اخبار لايف

لوبان في تشاد.. طريق «مختصر» للإليزيه يعيد صياغة نفوذ فرنسا بأفريقيا


بزيارةٍ إلى تشاد، الحليفِ الفرنسيِّ الذي تخلَّص مؤخرًا من وجودها العسكري، تقطع زعيمةُ أقصى اليمين، مارين لوبان، طريقًا مختصرًا للإليزيه

وخلال السنوات القليلة الماضية، كان نجمُ لوبان يصعدُ في سماءِ باريسَ بحضورٍ شعبيٍّ متنامٍ، فيما كان نجمُ فرنسا يخفتُ في غربِ أفريقيا، التي فقدت فيها نفوذًا كان يبدو من مسلَّماتِ العلاقاتِ الدولية.

ويُسهم حضورُ لوبان في أفريقيا في التأكيدِ على أنها زعامةٌ قادرةٌ على ترميمِ صورةِ فرنسا في “حديقتِها الخلفية”، واستعدادُها لإعادة بناءِ العلاقاتِ مع دولِ المنطقةِ وفقَ صياغةٍ جديدة.

في محاولةٍ لتعزيزِ مكانتها في أفريقيا، زارت زعيمةُ حزبِ التجمعِ الوطنيِّ الفرنسيِّ، مارين لوبان، تشاد، بخطوةٍ قد تُحسبُ لها في السباقِ الانتخابيِّ بباريس 2027، في وقتٍ تحاولُ فيه نجامينا إرسالَ رسالةٍ بأنها مع علاقاتٍ فرنسيةٍ من منظورٍ جديد.

واعتبر الباحثُ السودانيُّ في الشؤونِ الأفريقية، الدكتور محمد تورشين، أن الهدفَ من الزيارةِ هو إعادةُ تحسينِ صورةِ لوبان أمامَ الداخلِ الفرنسي، وإظهارُ اهتمامِها بالقضايا الأفريقية.

وقال تورشين لـ”العين الإخبارية” إن تشاد تُعتبرُ من أهمِّ الشركاءِ التجاريين والسياسيين لفرنسا.

من جانبه، رأى الخبيرُ التشاديُّ في الشؤونِ الأفريقية، الدكتور محمد شريف جاكو، أن الزيارةَ هي امتدادٌ لزيارةِ لوبان السابقةِ في عهدِ ديبي الأب.

وقال جاكو لـ”العين الإخبارية” إن الزيارةَ إلى نفسِ المدينة (أم جرس) هذه المرةَ أيضًا، وهي مسقطُ رأسِ عائلةِ ديبي، إشارةٌ إلى وجودِ علاقاتٍ خاصةٍ بينها وبين آلِ ديبي، مضيفًا أن “ما يتردَّد لدى بعضِ الأوساطِ في تشاد أن هناك تمويلًا من آلِ ديبي لحزبِ مارين لوبان”.

وأوضح أن “حزبَ التجمعِ الوطنيِّ الذي تتزعَّمه لوبان كان يتلقَّى تمويلًا من الغابون في عهدِ الرئيسِ عمر بنغو، وبعدَ وفاته انتقل التمويلُ إلى آلِ ديبي”.

تحسين الصورة

وبدعوةٍ من الرئيسِ التشادي، محمد إدريس ديبي إتنو، حلَّت لوبان ضيفةً على العاصمةِ نجامينا ثم على مدينةِ أم جرس خلال الفترة من 15 إلى 17 مارس/آذار الجاري، وهي الزيارةُ الثانيةُ من نوعها للمدينة.

وقالت لوبان خلالَ لقاءٍ مع ديبي إن العلاقاتِ بين باريسَ ونجامينا شهدت موجةً من التوترات، ولكنها بدايةٌ لوضعِ أسسٍ لعلاقاتٍ متكافئةٍ تعودُ بالمصلحةِ على الشعبين الفرنسيِّ والتشادي.

وأشارت إلى أن زيارتَها تهدفُ إلى تحسينِ صورةِ باريس، وإعادةِ بناءِ العلاقاتِ مع أفريقيا من خلالِ الشراكةِ الاستراتيجيةِ والمصالحِ المشتركة، والاعترافِ بمحوريةِ الدولِ الأفريقية.

بدوره، أكَّد الرئيسُ التشاديُّ أن إنهاءَ الاتفاقيةِ العسكريةِ مع فرنسا لا يعني بالضرورةِ قطعَ العلاقاتِ الفرنسيةِ التشادية، وإنما هذه الخطوةُ تُعدُّ مهمةً في تحقيقِ السيادةِ وتقريرِ المصيرِ لبناءِ تشاد.

ونهايةَ العامِ الماضي، أمر محمد إدريس ديبي برحيلِ قواتِ الجيشِ الفرنسيِّ من البلاد بعدَ وجودٍ شبهِ متواصلٍ لهم منذ الاستقلال.

الاحترام المتبادل

وخلالَ وجودِها في العاصمة، حظيت لوبان بحفاوةٍ كبيرةٍ، كما وفَّر لها ديبي طائرةً رئاسيةً خاصةً لنقلِها إلى أم جرس، على بعدِ أكثرَ من ألفِ كيلومترٍ من نجامينا.

وتقول لوبان إنها تريدُ إعادةَ مراجعةِ العلاقاتِ بين فرنسا وشركائها الأفارقة، وترفعُ شعارَ “العلاقات مع أفريقيا على أساسِ الاحترامِ المتبادل”، وتحمِّلُ ماكرون مسؤوليةَ التراجعِ الفرنسيِّ في القارةِ السمراءِ ورحيلِ القواعدِ العسكريةِ التي تُشكِّلُ أساسًا لنفوذِ باريس وامتدادِها في المنطقة.

وترشَّحت للانتخاباتِ الرئاسيةِ الفرنسية عام 2022، وحصلت على نسبةِ 41.2% من مجموعِ أصواتِ الناخبين الفرنسيين، ومن شأنِ زيارةِ تشادَ أن تُعطيها زخمًا على الصعيدِ الدوليِّ، خاصةً أن نوابَ حزبِها في البرلمانِ يدعون إلى فرضِ عقوباتٍ على رواندا بسببِ الدعمِ الذي تقدِّمه للمتمرِّدين في حركةِ “إم 23” المتمردةِ في الكونغو الديمقراطية.

الدبلوماسي البديل

تأتي زيارةُ لوبان إلى تشاد في وقتٍ تعرَّضت فيه سياسةُ الرئيسِ الفرنسيِّ إيمانويل ماكرون في أفريقيا لانتقاداتٍ شديدةٍ من قبلِ المحيطين به، وهذا الخطابُ له صدى في نجامينا، حيث يسعى الرئيسُ ديبي إلى تنويعِ تحالفاتِه، ويبدو أن لوبان تريدُ أن تؤدِّي أيضًا دورَ “الدبلوماسي البديل”.

وقال الباحثُ في الشؤونِ الأفريقية، تورشين، لـ”العين الإخبارية”، إن لوبان تسعى من خلالِ هذه الزيارةِ إلى فهمِ أسبابِ وتداعياتِ تراجعِ النفوذِ الفرنسيِّ في غربِ أفريقيا، والسبلِ التي من خلالها يمكنُ إعادةُ بناءِ الشراكاتِ على أسسٍ جديدة.

وتابع أن لوبان تريدُ أيضًا تحسينَ صورةِ حزبِها المحسوبِ على أقصى اليمينِ في ظلِّ موجةِ صعودِ التيارِ في البلدانِ الأوروبية، مبينًا أنها تحاولُ أن تُرسلَ رسائلَ بأن حزبَها لديه تصوُّرٌ ومقاربةٌ لعلاقاتٍ خارجيةٍ مختلفةٍ تمامًا عن الحاضر، يمكنُ من خلالها أن تكونَ حاضرةً في الانتخاباتِ الرئاسيةِ المقبلةِ في فرنسا.

ورأى أن هذه الزيارةَ لن تتوقَّفَ عند تشاد، وإنما ستزورُ عددًا من البلدانِ الأفريقية، موضحًا أن لوبان وتيَّارَ أقصى اليمينِ بشكلٍ أو بآخرَ مع اتجاهِ انسحابِ القواعدِ الفرنسيةِ من الخارج، وأنها داعمةٌ لهذا المسار.

وأكَّد أن لوبان ترغبُ في تعزيزِ العلاقاتِ الفرنسيةِ الأفريقيةِ في مجالي الاقتصادِ والسياسة، لا في المجالِ العسكري.

لا عداوة

وأشار الباحثُ في الشؤونِ الأفريقية إلى أن وسائلَ الإعلامِ التشادية رحَّبت بهذه الزيارةِ باعتبارها شخصيةً مرشَّحةً للانتخاباتِ القادمةِ في فرنسا، وأنها حصلت على المركزِ الثاني في آخرِ دورتين، وحظوظُها للوصولِ إلى الرئاسةِ ربما تكونُ كبيرةً إلى حدٍّ ما.

ورغمَ الحفاوةِ الرسمية، تواجهُ لوبان بعضَ الانتقاداتِ من قوى معارضةٍ ترى أنها جزءٌ من تيَّارٍ يعارضُ الهجرة.

ورغمَ غيابِ الطابعِ الرسميِّ لوجودِها في تشاد، استقبلت السلطاتُ لوبان بحفاوةٍ ووفَّرت لها لقاءاتٍ مع مسؤولين مهمِّين، على رأسِهم ديبي نفسه، وهذا يعني أن الرئاسةَ التشاديةَ ترغبُ في استثمارِ هذه الزيارةِ في إرسالِ رسائلَ سياسيةٍ للداخلِ الفرنسيِّ، باعتبارِ أن تشادَ ليس لديها أيُّ عداوةٍ مع فرنسا.

aXA6IDIxMy4xNjUuMjQ3LjkzIA== جزيرة ام اند امز US

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى