شركات الطيران تقاطع سماوات الشرق الأوسط في 2024.. أجواء مرعبة للطيارين
في أواخر سبتمبر/أيلول شعر طيار محنك بشركة ويز إير الأوروبية للطيران منخفض التكلفة بالقلق عندما علم أنه سيقود رحلة جوية تمر في أجواء العراق ليلا وسط تصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل المجاورتين.
وقرر الطيار الاستفسار بشأن القرار الذي جاء مع أن شركة الطيران كانت قد اعتبرت هذا الطريق غير آمن قبل ذلك بأسبوع فقط.
وقال إنه ردا على استفساراته قال مسؤولو عمليات الرحلات الجوية في شركة ويز إير إن المسار الجوي صار آمنا وإن عليه التحليق عبره، دون أن يقدموا المزيد من التوضيح.
وقال الطيار لرويترز مع طلب عدم الكشف عن اسمه خوفا من فقد وظيفته “لم أكن سعيدا حقا بهذا”. وبعد أيام أغلق العراق مجاله الجوي عندما أطلقت إيران صواريخ في أول أكتوبر/تشرين الأول على إسرائيل.
وقال الطيار “لقد أكد ذلك شكوكي في أن المجال الجوي غير آمن”.
وردا على استفسارات من رويترز قالت شركة ويز إير إن سلامة الطواقم والركاب في مقدمة الأولويات لديها ولا يمكن المساس بها “تحت أي ظرف”، مضيفة أن القرارات بشأن أماكن الطيران تتخذ بناء على تقييمات دقيقة للمخاطر بالتعاون مع طرف ثالث من خبراء المعلومات.
وقالت ويز إير في بيان أيضا “لن تحلق طائراتنا ولا أطقمنا إلا في المجال الجوي الذي يُعتبر آمنا ولن نخاطر أبدا في هذا الصدد”.
وأضافت شركة الطيران أنها أجرت تقييما شاملا للمخاطر قبل أن تقرر التحليق فوق المجال الجوي العراقي في نوفمبر/تشرين الثاني واتبعت إرشادات المفوضية الأوروبية ووكالة سلامة الطيران التابعة للاتحاد الأوروبي، التي اعتبرت المجال الجوي آمنا في 31 يوليو/تموز.
وتابعت أنها تعيد توجيه بعض الرحلات بناء على توصيات وكالة سلامة الطيران الأوروبية ومراجعة تقييم المخاطر التي تجريها الشركة. ولم تذكر المزيد من التفاصيل حول المسارات والرحلات المتأثرة.
وعلقت شركة الطيران رحلاتها من وإلى تل أبيب حتى 14 يناير/كانون الثاني.
وتحدثت رويترز إلى 4 طيارين و3 من أفراد طواقم الطائرات و3 خبراء في أمن الطيران و2 من المسؤولين التنفيذيين في شركات الطيران بشأن المخاوف الأمنية المتزايدة في قطاع الطيران الأوروبي بسبب تصاعد التوتر في الشرق الأوسط في أعقاب حرب غزة.
وتشكل منطقة الشرق الأوسط ممرا جويا رئيسيا للطائرات المتجهة إلى الهند وجنوب شرق آسيا وأستراليا إذ مر من خلالها العام الماضي 1400 رحلة جوية يوميا من وإلى أوروبا، وفقا لبيانات المنظمة الأوروبية لسلامة الملاحة الجوية (يوروكونترول).
ويتركز النقاش حول السلامة فيما يتعلق بالطيران عبر الشرق الأوسط في أوروبا إلى حد كبير لأن الطيارين بالقارة يتمتعون بحماية نقابية على عكس مناطق أخرى في العالم.
واستعرضت رويترز 9 رسائل غير منشورة من 4 نقابات أوروبية تمثل الطيارين وأطقم الطيران والتي عبرت عن مخاوف إزاء السلامة في الرحلات الجوية عبر أجواء دول الشرق الأوسط.
وتم توجيه الرسائل إلى ويز إير ورايان إير وإير بالتيك والمفوضية الأوروبية ووكالة سلامة الطيران الأوروبية على مدار الفترة من يونيو/حزيران إلى أغسطس/آب.
وجاء في رسالة موجهة إلى وكالة سلامة الطيران والمفوضية الأوروبية من نقابة أطقم الطيران الرومانية (إف.بي.يو رومانيا) بتاريخ 26 أغسطس/آب “ينبغي عدم إجبار أي شخص على العمل في مثل هذه البيئة الخطرة ولا ينبغي تغليب أي مصالح تجارية على سلامة ورفاهية الأشخاص على متن الطائرة”.
وفي رسائل أخرى، دعا موظفون شركات الطيران إلى أن تكون أكثر شفافية في قراراتها بشأن المسارات، وطالبوا بالحق في رفض السفر عبر مسار خطير.
ولم يسجل قطاع الطيران التجاري أي وفيات أو حوادث مرتبطة بتصاعد التوتر في الشرق الأوسط منذ اندلاع الحرب في غزة العام الماضي.
وفتحت الخطوط الجوية الفرنسية تحقيقا داخليا بعد أن حلقت طائرة لها في رحلة تجارية عبر أجواء العراق في الأول من أكتوبر/تشرين الأول خلال هجوم صاروخي شنته طهران على إسرائيل.
وفي تلك الظروف سارعت شركات الطيران إلى تحويل مسار عشرات الرحلات المتجهة لمناطق متضررة في الشرق الأوسط.
وأثار التوتر المستمر بين إسرائيل وإيران وهجوم المعارضة السورية الخاطف الذي أطاح بالرئيس بشار الأسد هذا الشهر مخاوف من المزيد من انعدام الأمن في المنطقة.
وأعاد استخدام الصواريخ في المنطقة إلى الأذهان ذكريات إسقاط طائرة للخطوط الجوية الماليزية في الرحلة إم.إتش17 في شرق أوكرانيا عام 2014 ورحلة الخطوط الجوية الدولية الأوكرانية بي.إس 752 التي كانت قادمة من طهران في عام 2020.
وقال ثلاثة طيارين وخبيران في سلامة الطيران لرويترز إن إسقاط طائرة عن غير قصد وسط فوضى الحرب هو مصدر القلق الأكبر إلى جانب خطر الهبوط الاضطراري.
وفي حين علقت شركات مثل لوفتهانزا وإير فرانس-كيه.إل.إم الرحلات عبر أجواء إيران، واصلت شركات أخرى مثل طيران الاتحاد وفلاي دبي وإيروفلوت وويز إير الرحلات عبر أجواء الدولة حتى ما يصل إلى الثاني من ديسمبر/كانون الأول، بحسب بيانات خدمة فلايت رادار 24 لتتبع الرحلات الجوية.
وتسمح بعض شركات الطيران الأوروبية، بما في ذلك لوفتهانزا وكيه.إل.إم، للطواقم بالانسحاب من الرحلات التي لا يشعرون أنها آمنة، لكن شركات أخرى مثل ويز إير ورايان إير وإير بالتيك (طيران البلطيق) لا تسمح بذلك.
وذكر مارتن جاوس الرئيس التنفيذي لإير بالتيك أن الشركة تفي بمعايير السلامة الدولية التي لا تحتاج إلى تعديل.
وقال لرويترز في الثاني من ديسمبر/كانون الأول ردا على استفسارات بشأن محادثات بين الشركة ونقابات بشأن سلامة الرحلات “إذا فتحنا باب حق الرفض، فأين سنتوقف؟ عندما يشعر آخرون بعدم الارتياح للتحليق عبر الأجواء العراقية بسبب التوتر هناك؟”.
وأشارت رايان إير، التي كانت تنظم رحلات بشكل متقطع إلى الأردن وإسرائيل حتى سبتمبر/أيلول، إنها تتخذ القرارات الأمنية بناء على توجيهات وكالة سلامة الطيران الأوروبية.
وقال مايكل أوليري الرئيس التنفيذي لرايان إير لرويترز في أكتوبر/تشرين الأول ردا على سؤال حول المخاوف الأمنية للموظفين “إذا قالت وكالة سلامة الطيران الأوروبية إن (الطريق) آمن، فإننا بصراحة لا نعبأ بما تعتقده النقابات أو بعض الطيارين”.
وقالت وكالة سلامة الطيران الأوروبية إنها تدخلت في عدد من المناقشات بين الطيارين وشركات الطيران بشأن السلامة في الأشهر القليلة الماضية فيما يتعلق بالشرق الأوسط، مضيفة أن اتخاذ إجراءات تأديبية ضد الموظفين بسبب إبداء مخاوف تتعلق بالسلامة من شأنه أن يتعارض مع “ثقافة العدالة” التي تمنح الموظفين حق التعبير عن مخاوفهم.
وفقا لأحدث بيانات متاحة من شركة أوسبري فلايت سلوشنز، شهد الشهر الماضي إطلاق 165 صاروخا في منطقة الصراع بالشرق الأوسط مقابل 33 فقط في نوفمبر/تشرين الثاني 2023.
لكن المجال الجوي لا يمكن تقييد المرور به جبريا إلا إذا اختارت الدولة نفسها إغلاقه كما حدث في أوكرانيا منذ الحرب الروسية في 2022.
واختارت عدة شركات طيران تعليق الرحلات لوجهات مثل إسرائيل عندنا يتصاعد التوتر مثل ما قامت به لوفتهانزا والخطوط الجوية البريطانية بعد ضربة نفذتها إيران صوب إسرائيل في 13 أبريل/نيسان.
لكن ذلك يحد من المجال الجوي المتاح للاستخدام في سماوات الشرق الأوسط المزدحمة بالفعل.
كما أن اختيار التحليق فوق آسيا الوسطى أو مصر والسعودية لتجنب مناطق الصراع المحتدمة في الشرق الأوسط يزيد من التكلفة إذ تستهلك الطائرات وقودا أكثر وتطلب بعض الدول رسوما أعلى للتحليق عبر مجالها الجوي.
على سبيل المثال، فإن تسيير طائرة تجارية من سنغافورة إلى مطار هيثرو في لندن عبر أفغانستان وآسيا الوسطى يكلف شركة الطيران رسوما تبلغ 4760 دولارا، وهو ما يزيد بنحو 50 بالمئة مقارنة مع مسار عبر الشرق الأوسط، وفقا لخطتين للطيران في 31 أغسطس/آب راجعتهما رويترز.
aXA6IDIxMy4xNjUuMjQ3LjkzIA== جزيرة ام اند امز