لماذا وصل جنون العملات المشفرة إلى مستويات غير مسبوقة؟
لا تزال العملات الرقمية تواصل الصمود والنمو رغم إعلان “وفاتها” عدة مرات، حيث تم الإعلان عن ذلك 477 مرة منذ عام 2010 وفقاً لبعض التقديرات.
ويبدو أن استمرارها يعود إلى حملات الضغط السياسي المكثفة واستراتيجيات التسويق المبتكرة التي تبنتها هذه الصناعة، بحسب تقارير من ذا أتلانتيك وفايننشال تايمز.
بالنسبة للعديد من الأشخاص، كان لفوز دونالد ترامب طعم الانتقام، ليس فقط من الإدارة الأمريكية الحالية، ولكن أيضًا لعشاق العملات المشفرة.
وبحسب ما أفادت الـ “إيكونومست”، على مدار ليلة الانتخابات، عندما أصبح من الواضح أن ترامب قد فاز في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، قفز سعر البيتكوين، العملة المشفرة الأكثر تداولًا، بنسبة 10٪. في 11 نوفمبر/تشرين الثاني، ومع اقتراب الجمهوريين من السيطرة على الكونغرس، وصل إلى مستوى قياسي بلغ 89000 دولار، ومنذ منتصف أكتوبر/تشرين الأول، ارتفع سعر بيتكوين بنسبة 45٪.
ولم تكن عملة البيتكوين وحدها التي شعرت بإقبال المتداولين، فنجد أنه باستثناء العملات المستقرة، والتي صُممت لتجنب تقلبات الأسعار، ارتفعت قيمة أشهر 20 عملة مشفرة بشكل أسرع، في المتوسط، من البيتكوين خلال الأسبوع الماضي.
وتضاعفت قيمة دوجكوين، وهي العملة التي غالبًا ما يروج لها إيلون ماسك، الذي أصبح رسميا أحد أعضاء حكومة ترامب، بأكثر من الضعف منذ يوم الانتخابات، كما بلغت قيمة سوق العملات المشفرة العالمية 3 تريليون دولار لأول مرة في 12 نوفمبر/تشرين الثاني.
وهذا يمثل عودة مذهلة من عام 2022-23، عندما تسببت عاصفة اقتصادية في هبوط العملات المشفرة من القمم التي وصلت إليها خلال جنون التداول عام 2021.
في ذلك الوقت، كان بنك الاحتياطي الفيدرالي يرفع أسعار الفائدة بوتيرة سريعة، مما أدى إلى تهدئة حمى المضاربة التي اجتاحت الأسواق في أعقاب جائحة كوفيد-19.
وتسبب سوء الإدارة والاحتيال في انهيار العديد من شركات التشفير التي كانت تعتبر ذات يوم فوق الشبهات، وأبرزها كانت بورصة FTX، واحدة من أكبر بورصات التشفير، مما أدى إلى تلطيخ سمعة الصناعة بأكملها، ومن وقتها بدأ المراقبون الماليون المتشككون في فائدة التشفير في مهاجمة الصناعة بشكل واضح.
وفي أواخر عام 2023، عندما ظهرت نتائج الانتخابات التمهيدية الرئاسية الأمريكية، رأت الصناعة فرصة لقلب الطاولة.
وفي الأشهر التالية، أثبت ترامب أنه سيكون البطل المخلص للعملات المشفرة، بعد أن روّج لشركة World Liberty Financial، وهو مشروع تمويل لامركزي تدعمه عائلته.
وفي التجمعات الانتخابية، وعد ترامب بجعل أمريكا “القوة العظمى للبيتكوين في العالم”، وفي المقابل أنفق جماعات الضغط في مجال العملات المشفرة أكثر من 100 مليون دولار لدعم المرشحين المتعاطفين مع صناعة التشفير للكونغرس خلال دورة الانتخابات.
وكان لحزمة الوعود المعلنة أثر السحر على مستثمري العملات المشفرة، الذين أخذوا يهتفون لعودة ترامب إلى البيت الأبيض.
كما يأملون أن يؤدي تغيير الإدارة الأمريكية، إلى جعل التنظيم أكثر لطفًا بالعملات المشفرة.
وفي يوليو/تموز، عندما خاطب ترامب حشدًا متحمسًا في أكبر مؤتمر لصناعة الكريبتو، اندلعت أعلى الهتافات عندما وعد ترامب بطرد جاري جينسلر، رئيس لجنة الأوراق المالية والبورصة الأمريكية، المعرقل الأبرز لصناعة الكريبتو داخل وخارج أمريكا خلال الفترة الماضية.
وقال ترامب في مؤتمر الكريبتو “من الآن فصاعدا، سيتم كتابة القواعد من قبل أشخاص يحبون صناعتكم، وليس يكرهون صناعتك”، كما قال آنذاك مشيرا بحديثه لـ غاري جينسلر.
وفي الواقع، لا يستطيع ترامب إقالة جينسلر دون سبب قبل نهاية ولايته، في عام 2026 ، على الرغم من أنه من المعتاد أن يستقيل رؤساء لجنة الأوراق المالية والبورصات عندما يتولى رئيس جديد منصبه على أي حال.
ورحيل جينسلر عن منصبه، من شأنه أن يخلص صناعة الكريبتو ممن وصفته الـ “إيكونوميست” بـ “الشرير المثالي”.
نظرا لأن جينسلر، غير مقتنع بمزايا العملات المشفرة، وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أبدى شكوكه حول ما إذا كانت ستكتسب الاستقرار والقبول مثل العملات التقليدية.
كما سبق لجينسلر، أن صور عالم التشفير على أنه مليء بالمحتالين واللصوص، وقد رفع دعوى قضائية ضد قائمة طويلة من شركات التشفير البارزة، بدءًا من بورصات العملات المشفرة Kraken و Coinbase، إلى Ripple، وهي شركة مصدرة للعملات المشفرة، و Cumberland DRW وهي شركة سمسرة وتاجرة للعملات الرقمية.
وقد أجبر هذا العديد من مشاريع التشفير على دفع رسوم قانونية ضخمة والاستثمار بكثافة في الامتثال، وقد ألقت هذه المشاكل القانونية والتكاليف المتصاعدة ظلالاً قاتمة على مستقبل الصناعة.
وبالنسبة لوجهة نظر جينسلر، هناك زعم مفاده أن العملات الرقمية في الغالب هي في الواقع أوراق مالية، والتي يقع تنظيمها ضمن اختصاص لجنة الأوراق المالية والبورصات، وأن الشركات التي تصدرها أو تتاجر بها أو تعرضها للبيع كان ينبغي لها بالتالي أن تسجل نفسها لدى اللجنة.
ويتعين على الجهات المصدرة والمتعاملة في الأوراق المالية الكشف عن مزيد من المعلومات للجهات التنظيمية، وتوفير قدر أعظم من الحماية للعملاء، مقارنة بما ترغب به شركات الأصول الرقمية، التي تفضل أن يتم تنظيم العملات المشفرة بموجب نظام مخصص، أو كسلع أساسية، تشرف عليها لجنة تداول السلع الآجلة الأقل تدخلاً.
وفي ظل إدارة ترامب الثانية، قد لا تكون القواعد التي تحكم الأصول الرقمية أكثر تساهلاً فحسب، بل وأكثر اتساقاً أيضاً.
ففي السنوات الأخيرة، كانت لجنة الأوراق المالية والبورصات ولجنة تداول السلع الآجلة تتشاجران بانتظام حول الأصول المشفرة التي تقع ضمن اختصاصهما.
على سبيل المثال، زعمت كل من الشركتين في الماضي اختصاصها على عملة “إيثر”، ثاني أكثر العملات المشفرة شعبية، على الرغم من رضوخ لجنة الأوراق المالية والبورصات في النهاية.
كما اتهمت شركات العملات المشفرة جينسلر بتغيير قواعد لجنة الأوراق المالية والبورصات التي تنطبق على الأصول الرقمية باستمرار.
وقد يكون الوضوح هو الجائزة الأكبر التي قد يحصل عليها أولئك الذين يأملون في تطوير العملات المشفرة إلى فئة أصول محبوبة من المستثمرين المؤسسين الكبار، والتي، في غياب قواعد مستقرة، ابتعدت إلى حد كبير.
ولم يتضح بعد ما إذا كان الوضوح سيأتي في عهد ترامب، مع العلم أنه حتى عام 2021، وصف ترامب البيتكوين بأنها “عملة احتيال ضد الدولار”.
aXA6IDIxMy4xNjUuMjQ3LjkzIA== جزيرة ام اند امز