شراكة إيران وروسيا.. رسائل تستبق ترامب وتحذر الغرب
قبل ثلاثة أيام فقط من عودة الرئيس الأمريكي المنتخب إلى البيت الأبيض، استعدت روسيا وإيران لولاية دونالد ترامب الثانية، بـ«اتفاقية شراكة شاملة»، في صفقة كانت قيد العمل لعدة أشهر.
ولتوقيع تلك المعاهدة، وصل الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى موسكو الجمعة، لإجراء محادثات مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، بحسب وكالة تاس الروسية، التي أشارت إلى أنه من المقرر أن يجري، الذي يزور الكرملين لأول مرة منذ توليه الرئاسة في يوليو/تموز الماضي بعد مقتل سلفه في حادث تحطم طائرة هليكوبتر، محادثات مع بوتين تركز على العلاقات الثنائية والقضايا الدولية قبل التوقيع على المعاهدة.
ووطدت روسيا علاقاتها مع إيران ودول أخرى معادية للولايات المتحدة، مثل كوريا الشمالية، منذ بداية الحرب في أوكرانيا، ولديها اتفاقيات استراتيجية مع بيونغ يانغ وحليفتها الوثيقة بيلاروسيا، فضلا عن اتفاقية شراكة استراتيجية مع الصين.
ومن المرجح أن يثير الاتفاق بين موسكو وطهران، الذي سيمتد 20 عاما ويتضمن بنودا بشأن تعزيز التعاون الدفاعي، قلق الغرب.
فماذا يعني الاتفاق؟
تقول شبكة «سي إن إن» الأمريكية، إن الاتفاق يعد خطوة من شأنها أن تعيد تركيز الاهتمام على الشراكة التي شكلت ساحة المعركة في أوكرانيا، والتي تظل ملتزمة بتحدي النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة – حتى مع تعهد الإدارة الأمريكية الجديدة بمشاركة أكبر مع روسيا.
وقال جون ألترمان، مدير مركز الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وهو مركز أبحاث في واشنطن العاصمة، لشبكة سي إن إن: «إن فكرة اعتبار الولايات المتحدة ليس مجرد عدو، بل هدفًا استراتيجيًا لكل سياساتهم الخارجية، قد جمعتهم معًا. لقد جمعتهم معًا في ساحات القتال في أوكرانيا».
في يوليو/تموز 2022، بعد خمسة أشهر من العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، زار الرئيس فلاديمير بوتين طهران، وكانت أول رحلة له في زمن الحرب خارج نطاق الاتحاد السوفياتي السابق.
ولقد أثمرت زيارة طهران عن نتائج طيبة بالنسبة لروسيا. فبفضل الاتفاق الذي تم التوصل إليه في أعقاب تلك الزيارة، تنتج روسيا الآن آلاف الطائرات الهجومية بدون طيار من طراز «شاهد» المصممة إيرانيا، في مصنع في تتارستان. ووجد تحقيق أجرته شبكة «سي إن إن» في ديسمبر/كانون الأول أن معدلات الإنتاج في المنشأة تضاعفت بأكثر من الضعف بحلول عام 2024.
ولقد شكلت هذه الطائرات بدون طيار العمود الفقري لقوات روسيا في أوكرانيا، حيث استهدفت أسراب منها المناطق المدنية والبنية التحتية للطاقة في محاولة لاستنزاف دفاعاتها الجوية.
وبحسب إحصاء CNN لتقارير القوات الجوية، نشرت روسيا أكثر من 11 ألف جندي في أوكرانيا العام الماضي، وهو ما يزيد على أربعة أضعاف التقديرات التي تجاوزت 2500 جندي في عام 2023، والتي قدمتها استخبارات الدفاع الأوكرانية.
كما أعلنت الولايات المتحدة أن موسكو تسلمت صواريخ باليستية إيرانية – وفي حين لم تظهر أي أدلة حتى الآن على نشرها المزعوم، فإن هذه الأخبار وحدها أرسلت إشارة قوية إلى حلفاء أوكرانيا بأن بوتن مستعد للتصعيد.
لكن على الرغم من أن هذا كان أقل استحسانا بالنسبة لموسكو، فقد كان أيضا أحد العوامل التي ساعدت في تحويل المناقشة حول منح أوكرانيا الإذن بإطلاق الصواريخ الطويلة المدى التي زودتها بها الدول الغربية على أهداف عسكرية في روسيا.
ففي أوائل يناير/كانون الثاني، زعم العديد من المدونين العسكريين الروس البارزين، دون تقديم أدلة، أن قاذفات الصواريخ الإيرانية وغيرها من المعدات كانت تُسلَّم إلى ساحات التدريب العسكرية الروسية قبل توقيع الاتفاق.
وبعد مرور عامين ونصف العام على زيارة بوتين لطهران، تغيرت الديناميكية بشكل ملحوظ لكلا الجانبين، فروسيا تتمتع الآن بالميزة في أوكرانيا، وتكتسب أراضي على الجبهة الشرقية، وبمساعدة جنود كوريا الشمالية، تدفع أوكرانيا ببطء إلى الوراء في منطقة كورسك الروسية.
وبحسب الشبكة الأمريكية، فإن اجتماع الجمعة بين بوتين ومسعود بيزشكيان يمنح موسكو فرصة طيبة لتلميع صورتها كقوة عظمى.
وقال جان لوب سمعان، وهو زميل غير مقيم في المجلس الأطلسي، لشبكة «سي إن إن»: «لا تزال روسيا تعتبر نفسها الشريك الأكبر هنا، وإيران شريك إقليمي».
مصالح متبادلة
وفي الوقت نفسه، تشعر إيران بقدر أقل من الأمان، فبحسب نيكيتا سماجين، الخبير المستقل في شؤون روسيا وإيران، والذي عمل لصالح وسائل الإعلام الحكومية الروسية في طهران، إن إدارة بيزيشكيان تتعجل التوقيع على هذه المعاهدة مع روسيا وسط تهديدات متعددة لأمنها.
وأضاف: “إنهم خائفون من إدارة ترامب، وهم خائفون من إسرائيل، وهم خائفون من انهيار الأسد، وانهيار حزب الله”، موضحا أن إيران تبحث عن إظهار الدعم.
وربما تسعى موسكو إلى استغلال هذا الوضع، فبحسب ألترمان فإن الروس “لديهم قدرة كبيرة على اكتشاف من هم في ورطة”، وربما يفكرون “بوسعنا مساعدتهم قليلاً، لكن بوسعنا أن نوصلهم إلى حيث نحتاج إليهم وأن نستخرج منهم المزيد مما نريد”.
لكن ما تريده روسيا أكثر من ذلك ليس واضحاً، فقد قامت روسيا الآن بتوطين إنتاج صاروخ شاهد على الأراضي الروسية ــ وبعد أن دفعت مستحقاتها لإيران بموجب صفقة امتياز أولية لتصنيع الصواريخ، فإنها تفعل ذلك الآن بمشاركة إيرانية مباشرة أقل كثيراً.
رسالة لترامب
وقال ألترمان: «أعتقد أن هذا يهدف جزئيا إلى توجيه رسالة إلى إدارة ترامب مفادها أن كل منا لديه خيارات. أعتقد أن الإيرانيين يبحثون عن أدوات يمكنهم استخدامها مع الأمريكيين.. وهناك شعور بأن هذا يمنحهم شيئا للتداول أو شيئا للحديث عنه».
وتواجه إيران احتمال إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة عليها والتي تم رفعها بموجب الاتفاق النووي لعام 2015، وتبحث بشكل عاجل عن طرق لإقناع الولايات المتحدة بإعادة الانضمام إلى هذا الاتفاق، الذي خرج منه ترامب في عام 2018، أو إعادة بدء المفاوضات.
وبالنسبة لروسيا، فإن المعاهدة الجديدة مع إيران ــ وهي الدولة التي قد تكون أقرب من أي وقت مضى إلى القدرة على إنتاج سلاح نووي ــ ربما تكون في جزء منها بمثابة إثارة شبح المزيد من التصعيد أمام الإدارة الأمريكية الجديدة التي ترى أنها أقل التزاما بأوكرانيا.
aXA6IDIxMy4xNjUuMjQ3LjkzIA== جزيرة ام اند امز