صنعها بيده.. «كارثة» داخل صفوف الجيش الأمريكي
«كل فرد في الجيش مكتئب»، هكذا قال أحد الجنود الأمريكيين عن أقرانه في المؤسسة العسكرية، التي يُنظر إليها على أنها «الأقوى» في العالم.
شعور بدأ يتسرب إلى الجنود الذين باتت لديهم قناعة، بأنهم يعملون بجد أصعب من أي وقت مضى دون هدف واضح، مما رفع أعداد حالات الانتحار في المؤسسة العسكرية الأمريكية، بحسب تحقيق لصحيفة «نيويورك تايمز».
وتتمثل استراتيجية الجيش الأمريكي في ردع المنافسين النوويين مثل الصين أو روسيا من خلال نشر قوات في جميع أنحاء العالم في مهام في وقت السلم، ما يتطلب أن يكون الجيش قادراً على الانتشار في أي مكان وفي أي وقت ولأي سبب، إلا أنه غالبًا ما يأتي الحفاظ على «الاستعداد» المستمر على حساب صحة ورفاهية الجنود.
تلك الاستراتيجية جعلت الجنود أكثر عرضة للانتحار من أقرانهم المدنيين، تقول الصحيفة الأمريكية، مشيرة إلى أن الكثيرين يعتقدون خطأً أن السبب في ذلك هو الصدمات القتالية، لكن في الواقع فإن المجموعة الأكثر ضعفاً هم الجنود الذين لم يتم نشرهم مطلقًا.
وبحسب «نيويورك تايمز»، فإن معدل الانتحار بين صفوف الجيش ارتفع بشكل مضطرد حتى في وقت السلم، مشيرة إلى أن الأرقام تتجاوز الآن إجمالي الوفيات أثناء القتال في حربي العراق وأفغانستان.
فماذا نعرف عن أزمة الانتحار في الجيش الأمريكي؟
بعد حرب فيتنام، مر الجيش الأمريكي بفترة من إعادة التقييم، وهي فترة من التباطؤ سمحت للقادة بالنظر مجددا في قواتهم وتقييم استراتيجياتهم، إلا أن هذا لم يحدث منذ انسحاب الجيش من أفغانستان في عام 2021.
وبالنسبة لبعض الوحدات، فإن «إيقاع العمليات»، أو مقدار الوقت الذي يقضيه الجنود بعيدًا عن منازلهم، مرتفع، كما كان خلال ذروة الحرب.
ويقوم الجنود الأميركيون حالياً بتدريب القوات الأجنبية في أوروبا الشرقية كجزء من مهمة حلف شمال الأطلسي لدعم أوكرانيا؛ وإجراء مناورات عسكرية عبر الشرق الأقصى وجنوب المحيط الهادئ كثقل موازن للصين؛ وكذلك مراقبة أفريقيا والشرق الأوسط بحثًا عن التهديدات الإرهابية.
ورغم ذلك، إلا أن نظام رعاية الصحة العقلية في الجيش معطل، تقول الصحيفة الأمريكية، مشيرة إلى أنه يتم إرسال الجنود الذين يعانون من بعض المشاكل العقلية إلى قسم الصحة السلوكية التابع للجيش، والذي يشار إليه بالعامية باسم BH، والذي يصفه الخبراء ومقدمو الخدمة بأنه مختل بشدة ويعاني من نقص الموظفين.
في فورت رايلي، على سبيل المثال، لا يوجد سوى حوالي 20 مستشارًا للصحة العقلية مكلفين برعاية أكثر من 12 ألف جندي. ونتيجة لذلك، يمكن للجنود الذين يطلبون المساعدة الانتظار لأسابيع أو أشهر للحصول على موعد.
ويمكن لمقدمي الخدمات الاحتفاظ بسجلات طبية متقطعة والفشل في إجراء تقييم شامل للمرضى قبل وصف الأدوية، بما في ذلك مضادات الاكتئاب التي تحمل تحذيرات من الصندوق الأسود بأنها قد تؤدي إلى تفاقم الانتحار لدى بعض الشباب.
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن قادة الجيش يقومون بتقويض بروتوكولات الخصوصية والسلامة، مشيرة إلى أنه رغم أن الجيش يقول إنه يحاول إزالة وصمة العار المحيطة برعاية الصحة العقلية، إلا أنه قد يكون مهملاً فيما يتعلق بسرية المريض.
ويعرض بعض قادة الوحدات علنًا قائمة بمواعيد الصحة العقلية لجنودهم أو يناقشون حالاتهم الصحية بشكل علني، إضافة إلى أنهم «يضغطون على مقدمي الخدمة لاتخاذ قرارات تتعارض مع مصالح مرضاهم»، بحسب التحقيق.
ولممارسة المزيد من السيطرة على رعاية الجنود في السنوات الأخيرة، دمج قادة الجيش مقدمي خدمات الصحة العقلية مباشرة في وحداتهم، وقاموا بكتابة تقييماتهم السنوية وتحديد ترقياتهم.
ويقول مقدمو الخدمة إنهم قد يشعرون بالضغط لتغيير مسار العلاج أو السماح للجنود بالانتشار في الخارج لمساعدة الجيش في تحديد حصص أفراده، فيما يضيف أحدهم: عليك أن تختار. حياتك المهنية أو حياة جنودك.
ويمثل الوصول السهل إلى الأسلحة مشكلة مستمرة؛ بحسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إن قوانين الأسلحة غير المقيدة في الولايات المتحدة تجعل من الصعب على الجيش حماية الجنود الذين أبلغوا عن أفكار انتحارية.
ويحظر القانون الفيدرالي على الأشخاص الذين تم إيداعهم قسريًا في جناح أو مؤسسة للأمراض النفسية شراء سلاح، لكن ليس أولئك الذين طلبوا المساعدة طوعًا. وحتى إذا كان الجيش يصنف الجنود على أنهم «شديدو الخطورة» ويمنعهم من التعامل مع الأسلحة العسكرية، فإن هذه السياسة لا يمكن أن تنطبق على الأسلحة النارية المملوكة شخصيًا وليس لها أي سلطة خارج القاعدة.
فشل الجيش
وأنفقت وزارة الدفاع ملايين الدولارات على أبحاث الوقاية من الانتحار على مدى العقدين الماضيين، لكن يتم تجاهل نتائج تلك الدراسات بشكل روتيني؛ ففي فبراير/شباط 2023، أصدرت أحدث لجان مكافحة الانتحار المستقلة التابعة للوزارة تقريرًا أشار إلى وتيرة العمليات العالية والقواعد المتساهلة حول الأسلحة وسوء نوعية الحياة في القواعد باعتبارها مشكلات رئيسية.
ويقول م. ديفيد رود، عالم النفس الإكلينيكي ومدير معهد يدرس حالات الانتحار العسكري في جامعة ممفيس، إن تقرير اللجنة يعكس العديد من التقارير الأخرى التي صدرت منذ عام 2008؛ مشيرًا إلى أنه ليس لديه ثقة في أن التوصيات هذه المرة ستؤخذ على محمل الجد، فـ«أتوقع أنها ستظل على الرف، مثل الدراسات الأخرى، دون تنفيذها».
ويقول الدكتور ستيفن زيناكيس، الطبيب النفسي والعميد المتقاعد بالجيش: «من وجهة نظري، أصبحت القيادة العليا معتادة على وتيرة العمل المتسارعة خلال العشرين عامًا الماضية، وهذا كل ما يعرفونه على الإطلاق، والآن يُنظر إليه على أنه أمر طبيعي».
وأضاف: الوضع ليس طبيعيا. إنه مناخ متأصل في الضغط المستمر والحركة المستمرة والصدمات المستمرة. وإرث تلك الصدمة والقتال يتدفق على الجنود.
ويقول الخبراء إن نظام الصحة العقلية في الجيش يركز بشكل أكبر على ضمان تلبية الوحدات لأهدافها المتعلقة بالأفراد أكثر من رفاهية الجنود. والنتيجة هي بعض من أعلى أرقام الانتحار التي شهدها الجيش على الإطلاق – على الرغم من ملايين الدولارات في أبحاث الوقاية من الانتحار التي استثمرتها وزارة الدفاع على مدى العقدين الماضيين.
ويقول أحد الرقباء السابقين: لا أحد يريد أن يعترف بأن الأمر برمته عبارة عن لعبة أرقام كبيرة، لكن هذا هو الأمر. فإذا كانت قائمتك تقول إنك بحاجة إلى 160 جنديًا، فلا يهم إذا تم كسر 40 جنديًا، و10 على وشك الموت، والباقي مدرج في الملفات الشخصية – فستجد بطريقة ما طريقة لإحصائهم.
وقال جندي تم إدخاله إلى المستشفى سابقًا بسبب محاولة انتحار، إن قائد وحدته تجاوز ملفه الشخصي حتى يتمكن من الانتشار والعودة بعد بضعة أسابيع – بمجرد استيفاء الحصة المحددة.
وعلى الرغم من إصرار الجيش على أنه يعمل على إزالة وصمة العار المحيطة بالسعي للحصول على دعم في مجال الصحة السلوكية، فإن قيادة الوحدة غالبا ما تقوض بعض بروتوكولات السلامة الأساسية.
aXA6IDJhMDI6NDc4MDphOjE0NTE6MDoxN2IzOjljNmY6MiA= جزيرة ام اند امز