رحلة إلى المستقبل حيث تفكر المدن وتبتكر العقول ‹ جريدة الوطن
![](https://akhbar.today/wp-content/uploads/2025/02/f4b771c9-c95e-4193-b933-68b901784aa2.jpeg)
الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الرحيم ابن احمد الفرحان
في زاوية من العالم، حيث تعانق الرمال نور الشمس، وتنسج المدن قصة حضارة لا تتوقف عن التقدم، تكتب الإمارات فصلًا جديدًا في مسيرة الإنسانية نحو المستقبل. لم تعد التكنولوجيا مجرد أداة مساعدة، بل أصبحت كيانًا يتنفس، وعقلًا يفكر، وأفقًا يمتد بلا حدود. فبين ناطحات السحاب التي تلامس السحاب، ومختبرات المستقبل التي تضج بالإبداع، تتشكل معالم سياسة الإمارات في تطوير الذكاء الاصطناعي، تلك السياسة التي لا تكتفي بمجاراة الركب، بل تصنع الطريق ذاته.
ذكاء اصطناعي برؤية إماراتية: حين تُروّض الخوارزميات لصنع الأمل
في عالم يحكمه السباق نحو التقدم، أدركت الإمارات منذ وقت مبكر أن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد ترف تقني، بل ضرورة وجودية، تمامًا كما أدرك أجدادها أن الصحراء ليست عائقًا، بل فرصة لتحدي المستحيل. ولذلك، أطلقت الحكومة الإماراتية عام 2017 “استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي 2031″، لتكون أول دولة في العالم تضع وزيرًا للذكاء الاصطناعي، وكأنها بذلك تمنح هذا العقل الرقمي كيانًا سياسيًا وشرعية مؤسسية.
لقد كانت هذه الاستراتيجية بذرة زرعت في تربة الاقتصاد، والحوكمة، والتعليم، والخدمات، لتنمو مع الوقت شجرة وارفة الظلال، تمتد جذورها في البنية التحتية الرقمية، وتلامس فروعها حدود الخيال العلمي.
عقول إلكترونية تفكر وتبتكر
إذا كان الذكاء الاصطناعي هو الريح التي تدفع سفينة التطور، فإن الإمارات القبطان الذي يعرف وجهته بدقة. ففي دبي، تتحدث الشوارع بلغتها الخاصة مع السائقين، وترسم إشارات المرور قراراتها بناءً على تحليل البيانات لحظيًا. هناك، في مدينة المستقبل “منطقة 2071″، تُختبر أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي، لتكون المختبر الأول الذي يعيد تشكيل ملامح الحياة العصرية.
أما أبوظبي، تأسس معهد الابتكار التكنولوجي ومختبرات الذكاء الاصطناعي في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، التي لم تكتفِ بأن تكون جامعة، بل تحولت إلى عقل مدبر يعمل على تطوير أنظمة تفكير مستقلة، تُعيد تعريف العلاقة بين الإنسان والآلة.
الأخلاق الرقمية: حين يصبح الذكاء مسؤولًا
لكن السؤال الأهم ليس فقط عن مدى تقدم الذكاء الاصطناعي، بل عن مدى إنسانيته. وهنا، تقف الإمارات موقف الحارس الأمين، واضعةً إطارًا أخلاقيًا لحوكمة الذكاء الاصطناعي، يضمن أن يكون هذا الكيان الرقمي أداة للخير، لا وحشًا بلا ضمير. من خلال “مجلس الإمارات للذكاء الاصطناعي”، تُناقش السياسات، وتُصاغ التشريعات، لتُرسم بذلك حدود أخلاقية تحمي المجتمع من أي انحرافات تقنية قد تخرج الذكاء الاصطناعي عن مساره الإنساني.
المستقبل يبدأ الآن
ليست الإمارات دولة تعيش الحاضر فقط، بل هي تلك اليد التي ترسم المستقبل، والقلب الذي ينبض برؤية الغد. في هذا المشهد، يبدو الذكاء الاصطناعي ليس مجرد تقنية، بل لغة جديدة تكتب بها الدولة مستقبلها، وطريقًا تمضي عليه بثقة، وسفينة تُبحر بها إلى آفاق لم يبلغها أحد من قبل.
فالذكاء الاصطناعي في الإمارات ليس مشروعًا مؤقتًا، ولا رؤية حالمة، بل واقعًا ينبض بالحياة، يحمل في طياته وعودًا لا تنتهي، ويعيد تعريف العلاقة بين الإنسان والتكنولوجيا.