سلام دون استعداد للحرب.. معادلة ألمانية «بلا ضمانات»
ألمانيا تقف بمفترق طرق يضعها أمام سؤال حاسم: هل يمكن ضمان السلام دون الاستعداد للحرب؟
وبحسب مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية، يواجه البلد الأوروبي تحديات غير مسبوقة جراء تصاعد التوترات الجيوسياسية واندلاع الحرب الأوكرانية، التي أعادت رسم ملامح الأمن بالقارة العجوز.
ورغم ذلك، يبدو أن القيادة الألمانية تفتقر إلى رؤية واضحة وجادة للتعامل مع التحولات الكبيرة التي تشهدها الساحة الدولية.
وفيما تدور الحرب على أعتاب القارة الأوروبية، تواصل برلين تبني نهج قائم على الحوار والدبلوماسية فقط، دون إيلاء الاهتمام الكافي للاستعداد العسكري والقدرة على الردع.
ويعكس هذا النهج قصورًا في فهم طبيعة الحروب الحديثة التي تعتمد على التكنولوجيا المتقدمة، والاستراتيجيات الهجينة، والتخريب المستهدف للبنية التحتية.
وبينما تحاول الدول المجاورة تعزيز قدراتها الدفاعية استعدادًا لأي سيناريوهات مستقبلية، تقف ألمانيا بمفترق طرق يضعها أمام سؤال حاسم: هل يمكن ضمان السلام دون الاستعداد للحرب؟
ووفق المجلة، فإن أصدق مثال على عدم اكتراث ألمانيا بالاستعداد للحرب، هو إعادة انتخاب المستشار أولاف شولتز، الذي يصور نفسه كـ«مستشار السلام» ونجح في إبقاء ألمانيا خارج الحرب الروسية الأوكرانية.
ولتأكيد هذا التوجه السلمي، كان أحد أول ما قام به بعد إطلاق حملته هو الاتصال بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مما أثار استياء الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وحلفاء ألمانيا الغربيين، الذين بدأوا في استبعاد برلين ومستشارها الذي يقترب من نهاية ولايته من مناقشاتهم.
وبالطبع، لم تؤدِ المحادثة مع بوتين إلى أي نتيجة، وبعد ما يقرب من ثلاث سنوات من بدء الحرب، يبدو أن شولتز ودائرته الاستشارية غير مستعدين لمواجهة حقيقة بسيطة.
وتلك الحقيقة هي أن مواجهة المعتدين وإجبارهم على الجلوس إلى طاولة المفاوضات تتطلب استخدام كل من الحوافز والضغوط – أي الدبلوماسية والقوة العسكرية.
وعلى مدى عقود طويلة، كان القادة الألمان وصناع الرأي والعديد من مؤسسات السياسات يرون سياسة الأمن من خلال منظور الدبلوماسية والحوار والتبادل الاقتصادي.
وهذه النظرة تمثل مشكلة عميقة بالنسبة لألمانيا، لأنها تعيق استعداد برلين لمواجهة عودة الحرب واسعة النطاق إلى القارة – سواء الحرب الهجينة التي تشنها موسكو بالفعل ضد أوروبا اليوم أو الحرب الساخنة التي يعتبرها رؤساء الاستخبارات الغربية أكثر احتمالًا.
وهذا يرفع من خطر أن تحقق برلين عكس ما تسعى إليه، فبتجنب أي مظهر من مظاهر الاستعداد لاحتمال الحرب، جردت ألمانيا نفسها من القدرة على ردعها، مما يجعل الحرب في أوروبا أكثر احتمالًا، وليس أقل.
يبدو أن شولتز ومعظم النخبة الألمانية لديهم فهم ضئيل للغاية لما قد تبدو عليه حرب مستقبلية مع روسيا، كما يبدو أنهم لا يدركون كيف يمكن أن تُشن حرب، ولا الحاجة إلى الاستعداد على الجبهة الداخلية.
ويشمل ذلك التعامل مع كل شيء من تأثيرات الهجمات الصاروخية وهجمات الطائرات المسيّرة إلى الهجمات الإلكترونية، والاغتيالات، والتخريب الواسع للبنية التحتية المدنية والعسكرية الألمانية.
كما لا تمتلك الحكومة الألمانية فهما كافيا أيضًا حول الإمكانيات التدميرية لأي حرب مستقبلية، فعلى سبيل المثال، يمكن أن ينتج عن هجوم روسي على دول البلطيق أو بولندا عشرات الآلاف من الضحايا في الأيام الأولى.
ومن المحتمل أن تتسبب الحرب في دمار كبير لموانئ ألمانيا البحرية، وشبكات السكك الحديدية، وشبكة الكهرباء، والبنية التحتية الحيوية الأخرى، نظرًا لدور ألمانيا كمحور لوجستي مركزي لحلف الناتو ومنطقة خلفية استراتيجية لأي حرب في أوروبا الشرقية.
وعندما يتعلق الأمر بالقدرات العسكرية، يبدو أن القيادة الألمانية لا تدرك تغير طبيعة الحروب الحديثة، وعلى سبيل المثال، بدأ برنامج جاد للطائرات المسيّرة بعد أكثر من عقد من النقاش العام المطول.
واليوم، تتميز الحروب بانتشار أسلحة الضربات الدقيقة، مثل الصواريخ الموجهة، والصواريخ الباليستية، والطائرات المسيّرة؛ وهي مدعومة بقدرات واسعة في مجال الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع مثل الأقمار الصناعية والطائرات المراقبة.
ويضاف إلى ذلك، أن الحكومة الألمانية ليست جادة أيضًا بشأن حجم القوات المسلحة، حيث تشير الحسابات الداخلية للجيش الألماني إلى الحاجة إلى قوة نشطة تضم ما لا يقل عن 270,000 جندي واحتياطي يبلغ حوالي 200,000.
لكن مع النظام التطوعي الحالي، لن تصل ألمانيا إلى هذا العدد؛ وبحلول نهاية عام 2024، من المحتمل أن يكون الجيش الألماني قد انخفض إلى أقل من 180,000 جندي.
وخلصت المجلة إلى أن ألمانيا بحاجة إلى تعزيز قدراتها الدفاعية والعسكرية والاستعداد للتعامل مع أي تصعيد، بما في ذلك إعادة التفكير في نظام التجنيد الإجباري لدعم الاحتياطيات بشكل فعال.
ومع ذلك، فإن القيادة السياسية في برلين تفضل تجنب مواجهة هذه الحقائق الصعبة، مما يترك ألمانيا في موقف دفاعي ضعيف في وجه التهديدات المحتملة.
aXA6IDIxMy4xNjUuMjQ3LjkzIA== جزيرة ام اند امز