اخبار لايف

سباق الهيمنة على المحيطات.. هل تخسر أمريكا تفوقها البحري أمام الصين؟


في عالم تتحكم فيه القوة البحرية بموازين الهيمنة الجيوسياسية، لم تعد معادلة التفوق البحري مجرد مسألة تفوق تكنولوجي أو قدرات قتالية، بل أصبحت معادلة معقدة تتشابك فيها القدرة التصنيعية، والتخطيط الاستراتيجي، والسرعة في التكيف مع التحولات العسكرية.

 ولعقود، ظلت البحرية الأمريكية تتربع على عرش البحار، باعتبارها القوة المهيمنة القادرة على بسط نفوذها عبر المحيطات، وتأمين طرق التجارة العالمية، والتصدي لأي تهديد عسكري تقليدي أو غير تقليدي.

  • نقلة نوعية.. الصين تكشف عن سلاح برمائي بقدرات استثنائية
  • الصين تتجاوز «مبدأ مونرو» وتُبحر في الكاريبي

غير أن الصعود الصيني المتسارع في المجال البحري بدأ يعيد تشكيل المشهد العسكري الدولي، ليضع واشنطن أمام تحدٍّ غير مسبوق منذ نهاية الحرب الباردة: تفوق عددي بحري قد يغير موازين القوى في أي مواجهة مستقبلية.

وقبل عقدين، كان لدى البحرية الأمريكية 282 سفينة قتالية مقابل 220 سفينة فقط للبحرية الصينية، لكن بحلول منتصف العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، تلاشت هذه الميزة.

واليوم، يفوق عدد السفن الصينية نظيراتها الأمريكية، حيث تمتلك الصين حوالي 400 سفينة، مقارنة بـ 295 فقط لدى الولايات المتحدة. وإذا استمر معدل بناء السفن الأمريكي دون تغيير، فإن ما يُعرف بـ«الفجوة البحرية» سيزداد اتساعًا.

تفوق صيني يهدد أمريكا

ووفق تحليل لـ«فورين أفيرز»، فإن الأرقام وحدها لا تعكس بالطبع، جودة السفن الحربية أو قدراتها، كما أنها لا تعكس الاستراتيجيات العسكرية أو الإمكانات الأرضية ذات الصلة أو العوامل الأخرى التي تؤثر على الحروب البحرية.

فالسفن الأمريكية غالبًا ما تكون أكبر حجمًا، ومزودة بأجهزة استشعار وإلكترونيات وأسلحة متطورة تفوق نظيراتها الصينية. على سبيل المثال، يتكون أسطول الغواصات الصيني في الغالب من غواصات تعمل بالديزل التقليدي، في حين أن البحرية الأمريكية تمتلك 49 غواصة هجومية تعمل بالطاقة النووية، وهي أكثر تقدمًا بكثير.

كما أن البحرية الأمريكية تمتلك عددًا أكبر من حاملات الطائرات والسفن الحربية الكبيرة مثل الطرادات والمدمرات، فضلاً عن أن أطقمها المدربة وقادتها العسكريين أكثر خبرة، وهو ما تجلى بوضوح خلال العمليات الأخيرة ضد الحوثيين في الشرق الأوسط، وهو النوع من الخبرة الواقعية التي تفتقر إليها البحرية الصينية.

الجودة أم الكمية.. أيهما يحسم؟

لكن القدرة الصناعية الهائلة لبناء السفن التي منحت الصين تفوقًا عدديًا توفر لها أيضًا مزايا مهمة في أي حرب طويلة الأمد، وهي مزايا لا يمكن للجودة أو المهارة وحدهما تعويضها بالكامل.

تمتلك الصين أكبر صناعة لبناء السفن في العالم بفارق شاسع، حيث تقوم بإطلاق حمولات بحرية سنوية تفوق ما ينتجه بقية العالم مجتمعًا. ووفقًا لمكتب الاستخبارات البحرية الأمريكي، فإن الطاقة الإنتاجية الصينية في هذا القطاع تتجاوز نظيرتها الأمريكية بأكثر من 200 مرة.

ورغم أن معظم إنتاج الصين الحالي يتركز على السفن التجارية، فإن بناء السفن الحربية الحديثة أكثر تعقيدًا، لكن في حرب طويلة، قد تتمكن أحواض بناء السفن الصينية التجارية من اكتساب هذه القدرة بسرعة.

هذا التفوق الصناعي الهائل يمنح الصين القدرة على توسيع أسطولها أو تعويض خسائرها بسرعة لا تستطيع الولايات المتحدة ببساطة أن تضاهيها.

دروس تاريخية 

شهد التاريخ البحري معارك مدمرة للغاية، فخلال الفترة الممتدة من منتصف القرن السابع عشر إلى نهاية الحرب الباردة، كانت القوات البحرية المهزومة في المعارك تخسر في المتوسط نحو ثلث أسطولها القتالي، بينما كانت تُباد بالكامل في 13% من الحالات.

وحتى القوات المتفوقة ماديًا كانت عرضة للهزيمة، كما حدث في أوائل الحرب العالمية الثانية عندما دخلت الولايات المتحدة الصراع وهي تمتلك أسطولًا أكبر من نظيره الياباني الإمبراطوري، لكنها تعرضت لسلسلة من الهزائم الكارثية، بدءًا من الهجوم المفاجئ على بيرل هاربر، ثم معارك مضيق بادونغ، وبحر جاوة، ومضيق سوندا.

ولتجنب “دوامة الموت”، حيث تؤدي الخسائر المبكرة إلى مزيد من الهزائم، تحتاج القوات البحرية إلى القدرة على تعويض السفن المدمرة بسرعة خلال الحروب الكبرى.

وخلال الحرب العالمية الثانية، تمكنت الولايات المتحدة من تحقيق ذلك، إذ قامت ببناء سفن جديدة بوتيرة مذهلة، حيث تضاعف حجم أسطولها بعد عام واحد فقط من هجوم بيرل هاربر، رغم استمرار تكبدها خسائر فادحة.

على النقيض، لم تتمكن اليابان، ذات القدرة الصناعية المحدودة، من تعويض خسائرها بنفس الوتيرة، مما أدى إلى انهيار قوتها البحرية.

مشاكل الإنتاج.. أزمة تتفاقم

وتواجه الولايات المتحدة مشكلة كبيرة في بناء السفن، حيث أصبحت عمليات الإنتاج تستغرق فترات أطول بكثير. تستغرق حاملات الطائرات الأمريكية الحديثة 11 عامًا للبناء، بينما تحتاج الغواصات النووية والمدمرات إلى 9 سنوات.

وقد زادت هذه المدة بشكل كبير خلال الخمسة عشر عامًا الماضية، حيث تكافح أحواض بناء السفن الأمريكية في توظيف العمالة الماهرة والاحتفاظ بها، مما يحد من قدرتها على تلبية احتياجات البحرية.

فخلال الحرب العالمية الثانية، كان بناء حاملة طائرات يستغرق أكثر من عام بقليل، بينما كانت الغواصات تُبنى في غضون بضعة أشهر.

أما اليوم، فإذا خسرت البحرية الأمريكية حاملة طائرات في المعركة، فقد يستغرق تعويضها عقودًا – أو قد لا يتم تعويضها أبدًا.

الصين تضيق الفجوة 

تزامنًا مع ذلك، تواصل الصين تضييق الفجوة النوعية مع الولايات المتحدة. على سبيل المثال، تُعتبر المدمرات الصينية من طراز 055 مماثلة تقريبًا لنظيراتها الأمريكية من الطرادات والمدمرات.

وفي عام 2020، أبلغ مكتب الاستخبارات البحرية الأمريكي الكونغرس بأن السفن الحربية الصينية أصبحت “في العديد من الحالات مماثلة للسفن الأمريكية”، وأن الصين “تسير بسرعة نحو سد الفجوة في التصميم والجودة”.

كما تعمل بكين على بناء مزيد من حاملات الطائرات والغواصات النووية، وبزمن بناء يقارب نصف المدة التي تستغرقها أحواض بناء السفن الأمريكية لإنجاز السفن نفسها.

كما أن التفوق الصناعي الصيني يمتد أيضًا إلى إنتاج الذخائر، مما يزيد من نقاط ضعف الولايات المتحدة في أي حرب طويلة الأمد.

كيف تواجه واشنطن؟

وفق «فورين أفيرز» تعتبر مضاهاة الطاقة الإنتاجية للصين التي تفوق مثيلتها في الولايات المتحدة بأكثر من 200 مرة هو أمر غير عملي.

لكن هناك استراتيجيات يمكن لواشنطن تبنيها، منها: تعزيز التحالفات الصناعية، تخزين المواد الأساسية، توسيع القدرات الصناعية، بناء سفن أصغر حجمًا وأكثر عددًا، تعزيز استخدام المركبات غير المأهولة، وتسليح مزيد من السفن لدعم الأسطول القتالي بسرعة.

كما يمكن للولايات المتحدة الاستفادة من قدرات حلفائها، مثل كوريا الجنوبية واليابان، اللتين تمتلكان ثاني وثالث أكبر صناعات لبناء السفن في العالم.

لكن تعرض هذه الدول لأي هجوم صيني قد يعقد هذه الاستراتيجية.

من جهة أخرى، يمكن لمبادرات التكنولوجيا المتقدمة، مثل المركبات غير المأهولة، أن تمنح واشنطن بعض التفوق، لكن يبقى السؤال: هل ستكون هذه الحلول كافية في مواجهة تفوق صيني عددي وصناعي ساحق؟

من يحسم التفوق؟

وبحسب التخليل فإنه يجب على الولايات المتحدة أن توسع نطاق نقاشاتها حول التوازن البحري مع الصين ليشمل الديناميكيات الإنتاجية خلال الحروب الطويلة، وليس فقط عدد السفن الحالية.

إذ يكشف التاريخ أن التفوق العددي والصناعي قد يكون أكثر حسماً من التفوق التكنولوجي في الصراعات الممتدة، وهو ما ينبغي أن يشكل إنذارًا للبحرية الأمريكية لصياغة استجابة استراتيجية قبل فوات الأوان.

aXA6IDIxMy4xNjUuMjQ3LjkzIA==

جزيرة ام اند امز

US

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى