غياب الالتزام بالضوابط الشرعية في الزواج يسبب تشويهًا لصورة الإسلام ويهدد استقرار الأسر
توالت ندوات دار الإفتاء المصرية ضمن فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب، حيث أقام جناح دار الإفتاء بمعرض الكتاب ندوة بعنوان الفتوى وعلاقتها بالمصريين بالخارج.
استضافت الندوة المستشار ماجد العنتبلي، رئيس المكتب الفني بقطاع التعاون الدولي والثقافي بوزارة العدل، والدكتور حسن الصغير، الأمين العام المساعد لمجمع البحوث الإسلامية، والدكتور محمد البشاري، أمين عام المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة.
غياب الالتزام بالضوابط الشرعية في الزواج
واستهل المستشار العنتبلي كلمته بتوجيه الشكر لدار الإفتاء المصرية والتعبير عن فخره بالمشاركة في الندوة مع هذه القامات العلمية، كما تناول عدة قضايا قانونية تتعلق بالمصريين بالخارج، وخاصة فيما يخص الزواج والطفولة.
وأشار إلى أن الزواج من الأجانب يتم غالبًا أثناء التقاء الثقافات عبر السياحة أو العمل، ولكنه يواجه مشكلات قانونية بسبب اختلاف العادات بين المجتمعات الشرقية والغربية، سواء بالنسبة للمسلمين أو المسيحيين.
وأوضح أن بعض الآباء قد يأخذون الطفل إلى مصر رغم حصول الأم الأجنبية على حكم قضائي بالحضانة في بلدها، مشددًا على أن الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالنقل القسري للأطفال تهدف إلى الحفاظ على مصلحة الطفل، التي غالبًا ما تُحدد بالبقاء في محل إقامته المعتاد.
ولفت النظر إلى أن بعض الأمهات الأجنبيات يجدن صعوبة في تنفيذ الأحكام القضائية المصرية بالخارج، رغم أن الأب قد لا يوفر مستوى معيشة مماثلًا لما توفره الأم في بلدها.
في سياق الندوة، توجه الدكتور حسن الصغير بالشكر لدار الإفتاء والمنصة الكريمة، مشيرًا إلى أهمية الموضوع رغم افتقاده إلى الإحصائيات الدقيقة.
وأوضح أن من المقاصد الشرعية الأساسية تدوير الأسرة وتعزيز الروابط الأسرية، مستشهدًا بالآية: وهو الذي خلق من الماء بشرًا فجعله نسبًا وصهرًا.
وأكد الدكتور الصغير أن الزواج من الأجانب له دوافع متعددة، مثل الاستقطاب الثقافي أو التنوع الفكري، وأحيانًا الجانب الدعوي، وأوضح أن الإسلام تعامل مع هذه القضية وفق معايير شرعية تتعلق بالاختيار وتوافر شروط الزواج، لكنه أشار إلى أن البعض يخرج عن هذه المقاصد النبيلة إلى مقاصد دنيوية بحتة، مثل السعي وراء المال أو الحصول على الجنسية.
ودعا حسن الصغير إلى ضرورة مراعاة الشروط الدينية وتجنب الأسباب الدنيوية عند الزواج بالأجنبيات، حتى نتجنب الكثير من المشكلات.
وأكد أن المسألة من الناحية الشرعية لا تُمنع، بشرط الالتزام بالضوابط الشرعية والآداب المطلوبة، موضحًا أن الالتزام بهذه الضوابط لا يحمي فقط حقوق الزوجين بل يحفظ صورة الإسلام من التشويه الذي قد يحدث بسبب تصرفات فردية.
من جانبه، توجه الدكتور محمد البشاري بالشكر لدار الإفتاء المصرية والمفتي الدكتور نظير عياد، وللعلماء المشاركين في هذا اللقاء، مؤكدًا أنه يشعر بالشرف لمحاولة التفكير والمساهمة في مناقشة القضايا الفقهية التي يعيشها المسلمون خارج العالم الإسلامي، والتي تتعلق بجانبين أساسيين: الفتوى وعلاقة المسلمين المهاجرين بالمجتمعات الغربية، إلى جانب الزواج وما يرتبط به من مستجدات ونوازل.
وأشار إلى أن انضمام الدول الإسلامية للأمم المتحدة وتطور العمران فيها ألغى المفهوم التقليدي لما كان يُعرف بدار الإسلام ودار الكفر، وهو ما يؤكد رفض الأزهر الشريف لمصطلح الأقليات رغم تداوله في الأوساط الفقهية.
كما دعا إلى إعادة النظر في مصطلحات كثيرة أصبحت بحاجة إلى تحديث، ومنها قضية توثيق الزواج الذي إذا لم يتم بشكل قانوني فإنه لا يضمن حقوق المرأة والطفل، استنادًا إلى القاعدة الفقهية: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
وتطرق إلى مسألة زواج المسلمات من غير المسلمين، موضحًا أن ذلك ممنوع شرعًا، وأكد أن معظم المذاهب ترى ضرورة التفريق بين الزوجين إذا أسلم أحدهما، باستثناء رأي ضعيف يرى عدم التفريق إذا كان يُرجى إسلام الطرف الآخر.
وتحدث البشاري عن الزواج المصلحي الذي يتم بنية تحقيق منفعة مؤقتة دون نية الاستمرار، واصفًا إياه بالغش والتدليس الذي يشبه زواج المتعة المحرم شرعًا، مشيرًا إلى أهمية إلحاق النسب لحماية حقوق الطفل، مؤكدًا أن الاعتراف بالنسب يعتبر في بعض الحالات شبه نكاح.
أما بخصوص الطلاق، فقد دعا محمد البشاري إلى توثيقه إداريًا وقانونيًا كما يتم توثيق عقد الزواج، وحذر من ظاهرة الطلاق الصوري الذي يُلجأ إليه لتحقيق مصالح معينة، مؤكدًا أنه لا يُعتبر طلاقًا شرعيًا إذا لم يستوفِ الشروط الشرعية، مشددًا على أهمية الجمع بين الطلاق الشرعي والإداري.
وفي مسألة الحضانة، أشار إلى أن القوانين الغربية تميل إلى الحضانة المشتركة حفاظًا على مصلحة الطفل، في حين أن المغرب يمنح الحضانة للأم حتى بعد زواجها، مع إلزام الأب بدفع النفقة، وأكد ضرورة ترك الخيار للقضاء في حالة تهديد الطفل في دينه أو حياته.
من جهته أوضح الدكتور علي عمر، رئيس القطاع الشرعي بدار الإفتاء، أنه عندما أرادت دار الإفتاء المصرية أن تتلمس مشكلات الواقع المعاصر وتضع الآليات المناسبة لمعالجتها، حرصت على إشراك العلماء والمتخصصين من مختلف المجالات في نقاش علمي جاد يعكس وعيًا عميقًا بتعقيدات القضايا الفقهية والاجتماعية التي يواجهها المسلمون اليوم.
وأشار الدكتور علي عمر إلى أهمية هذا التوجه من دار الإفتاء باعتباره ضرورة لمواكبة التغيرات السريعة التي طرأت على المجتمعات المعاصرة، سواء داخل العالم الإسلامي أو خارجه.
وقال إن عقد مثل هذه الندوات التي تجمع بين المتخصصين في الشريعة والقضاء ووزارة الخارجية وغيرها من المؤسسات ذات الصلة، يعزز من قدرة الفتوى على تقديم حلول عملية تتماشى مع المستجدات وتراعي مقاصد الشريعة.