صناعة الصلب.. معقل الكربون والانبعاثات يعثر على طريقه للاستدامة

يتسبب الفولاذ في إطلاق غازات الانبعاثات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري؛ فكيف يمكن جعل تلك الصناعة أكثر استدامة.
الفولاذ أو الصُلب، من أشهر المواد المستخدمة في المجالات المختلفة، وأحدثت ثورة في تقدم البشرية. والفولاذ عبارة عن سبيكة من الحديد والكربون، تحتوي أقل من 2% كربون، 1% منجنيز، وكميات صغيرة من الفوسفور والكبريت والسيليكون والأكسجين. وهو مادة قابلة لإعادة التدوير، ويدخل في العديد من جوانب الحياة، مثل: السيارات، الثلاجات، الغسالات، سفن الشحن، المشارط الجراحية، ومنتجات البناء.
انبعاثات
على الرغم من الفوائد العديدة للفولاذ باعتباره أحد أهم المواد المستخدمة في كافة مناحي الحياة، إلا أنه يُضر بالبيئة والمناخ؛ إذ يُنتج سنويًا نحو 2 مليار طن من الفولاذ، وهنا يجب إيضاح كيف تتم عملية صناعة الفولاذ.
يتكون الفولاذ بصورة أساسية من الحديد والكربون -كما ذكرنا- وتحتاج عملية صهر الحديد أولًا إلى أفران للصهر تصل حرارتها إلى 1600 درجة مئوية، وينتج عن احتراق الوقود الأحفوري في هذه العملية كميات هائلة من الانبعاثات الدفيئة. بعد ذلك، تأتي خطوة خلطه بالفحم المُكرر أو فحم الكوك، وتلك الخطوة أيضًا تتسبب في إطلاق كميات إضافية من غاز ثاني أكسيد الكربون.
ثم تأتي الخطوة الثالثة التي تتضمن تحويل الحديد الناتج إلى فولاذ عبر قليل من الطهي وإزالة معظم الكربون المتبقي وخلطه ببعض العناصر مثل الكروم أو التيتانيوم. تلك الخطوة أيضًا تتضمن إطلاق انبعاثات دفيئة.
ولأنّ الطلب العالمي على الفولاذ مرتفع؛ يتم إنتاج نحو 2 مليار طن منه سنويًا، ما يتسبب في إطلاق نحو 7% من انبعاثات الغازات الدفيئة البشرية. وتلك النسبة أعلى من روسيا والاتحاد الأوروبي. وهذه نسبة مرتفعة نسبيًا. لذلك، تُخطط بعض الدول لخفض انبعاثاته.
فولاذ مستدام؟
هناك حاجة عالمية لخفض انبعاثات الغازات الدفيئة، ولتحقيق هدف اتفاق باريس بعدم تجاوز متوسط درجات الحرارة العالمية 1.5 درجة مئوية مقارنة بمستويات عصر ما قبل الصناعة. وقطاع إنتاج الفولاذ من أبرز القطاعات المساهمة في انبعاثات الغازات الدفيئة ويحتاج إلى وضعه ضمن خطط التخفيف. وهناك بعض الاستراتيجيات لذلك، نذكر منها:
1- اعتماد التقنيات النظيفة
تُساعد التقنيات النظيفة في تعزيز استدامة صناعة الفولاذ عبر تقليل الانبعاثات. وفي هذا الصدد، هناك العديد من الآليات المقترحة، تتضمن: التقاط الكربون من مُحركات الاحتراق، واستخدام فرن القوس الكهربائي لإعادة انصهار الحديد وتصنيع فولاذ جديد منه، والانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة مثل استخدام الهيدروجين الأخضر. هذه بعض الأمثلة على التقنيات النظيفة التي يمكن توظيفها في تقليل انبعاثات الفولاذ.
2- مزيد من الفولاذ المستدام
هناك العديد من المبادرات العالمية التي تسعى نحو إزالة الكربون، من ضمنها قطاعات صناعة السيارات التي تستهلك نحو 12% من إجمالي استخدام الصلب العالمي. وهذه فرصة جيدة لتلك الشركات المهتمة بالاتجاه العالمي المحافظ على البيئة لاستغلال تلك الفرصة لإنتاج الفولاذ الأخضر أو المستدام.
3- الرقمنة
تُساعد الرقمنة في تعزيز أداء الاستدامة عبر مراقبة ورصد العمليات وتقييمها وضمان الجودة. من جانب آخر؛ فهي تعزز الإنتاجية عبر تحسين استهلاك الطاقة وتقليل النفايات. كما تساهم في إنشاء سلاسل توريد مرنة، والإشراف على العمليات عن بُعد.
4- التعاون مع أصحاب المصلحة
يساهم التعاون بين الشركات والمصانع المتخصصة في الفولاذ مع أصحاب المصلحة والموازنة بين مصالح الصناعة والبيئة والمستهلكين النهائيين في تنسيق جهود الاستدامة، وتسريع وتيرة التغيير المطلوب، وجعل صناعة الصُلب أكثر استدامة.
وهل يمكن دمجه في المساهمات المحددة وطنيًا؟
يُشير مصطلح المساهمات المحددة وطنيًا (NDCs) إلى خطة العمل المناخي التي تتبناها الأطراف الموقعة على اتفاق باريس، وتُقدم مرة كل 5 سنوات. وتتضمن تلك الخطة الجهود والالتزامات التي تُحددها الدول لخفض انبعاثات الغازات الدفيئة. ولأنّ صناعة الفولاذ من أبرز الصناعات المسببة لانبعاثات الغازات الدفيئة؛ فيجب وضعها في المساهمات المحددة وطنيًا للدول المصنعة للفولاذ، ما يساعد تلك الدول على تحقيق أهدافها المناخية.
وفي هذا الصدد، تبرز الصين كأكثر دولة عالميًا في تصنيع الفولاذ على رأس القائمة؛ ففي فبراير/شباط 2025، أشارت دراسة أجراها “مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف” (CREA) إلى أنّ الصين بحاجة إلى خفض طاقتها الإنتاجية من الفولاذ بنسبة 15% خلال العام 2025 من أجل تحقيق أهدافها المناخية.
قد تكون صناعة الفولاذ من أهم الصناعات العالمية وتعتمد عليها اقتصادات بعض الدول؛ فهي صناعة مهمة على أي حال، لكن يجب الحذر بشأن تأثيراتها البيئية وجعلها أكثر استدامة.
aXA6IDIxMy4xNjUuMjQ3LjkzIA== جزيرة ام اند امز