماني، حيث إن مقتل قاسم سليماني كان في 2020، وطوفان الأقصى في أكتوبر/تشرين الأول 2023، فكيف لإيران أن تنتظر 3 أعوام حتى ترد على مقتل قاسم سليماني؟!».
وتابع: «انتهى هذا الملف تماما وقضي الأمر، وأن تعود إيران وتتحدث الآن هذا معناه حالة من عدم الاتزان الاستراتيجي».
وفي الثالث من يناير/كانون الثاني 2020، قُتل القائد السابق لفيلق القدس بضربة من طائرة أمريكية مسيّرة قرب مطار بغداد في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب الذي أكد -آنذاك- أن سليماني كان يخطط لهجمات وشيكة ضد دبلوماسيين وعسكريين أمريكيين.
عدم مسؤولية
الأمر نفسه أشار إليه مدير المنتدى الإقليمي للاستشارات والدراسات العميد الركن اللبناني خالد حمادة، قائلا في حديث لـ«العين الإخبارية»، إن «تراجع الحرس الثوري عن التصريحات يدل عن حالة من الارتباك أو التفكير الصبياني»، مضيفًا: «كان ينبغي أن تصدر تصريحات على مستوى رئيس الجمهورية أو وزير الخارجية لإصلاح الخطيئة التي وقع فيها الحرس الثوري».
وتتساءل شعوب المنطقة، والحديث للخبير اللبناني، لماذا لم يحصل أي اشتباك حقيقي بين إيران وإسرائيل، لا خارج الأراضي المحتلة ولا داخلها، ولماذا يجب أن تكون هناك ثقة بأن طهران هي بمستوى فعلا هذا الصراع القائم، بمستوى القضية الكبرى قضية فلسطين؟
غياب الثقة
وجهة نظر أخرى أشار إليها الدكتور حميد الكفائي، الباحث العراقي في الشؤون السياسية والاقتصادية، قائلا إن النظام الإيراني بتصريحاته بأنه يقف وراء عملية طوفان الأقصى، يحاول أن يبرر للرأي العام المحلي عدم رده على قتل إسرائيل لأحد قادة الحرس الثوري.
لكن إيران، وفقا للكفائي، في حديث لـ«العين الإخبارية»، تقدم دليلا آخر على أنها تتدخل في شؤون الدول الأخرى، بادعاءات الوقوف وراء عملية الطوفان الأقصى، مشيرًا إلى أنه «لم يعد هناك ثقة في خطاب النظام الإيراني لا في طهران ولا خارجها».
مناكفات سياسية
بدوره، قال الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني سليمان بشارات، مدير مركز يبوس للدراسات (فلسطيني/مستقل)، إن التصريحات الرسمية الإيرانية التي وصفها بـ«غير الموفقة والمتناقضة منذ بداية الحرب في غزة، تدخل في باب المزايدات والمناكفات السياسية فقط، ولتحقيق مكاسب سياسية».
وأضاف: طهران أعلنت منذ البداية أن قرار الحرب فلسطيني خاص، وتحدث حزب الله اللبناني أن المقاومة الفلسطينية لم تعلم الشركاء والحلفاء بتوقيت عملية طوفان الأقصى، لكنها ربما أرادت بعث رسالة للولايات المتحدة بأنها تمتلك أوراق ضغط في المنطقة.
وتحدثت تقارير غربية وإسرائيلية عن مشاركة إيرانية في عملية حماس، إلا أن طهران نفت مرارا مسؤوليتها أو دعمها لـ«طوفان الأقصى»، مؤكدة أنها «كانت لأسباب فلسطينية خالصة، مثل الحصار، وانتهاك المقدسات الإسلامية، وقتل واعتقال الفلسطينيين، ولم يكن لها أي علاقة بأي ملف إقليمي أو دولي».
aXA6IDE5Mi4yNTAuMjM5LjExMCA= جزيرة ام اند امز