فاتورة باهظة للحرب والهدنة.. حزام الضغوط «يخنق» حزب الله
فاتورة باهظة تكبدها حزب الله في حربه مع إسرائيل، في «نكسة» تنذر الهدنة برفع وتيرتها عبر نزع سلاحه، بموجب بنود اتفاق وقف إطلاق النار.
فبعد الضربات الدامية والمدمرة التي تعرض لها من إسرائيل، يبدو الحزب اليوم تحت ضغط غير مسبوق بعد موافقته على اتفاق وقف لإطلاق النار ينص على انسحابه مع أسلحته من مناطق واسعة في جنوب لبنان.
وحزب الله القوة اللبنانية المسلحة الوحيدة التي احتفظت بأسلحتها بعد الحرب الأهلية (1975-1990) بحجة “مقاومة إسرائيل”، ما يطرح أسئلة حول ضرورة احتفاظه بسلاحه إن كان سينسحب من الحدود.
ويتهم خصوم حزب الله في الداخل الحزب الذي يعتبر أيضا أكثر القوى السياسية نفوذا في البلد الصغير، باستخدام سلاحه للتحكّم بالحياة السياسية.
«ضغوط غير مسبوقة»
تقول الباحثة في معهد “تشاتام هاوس” لينا الخطيب لوكالة فرانس برس “يتعرّض حزب الله لضغوط غير مسبوقة”، موضحة أن “بنود اتفاق وقف إطلاق النار تمهّد لتفكيك قدراته العسكرية”.
ودفع حزب الله ثمنا باهظا لفتحه “جبهة إسناد” لقطاع غزة من جنوب لبنان، غداة اندلاع الحرب بين حركة حماس وإسرائيل إثر هجوم غير مسبوق لحماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
فبعد قرابة سنة من تبادل القصف بين الجيش الإسرائيلي والحزب، بدأت إسرائيل في 23 سبتمبر/أيلول الماضي حملة قصف مدمّرة ضد مناطق تعتبر معاقل للحزب اللبناني في ضاحية بيروت الجنوبية وفي جنوب البلاد وشرقها.
وأطلقت في نهاية الشهر ذاته عمليات توغل بري في مناطق حدودية، وشنّت غارات دامية قتلت فيها قيادات عدّة من الصفّ الأول في الحزب على رأسهم الأمين العام للحزب حسن نصر الله، والعديد من القادة العسكريين.
وكانت إسرائيل فجّرت قبل ذلك الآلاف من أجهزة اتصال يستخدمها عناصر في حزب الله، مخلّفة قتلى وجرحى.
ويقول مصدر مقرّب من الحزب، من دون الكشف عن هويته، إن حزب الله خسر المئات من مقاتليه منذ نهاية سبتمبر/أيلول الماضي.
ويرى رئيس قسم العلاقات الدولية والسياسية في الجامعة اللبنانية الأمريكية عماد سلامة أن “الحرب من دون شك أضعفت حزب الله عسكريا، بعدما مُني بخسائر كبرى على مستوى القيادة وتمّ تقليص قدراته التشغيلية”، لكنه “لم يُهزم”.
وهم “الانتصار”
حاول حزب الله التصدي للقوات الإسرائيلية خلال تقدّمها إلى بلدات حدودية على محاور عدة في جنوب لبنان.
ويقول الحزب إن الجيش الإسرائيلي لم يتمكّن من “تثبيت وجوده” في أي من هذه البلدات، ومنذ فجر الأربعاء، مع دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، يحتفل أنصار الحزب بما يعتبرونه “نصرا” رغم الدمار الواسع النطاق الذي خلّفته الغارات الإسرائيلية.
ونظّم حزب الله جولات للصحفيين الأربعاء في جنوب لبنان، في مسعى لتأكيد حضوره ونفوذه في المنطقة.
وردّا على سؤال عمّا إذا كان الحزب يعتزم تفكيك بنيته العسكرية، قال النائب من حزب الله حسن فضل الله لوكالة فرانس برس من مدينة بنت جبيل القريبة من الحدود مع إسرائيل، إنه ليس “للمقاومة” أي “سلاح ظاهر أو قواعد منتشرة”.
وأكد في الوقت ذاته أنه لا يستطيع أحد أن يبعد مقاتلي حزب الله من القرى والبلدات التي يتحدّرون منها في جنوب البلاد.
ويمتلك حزب الله ترسانة ضخمة من السلاح تفوق، بحسب الخبراء، ترسانة الجيش اللبناني.
وينصّ اتفاق وقف إطلاق النار الذي تمّ التوصل إليه برعاية فرنسية أمريكية ولم تُنشر بنوده رسميا، على أن ينسحب حزب الله إلى شمال نهر الليطاني (30 كلم عن الحدود مع إسرائيل).
كما ينص على أن يتسلّم الجيش اللبناني المواقع التي يسيطر عليها حاليا الجيش الإسرائيلي والحزب.
ويستند الاتفاق إلى القرار الدولي 1701 الذي أنهى الحرب بين حزب الله واسرائيل في العام 2006.
وبعد حرب العام 2006، احتفظ حزب الله بوجود غير ظاهر في جنوب لبنان وعزّز ترسانته العسكرية وبنى شبكة من الأنفاق، وفق خبراء عسكريين.
ونصّ القرار 1701 على حصر الوجود العسكري في المنطقة الحدودية بالجيش اللبناني وقوة الأمم المتحدة الموقتة (اليونيفيل).
وقال مسؤول لبناني مفضّلا عدم الكشف عن هويته إن انضواء فرنسا والولايات المتحدة في آلية مراقبة اتفاق وقف إطلاق النار قد تساعد على ردع حزب الله هذه المرة.
انتخابات رئاسية
ينصّ الاتفاق أيضا على مراقبة الحدود بين لبنان وسوريا لمنع عبور شحنات السلاح لحزب الله عبر سوريا، بحسب خبراء عسكريين.
ويرى عماد سلامة أن حزب الله “لا يمكن أن يتحوّل إلى حزب سياسي بحت، لأنه يستمدّ شرعيته ونفوذه من دوره كحركة مقاومة مسلحة”.
وعلى المستوى الداخلي، يضيف سلامة أن “الحزب سيواصل استخدام نفوذه” للتحرك على الساحة السياسية اللبنانية، مستندا إلى قاعدة شعبية واسعة في الطائفة الشيعية، وشبكة مؤسسات اجتماعية واقتصادية كبيرة.
ويرى سلامة أن حزب الله قد يظهر “مرونة أكثر” في بعض الملفات لا سيما الانتخابات الرئاسية التي حّدّد موعدها اليوم في التاسع من يناير/كانون الثاني المقبل.
ومنذ اندلاع الحرب، تتزايد الأصوات الناقدة لحزب الله في الداخل التي تحمّله مسؤولية جرّ لبنان إلى الحرب.
وتعتبر لينا الخطيب أن “لبنان أمام فرصة لإعادة تركيب المشهد السياسي الداخلي للتخلص من هيمنة حزب الله للمرة الأولى منذ أن طغى الحزب على الحياة السياسية في البلاد قبل نحو عقدين”.
وتضيف “أن ذلك لا يمكن أن يحصل إلا من خلال حوار وطني حقيقي يضمّ الجميع، ويدعمه المجتمع الدولي”.
aXA6IDIxMy4xNjUuMjQ3LjkzIA== جزيرة ام اند امز