ما وراء لكمات ماكرون ونتنياهو.. هل يغير التصعيد قواعد اللعبة؟
لكمات بالكلمات تبادلها الرئيس إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، كشفت عن تباين في وجهات النظر الفرنسية – الإسرائيلية حول التصعيد في غزة ولبنان.
فبين انتقاد لاذع وجهه ماكرون إلى إسرائيل في محاولة منه لـ«إيجاد توازن دقيق في تعامله مع الصراع في الشرق الأوسط»، بحسب محللين، جاء رد فعل نتنياهو «عنفوانيا»، ليؤكد أن حكومته «التي أثبتت منذ أكتوبر مرارًا وتكرارًا أنها لا تستمع إلى النصائح ستفعل ما يحلو لها».
فماذا حدث؟
في تصريحات بثت قبل أيام، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن الدول يجب أن تتوقف عن إمداد إسرائيل بالأسلحة، معتبراً أن إمداد إسرائيل بالأسلحة مع المطالبة بوقف إطلاق النار أمر غير متسق.
تلك التصريحات أثارت غضب نتنياهو الذي قال في بيان «سريع ولاذع»: «بينما تقاتل إسرائيل قوى الهمجية بقيادة إيران، يجب على جميع الدول المتحضرة أن تقف بحزم إلى جانب إسرائيل. ومع ذلك، يدعو الرئيس ماكرون وبعض الزعماء الغربيين الآخرين الآن إلى فرض حظر على الأسلحة ضد إسرائيل. عار عليهم».
وفي محاولة من الرئاسة الفرنسية لتهدئة التوترات مع إسرائيل، قالت في بيان لاحق، إن «فرنسا هي صديقة إسرائيل الدائمة»، مشيرة إلى أن باريس قدمت مساعدات عسكرية للمساعدة في مواجهة الهجمات الصاروخية الإيرانية.
وأكد مكتب الرئيس الفرنسي، على الحاجة إلى «حلول دبلوماسية»، معتبرًا أن رد نتنياهو «مبالغ فيه وغير ذي صلة بالصداقة بين فرنسا وإسرائيل».
وفي مسعى جديد لمعالجة الصدع، تحدث الزعيمان عبر الهاتف يوم الأحد، إلا أنه يبدو أن هذ اللقاء الهاتفي لم يفعل الكثير لرأب الصدع.
وقالت الرئاسة الفرنسية إن «الزعيمين يقبلان اختلافاتهما في الرأي، وكذلك رغبتهما في أن يتفهم كل منهما الآخر بشكل جيد».
فما وراء تصريحات ماكرون؟
لم تكن هذه المرة الأولى التي يقترح فيها ماكرون مثل هذه الخطوة؛ فقد قال ذلك الشهر الماضي في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وزعم أن الضغط من أجل وقف إطلاق النار في حين يتم توريد الأسلحة أمر «غير متسق».
وبحسب محللين، فإن تصريحات ماكرون التي لم تكن «مفاجئة»، تتناسب مع أسلوبه الشخصي، فهو عازم على الحفاظ على الطموح التقليدي لفرنسا في أن تكون قوة دولية مستقلة، وهو معروف بسياساته الخارجية الجريئة والمزعجة في بعض الأحيان.
ومع ذلك، فإن ما كان ماكرون يأمل في تحقيقه من خلال تعليقاته التي كان من المؤكد أنها ستثير غضب رئيس الوزراء الإسرائيلي كان أقل وضوحا، كما يقول المحللون.
وقال ديفيد خلفا، الخبير في شؤون الشرق الأوسط في مؤسسة جان جوريس والذي على وشك نشر كتاب عن تداعيات هجوم حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، إن توقيت تعليقات ماكرون – قبل الذكرى السنوية الأولى لذلك الهجوم – كان «محرجًا بشكل خاص»، بحسب واشنطن بوست.
الخبير في شؤون الشرق الأوسط في مؤسسة جان جوريس أضاف: «على المدى القصير، من الواضح أن هذا لن يساعدنا في أن يسمعنا الإسرائيليون»، مضيفا أن «هناك علامة استفهام معلقة حول وضوح الدبلوماسية الفرنسية».
ونادرًا ما تبيع فرنسا أي أسلحة لإسرائيل، التي تتلقى أكثر من 90% من شحناتها من الأسلحة من الولايات المتحدة وألمانيا، وفقا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، الذي يتتبع تجارة الأسلحة العالمية.
وقد اعتبرت تعليقات ماكرون على نطاق واسع بمثابة إشارة إلى الإحباط من الولايات المتحدة، لكنّ المحللين يقولون إن فرنسا لا تتمتع بنفوذ كبير على شحنات الأسلحة الأمريكية.
وقال كريم إميل بيطار، أستاذ دراسات الشرق الأوسط في جامعة القديس يوسف في بيروت، إن هذا مثال على نهج ماكرون في صنع السياسات: النظر باستمرار في كلا جانبي المعادلة، إلا أن «الأمر معقد بما فيه الكفاية في السياسة الداخلية، لكن في السياسة الخارجية، عندما تحاول إرضاء الجانبين، فإنك تنتهي إلى تنفير الجانبين».
ومنذ هجمات حماس على إسرائيل قبل عام، كرر ماكرون دعمه لإسرائيل وطالب باستمرار بإعادة الرهائن الذين تحتجزهم حماس. وفي يوم الإثنين، التقى في باريس مع أسر الرهينتين الفرنسيين المتبقيين، بالإضافة إلى أسر الضحايا الفرنسيين في هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
لكن ماكرون طالب إسرائيل أيضًا بالالتزام بالقانون الدولي والإنساني لتجنب وقوع إصابات بين المدنيين، داعيًا إلى وقف إطلاق النار في غزة ولبنان لإفساح المجال أمام الحلول الدبلوماسية والسياسية.
ورغم ذلك، إلا أن «محاولاته لإيجاد التوازن كانت عصية على الفهم في بعض الأحيان»، بحسب ديفيد خلفا الذي قال، إنها: «ليست المرة الأولى التي يكون فيها هذا النوع من التعرج الدبلوماسي».
لماذا بات ماكرون محبطا؟
وعلى الرغم من أن ماكرون كان قد أدلى بتصريحات مماثلة بشأن وقف شحنات الأسلحة قبل أن تغزو إسرائيل لبنان لملاحقة عدوها حزب الله، فإن بعض المحللين يقولون إنهم يعتقدون أن ارتفاع عدد القتلى هناك واحتمالات اندلاع حرب برية أكبر ربما ساهمت في قلقه وإحباطه.
وتربط فرنسا علاقات تاريخية وثقافية وعاطفية عميقة بلبنان، حيث تلعب أحيانًا دورًا رئيسيًا كوسيط. لقد أنفق ماكرون الكثير من رأس المال السياسي في المحمية الفرنسية السابقة، حيث زار بيروت بعد انفجار الميناء عام 2020 وحاول الدفع من أجل إجراء تغييرات على النظام السياسي المتعثر في البلاد.
وقالت ريم ممتاز، الخبيرة في السياسة الخارجية الفرنسية في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي في أوروبا ومقرها باريس، إن «لبنان هو المكان الذي لا تزال فرنسا قادرة على التصرف فيه كقوة عظمى، حتى لو أنها لم تعد قوة عظمى».
ومنذ أشهر، تعمل فرنسا مع الولايات المتحدة لمحاولة منع الصراع بين حزب الله وإسرائيل من التفاقم إلى صراع أوسع نطاقا. وفي الشهر الماضي، أعلن ماكرون ونظيره الأمريكي جو بايدن عن خطة لوقف إطلاق النار لمدة ثلاثة أسابيع عبر الحدود اللبنانية الإسرائيلية، متوقعين أن تتقبل الأطراف المتحاربة هذه الخطة علنًا.
وبدلاً من ذلك، وفي «إهانة» لفرنسا والولايات المتحدة، تعهدت إسرائيل بمواصلة القتال وسرعان ما قتلت زعيم حزب الله حسن نصر الله، بحسب واشنطن بوست.
وقالت ممتاز: «لقد كان ماكرون متماسكًا بشأن شيء واحد – فهو يدعو منذ أشهر إلى وقف إطلاق النار. التفكير هو أنه إذا استمررت في توريد الأسلحة، فإن حكومة مثل حكومة نتنياهو – التي أثبتت منذ أكتوبر مرارًا وتكرارًا أنها لا تستمع إلى النصائح – ستفعل ما يحلو لها». وفي هذه الحالة، أشارت إلى أن «حجب الأسلحة هو الطريقة الوحيدة لمحاولة تشكيل السلوك».
وبحسب الخبيرة في السياسة الخارجية الفرنسية، فإن: «ماكرون ليس واهمًا. فهو يعلم أنه لن يكون له تأثير يغير قواعد اللعبة فيما يتعلق بالدعم العسكري الذي تقدمه الإدارة الأمريكية لإسرائيل. لكن ما يفعله هو إرسال رسالة واضحة إلى بقية العالم مفادها أن فرنسا وربما الأوروبيين لديهم موقف مختلف عن الأمريكيين».
aXA6IDJhMDI6NDc4MDphOjE0NTE6MDoxN2IzOjljNmY6MiA= جزيرة ام اند امز