«سلاح روسيا الخفي» بالنيجر في مهمة تفجر الجسر الأمريكي
لم يكن صدفة تحول المزاج الشعبي في دول الساحل الأفريقي تجاه الولايات المتحدة الأمريكية والغرب عموما، فقد كان خلفه سلاحا روسيا سريا.
ويعتقد خبراء تحدثت معهم “العين الإخبارية” أن موجة الرفض في دول الساحل الأفريقي للتواجد الأمريكي بالمنطقة، جاءت بفعل تحرك روسي نجحت من خلاله موسكو في رسم صورة ذهنية أكثر قتامة للوجود الغربي على وسائل التواصل الاجتماعي.
وأشار الخبراء إلى أن روسيا استحضرت عبر هذا السلاح السري الاستعباد الغربي والأمريكي والاستعمار القديم لدول المنطقة، ودقت فيها على وتر الفشل في محاربة الإرهاب، ما ساعد كثيرا في خلق رأي عام مناهض للوجود الغربي.
وسائل التواصل
وبدأت شركة فاغنر العسكرية الروسية الخاصة خطتها بعد نجاح الانقلابات العسكرية في كل من مالي وبوركينافاسو في عام 2022، في القيام بحملة مكثفة على وسائل التواصل الاجتماعي استهدفت فيها النيجر بشكل مكثف.
وساعدت الحملة على ما يقول الخبراء في زيادة عدد المتابعين لصفحات محاربة التواجد الأمريكي والغربي بالمنطقة، وصاحب ذلك تكثيف وكالات الأنباء الروسية بضخ المحتوى الإعلامي بشأن الأوضاع في النيجر.
وعضدت موسكو جهودها عبر تكريم رموز التحرر الأفريقي من المستعمر في القمة الروسية الأفريقية الأخيرة.
واستمرت موسكو بعد رحيل قائد فاغنر بالسير في هذا النهج، الذي أثبت التفوق الروسي الناعم في حرب التنافس الدائمة بينها وبين فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية بالمنطقة.
تغيير الواقع
الدكتور عبد المهيمن محمد الأمين، مدير جامعة المغيلي الأهلية الدولية بالنيجر يرى من جانبه أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبح لها دور كبير في تهيئة الرأي العام، ومحاولة تكوين رأي جماعي يشكل لوبي يضغط على السياسيين.
وقال الأمين لـ”العين الإخبارية” لا شك أن هذه الوسائل نجحت في هذا الأمر فق لعبت دورا كبيرا في خلق رؤية جماهيرية للولايات المتحدة وفرنسا من قبلها، والبلدان لم يلعبا الدور الذي كان يتوقع منهما.
وأكد أن هذا هو السبب في نجاح هذه الدعاية، إذ لم الناس بأنفسهم معطيات ونتائج الميدان، فالناس يلاحظون أن الإرهاب ما زال نشطا، وأن تهريب البشر أو المخدرات ما زال موجودا، وليس هنالك ما يحد منه أو يقلله.
ويترتب الأمين على ذلك استنتاج أن حماس الناس تراجع تجاه الفرنسيين والأمريكان، مضيفا أن ذلك ساعد في نجاح الدعاية الروسية، مشيرا إلى أنها وجدت أرضا صالحة.
وأوضح أن روسيا في الآونة الأخيرة تنشط بقوة في التدخل في كل المشكلات التي تحدث عالميا، وتحاول أن تثبت وبجدارة أنها حاضرة وأن لديها حلولا ربما قد تكون مرضية أكثر مما تطرحه الولايات المتحدة الأمريكية.
انتكاسة كبيرة
وذكرت تقارير إعلامية غربية في اليومين الماضيين أن انسحاب القوات الأمريكية من النيجر سيضعف القدرات واشنطن في المنطقة وسيعمل على تعزيز نفوذ روسيا وإيران والصين في أفريقيا.
ووصفت التقارير “طرد أمريكا” من النيجر بـ”الانتكاسة الكبيرة” في مواجهة الجماعات المتطرفة في منطقة الساحل الأفريقي، مؤكدة أنه سيعرض عمليات مكافحة الإرهاب للخطر، كما سيعمل على زيادة النفوذ الروسي هناك وتفتيت العلاقات الغربية في القارة.
على الطريق نفسه
وأشار الخبير النيجري إلى أن بلاده تسير في نفس الاتجاه الذي تسير فيه مالي وبوركينا فاسو وأن هذا كان متوقعا.
وقال إن السبب في تحرك النيجر في هذا الاتجاه وبسرعة (الاقتراب من روسيا على حساب الغرب) ما لاحظوه في الميدان من عمل القوات الروسية مع القوات في مالي وبوركينافاسو، والتنسيق الجيد في مكافحة الإرهاب.
وأضاف أنه لوحظ أيضا أن الروس يتعاونون تعاونا فعليا وقويا مع هذه الدول، ويتواجدون بجانبها في كل الأماكن التي تحدث بها المشكلات، ويجابهون معا الجماعات المتطرفة، ويتبادلون المعلومات بشكل دقيق.
سلاح فعال
الدكتور محمد تورشين الباحث السوداني في الشأن الأفريقي يؤكد من جهته أن روسيا استخدمت الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي لتوجيه الرأي العام وتشكيل رؤية سلبية تجاه الحضور الأمريكي والغربي في المنطقة.
وقال تورشين لـ “العين الإخبارية” إن روسيا استفادت من البعد التاريخي للتدخل الأمريكي في عدة دول على غرار الصومال والعراق وأفغانستان، وكذلك استغلت الماضي الاستعماري لفرنسا وبريطانيا، واستفادت من ذلك بشكل كبير جدا.
صراع حقيقي
وأكد الخبير السوداني أن ما يحدث في النيجر الآن هو صراع حقيقي بين أمريكا وروسيا حول العديد من الأمور.
وأوضح أنه عقب فشل التوصل لتفاهم بين السلطات في النيجر والإدارة الأمريكية، وضعت السلطات في نيامي الإدارة الأمريكية في حرج كبير، حينما جمعت القوات الأمريكية والروسية في مطار نيامي العسكري.
وأضاف: “أعتقد أن أمريكا كانت متمسكة بقاعدتها في النيجر، لأهميتها الجيواستراتيجية، وخاصة أن مهامها لا تقتصر فقط على النيجر وإنما تشمل أيضا منطقة الساحل في مالي وبوركينا فاسو وامتدادا إلى تشاد وليبيا لمراقبة الجماعات الإرهابية هناك.
وتوقع تورشين أن توطد روسيا أركان نفوذها العسكري في منطقة الساحل، قائلا إن الفراغ الأمني الذي ستشهده المنطقة ستشغله روسيا.
نجاح السلاح الروسي
من جهته رأى محمد سيدي، الكاتب الصحفي والمحلل السياسي بالنيجر أن الرأي العام في بلاده أصبح أكثر حماسة للروس. وقال لـ “العين الإخبارية” إن الشعب النيجري الآن يطالب بمغادرة القوات الأمريكية من البلاد.
وأشار إلى أن ذلك يعني ببساطة نجاح الدعاية الروسية في تشكيل الرأي العام بالبلاد ضد التواجد الأمريكي، رغم أن القوات الأمريكية ما زالت متواجدة على الأرض ولم تغادر حتى الآن.
وقال إن هناك تعايشا إجباريا بين القوتين الأمريكية والروسية في نفس القاعدة بالعاصمة نيامي، وقد أرسلت موسكو بعثتها الثانية المكونة من آليات عسكرية وجنود لتدريب القوات النيجرية، وذلك يؤكد أن هنالك تناميا في العلاقات بين النيجر وروسيا.
وشدد على أن تمركز روسيا بالنيجر لم يعد وهما، بل أصبح حقيقة. وأضاف أن موسكو ستزيد من توسعها في النيجر بشكل كبير، وأنها وضعت قدمها بالفعل في البلاد، ولن تترك المجال لأي جهة أخرى، مبينا أنه ليست هناك معلومات دقيقة تفيد بخروج القوات الأمريكية بشكل نهائي، متسائلا هل سيغادرون جميعهم أم سيبقى جزء منهم، وقال ننتظر الأيام المقبلة لمعرفة تفاصيل هذا الأمر.
زادت الطين بلة
محمد أغ إسماعيل أستاذ العلوم السياسية بجامعة باماكو بمالي، فرأى أن روسيا وجدت بيئة جاهزة بالفعل لاستقبال دعايتها، ويمكن أن نقول أن الدعاية الروسية “زادت الطين بلة”.
وأوضح إسماعيل لـ “العين الإخبارية” يجب أن نتذكر دائما أن العالم أصبح قرية واحدة، وأن الجميع يشاهد الفيتو الأمريكي الداعم لإسرائيل في مجلس الأمن الدولي ضد فلسطين، ربما حتى لا يحتاج الأفارقة لدعاية روسية للمطالبة بإخراج القوات الأمريكية.
وأشار إلى أن نيامي تسعى لتطبيق نفس سياسة باماكو من اختيار روسيا كحليف استراتيجي، لكنه لفت إلى أن الغرب لن يبقى مكتوف الأيدي أمام هذه التطورات.
وتابع إن الساحل الأفريقي يعاني من هذا التنافس السلبي من أجل استنزاف خيراته ورغبة قادته العسكريين الجدد في البقاء في السلطة، مضيفا أنه من المبكر جدا تقييم التعاون مع روسيا، لكن السياسة الغربية أصبحت مكشوفة للجماهير.
aXA6IDJhMDI6NDc4MDphOjE0NTE6MDoxN2IzOjljNmY6MiA= جزيرة ام اند امز