معركة الدبلوماسية.. مساع أوكرانية نحو ضمانات أمنية موثوقة

مع إصرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على التوصل لاتفاق سلام بين روسيا وأوكرانيا فإن استمراره يحتاج لمعالجة مخاوف الجانبين.
ومن بين المطالب الأساسية لأوكرانيا، والتي ظهرت خلال الجدال بين ترامب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في المكتب البيضاوي، هو حاجة كييف لضمانات أمنية موثوقة تضمن أن وقف المعارك ليس مجرد مقدمة لجولة أخرى من الحرب.
وحتى الآن تبدو الأفكار المطروحة غير قابلة للتطبيق إلى حد كبير مثل منح كييف عضوية حلف شمال الأطلسي (ناتو) أو نشر قوات غربية على الأراضي الأوكرانية خاصة وأن هذه المقترحات كانت سببا في اندلاع الحرب مع سعي موسكو لمنعها.
وبالتالي فإن التدابير المتعلقة بالردع وحدها لن توفر لكييف الضمانات الكافية لأمنها وهو ما يعني ضرورة أن يكون الحوار والدبلوماسية مع روسيا جزءاً من الضمانات الأمنية وذلك وفقا لما ذكره موقع “ريسبونسيبل ستايت كرافت” الأمريكي.
ومن بين أساليب تعزيز أمن أوكرانيا من خلال الدبلوماسية قد يكون من الهم إنشاء آلية للتشاور في الأزمات ليس فقط للعلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا، بل أيضاً للنظام الأمني الأوروبي بشكل عام وهو الاقتراح الذي تم تجسيده مؤخراً في مشروع “النظام الأفضل” التابع لمعهد كوينسي، والذي جمع أكثر من 130 خبيراً وممارساً من مختلف أنحاء العالم لتطوير تدابير تهدف إلى استقرار النظام الدولي في مرحلة انتقالية.
وتشمل هذه الأفكار حق الدولة في اختيار توجهها الجيوسياسي بما في ذلك العضوية في التحالفات العسكرية وأن مفهوم الأمن غير القابل للتجزئة، وهو المفهوم الذي يفترض أن أي دولة لا ينبغي لها أن تزيد من أمنها على حساب دولة أخرى وهي الأفكار التي ظهرت في ميثاق باريس، الذي أنهى الحرب الباردة.
ومنذ نهاية الحرب الباردة، اتسمت العلاقات الأمنية في أوروبا غالباً بكونها “حوارا للطرشان” فقد تعارضت التصريحات الغربية بأن عضوية أوكرانيا في الناتو مسألة خاصة بكييف والدول الأعضاء مع إصرار موسكو على ضرورة أن يكون لها رأي في الأمور التي ترى أنها تهدد أمنها.
هذه التوترات والتناقضات التي لا يمكن حلها يجب إدارتها بعناية وقد يساهم في ذلك إنشاء آلية التشاور في الأزمات، التي تهدف إلى توفير بيئة أقل مواجهة للجمهور لمناقشة المبادئ المتنافسة والنزاعات الملموسة الناجمة عنها.
وستجتمع هذه الآلية بانتظام على سبيل المثال كل ثلاثة أشهر، بهدف صياغة عادات جديدة للتفاعل بين اللاعبين الأوروبيين في الناتو وتشجيعهم على تقييم التهديدات التي تواجه الاستقرار القاري بشكل أكثر جماعية.
وستستخدم الدول والجهات الفاعلة الأخرى هذه الآلية لتخطيط الاستعدادات للأزمات المحتملة بهدف بناء الثقة وتشكيل معايير السلوك في الأزمات الجيوسياسية وليس حل الأزمات بشكل نهائي.
وستحتاج الآلية الجديدة إلى أن تكون أكثر رشاقة من منظمة الأمن والتعاون في أوروبا والتي تعمل على أساس الإجماع بين أعضائها البالغ عددهم 57 عضواً كما أنها ستحتاج إلى تحقيق التوازن بين الكفاءة والتمثيل، مع ضمان المشاركة غير الرسمية للطرف المتضرر في أزمة معينة وكذلك فإن إدارة الأمن الأوروبي في المستقبل تتطلب إنشاء منصة استشارية بين الناتو والاتحاد الأوروبي وروسيا.
ولكي تكون هذه الآلية فعّالة، لابد وأن تكون عضويتها أصغر كثيراً من عضوية منظمة الأمن والتعاون في أوروبا وقد يكون الوضع المثالي لها أن تضم الولايات المتحدة وروسيا وحلف الناتو والاتحاد الأوروبي على أن يتم تمثيل المنظمتين الأخيرتين إما كمؤسسات أو بعضو واحد أو اثنين لكل منهما، ربما على أساس التناوب.
وقد يسهم إنشاء هذه الآلية الجديدة في تعزيز التعاون والتطلعات المشتركة بين الدول في الفضاء الأوروبي الأطلسي وبالتالي فإنها ستملأ الفجوة في النسيج المؤسسي الأوروبي بعد الحرب الباردة وستركز على مساعدة الدول الغربية على إدارة علاقاتها العدائية مع روسيا.
كما أن إنشاء هذه الهيئة سيمثل أيضاً تغييراً نوعياً في الوضع الفعلي الذي ساد عشية اندلاع حرب أوكرانيا وسيضمن وجود مجموعة اتصال تتمتع بأساليب مرنة وتكوين مرن والتزام سياسي بالتحدث في الأزمات.
وربما لم يكن هذا الكيان قادرا على منع اندلاع الحرب إلا أن وجوده كان سيوفر مساحة كان بوسع روسيا والغرب استغلالها لاتباع طريق الخروج من الصراع مبكرا قبل أن تتصلب مواقف جميع الأطراف.
وفي حين تريد كييف ضمانات قوية بعدم تكرار الحرب لكن الحقيقة هي أنه لا توجد “ضمانات” للسلام الدائم في هذا العالم لكن الجمع المتطور بين الردع والدبلوماسية إلى جانب الالتزام المستمر بالتحدث في الأزمات هو وحده القادر على ضمان أمن أوكرانيا وروسيا والبيت الأوروبي المشترك.
aXA6IDIxMy4xNjUuMjQ3LjkzIA==
جزيرة ام اند امز