“نقطة نظام” خليجية ‹ جريدة الوطن
“نقطة نظام” خليجية
نقطة نظام، هو إجراء برلماني ودستوري يستخدمه عضو في البرلمان يكون قد لاحظ بأن مناقشات الجلسة البرلمانية خرجت عن الموضوع الرئيسي لها، أو أن الجلسة حدث فيها خلل في “أدب الحوار” والنقاش ما قد يؤثر على الهدف النهائي للجلسة المنعقدة فوجب التنبيه باستخدام الحق البرلماني الذي يسمى: بـ”نقطة نظام” لضبط الجلسة أو على الأقل محاولة من النائب لضبط مسيرتها: كي لا تنفرط الأمور أكثر مما يجب.
المقال ليس له علاقة بالعمل البرلماني في أي مكان في العالم إلا من باب الافتراض بأننا: كخليجيين نمثل كيان سياسي واحد وتهمنا المصلحة العامة لهذه الدول لأسباب كثيرة ليس مجال استعراضها الآن، ومن باب أيضاً، التمهيد للتعليق على أسلوب حوار إعلامي خليجي يبدو لي مستغرباً في ناحية استخدامه من قبل بعض أبناء المنطقة لأننا لم نعتاد نهجه وأسلوبه إلا في حالات استثنائية من تلك الحالات؛ لأنه أن يخرج أحدهم عن القاعدة العامة فهذا وارد في مختلف المجالات الحياتية وخاصة في علم الاجتماع وعادة ما يسمى هذا الخروج “شاذ عن القاعدة” ولكل قاعدة معروف شواذ.
انتشرت في الخليج العربي في فترة من الفترات لغة سياسية لحملة الفكر اليساري بدءاً من الاشتراكي الناصري وانتقل لاحقاً ليتبناه الإسلام السياسي، وأصحاب هذا الفكر بشكل عام لديهم أهدافهم السياسية تجاه الدول الخليجية لأنهم لا يرون في العمل الهادئ والناجح أي جدوى وإنما هم يركزون على استخدام الشعارات السياسية الرنانة لإثارة المجتمعات باستخدام مفردات تقلل من القيم السياسية الموجودة في المجتمع القائمة على احترام الحاكم وهذا الخطاب كان منتشراً في السبعينات من القرن الماضي وتم القضاء عليه “هكذا نعتقد” عليه ولكن يبدو أنه بدأ يتصاعد مرة ثانية مع أحداث حرب غزة، وهذا يؤكد أن الخطر الفكري قد يتراجع، لكن لا يموت.
بشكل أكثر تفصيلي وأوضح، إدارة “حرب غزة” خليجياً وعربياً لم تعجب البعض ودفعهم حماسهم الصوتي العالي وربما فكرهم المُتخفي في الأذهان انتظاراً للفرصة أن تكون مواتية والذي قابله وجود المنابر الإعلامية والمساحات الإعلامية المنتشرة فيها المتعة في انتقاد العمل السياسي الخليجي بشكل عام، وفي بعض الأحيان تجدهم يقارنون بين العمل السياسي الخليجي الناجح بشهادة العالم كله مع السياسة الإيرانية ويميلون إلى النهج الإيراني على أساس أنها الدولة التي تستطيع إيقاف التمدد الأمريكي والإسرائيلي على عكس الدول الخليجية التي يطلقون عليها بالمتصهينة أو باللفظ القديم الرجعية حسب تفكيرهم.
للأسف، يتمادى الخطاب الإعلامي هذا إلى أن يصل مقارنة بين أصحاب الشرف الذي يدافعون عن مواقفهم وبين مجموعة “العلف” كما يسميها أحد منظري هذا الخطاب أو بالأصح من الباقين منهم بل إن هذا الخطاب يستخدم أحياناً مفردات لا تليق أن تخرج من الشخص نفسه لا من حيث مكانته المجتمعية كونه أكاديمي ويفترض أنه ينقل قيماً مجتمعية لجيل سيحمل راية وطنه وليس أفكاراً لتدميره ولا من الوظيفية السابقة التي شغلها كونه عمل في السلك الدبلوماسي الخليجي وهي جهة عادة يتصف موظفيها بانتقاء المفردات الهادئة ويصف بها أبناء منطقة الخليج العربي التي ينتمي إليها هو نفسه.
بلا شك، أن مثل هذا الخطاب سيلقى رواجاً في العالم العربي ومن مؤيدي هذا الفكر لذا تجده في بداية كل حلقة من حلقات النقاش يستعرض أرقام متابعيه ومؤيديه وهم يتزايدون كل هذا الأمر طبيعي لسبب بسيط أن هذا الخطاب السياسي عمره يزيد عن أكثر من سبعة عقود وهو متجذر في المجتمعات الخليجية كما هو في المجتمعات العربية وإن أخذ خطوطاً مختلفة ولسبب آخر هناك الكثيرون في العالم العربي وغيره لديهم مواقفهم ونوايا فكرية ضد دول الخليج الست.
مشكلة هذا الخطاب لم يحقق نجاحاً واحداً في أي مجال تنموي يمكن أن يتذكره العرب، بل هو السبب الرئيسي في خسارة الكثير من المكتسبات العربية ومنها الأرض العربية بسببه ولكنه للأسف لا يريد أن يعترف بفشله بقدر ما يسعى إلى استكمال فوضويته والأكثر من ذلك أن مواطني الدول الذي عاشوا في ظل هذا الخطاب بدأوا ينتقدونه لأنه خطاب الإعلامي العربي الشهير “أحمد سعيد” والذي تسبب في تراجع أوطانهم مقارنة بالوضع السياسي والاقتصادي قبل ظهور هذا الخطاب فترة ما قبل الخمسينيات.
ما زلت أذكر حوار للوزير والمثقف الكويتي الراحل الدكتور أحمد الربعي في إحدى القنوات الخليجية الشهيرة وهو يشكر الله ويحمده “بالإمكان الرجوع إلى اليوتيوب لمشاهدته” أن ثورتهم لم تنجح في السبعينيات التي كانت تعرف بثورة “الجبهة الشعبية لتحرير عمان والخليج العربي” بعدما رأى التغير التنموي الذي حصل في الدول الخليجية.
وبما أننا دول خليجية تربطنا الكثير من المشتركات الناجحة علينا أن نرفع يدنا لطلب “نقطة نظام” لأن المصلحة واحدة علينا مراعاة بأن هناك من يعمل بجدية وإخلاص من أجل إيجاد حلول للقضايا والأزمات التي تمر بها المنطقة العربية، وعلينا عدم التباهي بإثارة عامة الشعوب بالشعارات الفارغة واستخدام مفردات تقلل من قيمة الإنسان الخليجي الذي يعتبر أحد مصادر الأمل للشعوب العربية وغيرها من دول العالم، فالسفينة الخليجية واحدة وتحتاج إلى الحكمة لنبحر بها جميعاً سالمين.