هجوم القصر الرئاسي في تشاد.. صراع داخلي أم رسائل فرنسية؟
وضع الهجوم المسلح على القصر الرئاسي تشاد أمام تحديات داخلية وخارجية، وربما يكون أول اختبار حقيقي للرئيس الشاب محمد إدريس ديبي، الذي تولى مقاليد الحكم في ظروف حساسة.
الهجوم الذي حدث مساء الأربعاء الماضي أسفر -بحسب الحكومة- عن مقتل 18 مسلحًا وإصابة 6 آخرين رهن الاعتقال مقابل مقتل جندي، وسط تضارب بشأن منفذيه، وأثار التساؤلات حول توقيته والجهة التي تقف خلفه.
وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «العين الإخبارية» حول الهجوم. ففيما أشار البعض إلى وجود أصابع خارجية مثل فرنسا أو جماعة بوكو حرام، اعتبره آخرون انعكاسًا لصراعات داخلية بين أطراف في النظام أو محاولة انقلاب فاشلة، مستبعدين تدخل أطراف خارجية.
تضارب الروايات
ورغم تضارب التصريحات حول منفذي الهجوم، أكد المتحدث الرسمي باسم الحكومة التشادية عبد الرحمن كلام الله أن «الوضع تحت السيطرة تمامًا».
لكن أصابع الاتهام أشارت في البداية إلى جماعة بوكو حرام الإرهابية، إلا أن الجماعة لم تعلن مسؤوليتها عن الهجوم ونفته انجمينا بعد ذلك، على لسان وزير خارجيتها والمتحدث باسم الحكومة الخميس.
وأكد كلام الله أن منفذي الهجوم تشاديون، وأنه يجري التحقيق لمعرفة دوافعهم، ولا علاقة للهجوم بمنظمة إرهابية معروفة.
وأشار إلى أنهم قدموا من أحد أحياء العاصمة، وبحوزتهم أسلحة بيضاء وأسلحة نارية خفيفة، وكلهم ينتمون لقبيلة واحدة دون أن يحددها.
التوقيت والهدف
وحول توقيت الهجوم والجهة التي تقف خلفه والهدف منه، فضلاً عن تداعياته الداخلية والخارجية، ربط خبراء بين الهجوم وتصريحات الرئيس الفرنسي ماكرون، التي وجهها لعدد من الدول الأفريقية وجاءت قبل يومين من الحادث، منتقدًا فيها هذه الدول، وفسرها مراقبون بأنها نوع من التعالي والمنّ على هذه الدول التي تدين بالشكر لباريس.
ومن وجهة نظر بعض المحللين، فإن «ماكرون ربما أراد توجيه رسالة بأن فرنسا ليست هي العقبة، وأن هذه الدول الأفريقية لن تستطيع الحكم بمعزل عن الدور الفرنسي».
رد فعل
ويرى خبراء أن التصعيد الفرنسي جاء كرد فعل على قرار رئيس تشاد محمد إدريس ديبي نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ومن قبله قرار بوركينا فاسو ومالي والنيجر بإنهاء الاتفاقيات الأمنية مع فرنسا، خاصة مع تزايد العمليات الإرهابية في هذه الدول، وعدم نجاح باريس في حمايتها من الجماعات المسلحة.
وأثار التصريح حفيظة تشاد تحديدًا، حيث أعربت على لسان وزير خارجيتها عبد الرحمن كلام الله عن قلقها العميق إزاء هذا «الموقف المزدري تجاه أفريقيا والأفارقة»، مذكرًا بأن التدخل الفرنسي كان لمصالح خاصة.
فرنسا وبوكو حرام
هذا التصعيد غير المتوقع بين انجمينا وباريس فرض تساؤلاً مباشرًا حول ما إذا كانت فرنسا تقف خلف هذا الهجوم بتنسيق مع بوكو حرام، لإجبار تشاد على إعادة التعاون الأمني بينهما.
إلا أن عددًا من المحللين استبعدوا ذلك لسوء العلاقة بين فرنسا وهذه الجماعة، التي ظلت العدو الرئيسي لباريس طيلة أكثر من 10 سنوات.
كما أن بوكو حرام كانت أحد المستهدفين من عملية «برخان» التي أطلقتها فرنسا عام 2014، للقضاء على هذه التنظيمات المسلحة عبر نشر 5 آلاف من قواتها في عدة دول، هي تشاد ومالي والنيجر وبوركينا فاسو.
لغط كثير
من جانبه، أوضح الخبير التشادي الدكتور محمد شريف جاكو أن هناك كثيرًا من اللغط حول الحادث، وأنه حتى هذه اللحظة لم يُعرف حقيقة من خلف هذا الهجوم.
وقال جاكو لـ«العين الإخبارية»: «في البداية قالوا بوكو حرام ثم نفوه بعد ذلك، وقالوا إنها ليست عملية إرهابية، وليس هناك عناصر أجنبية بها، وكلهم شباب تشاديون، وأنهم من داخل تشاد من الأحياء الجنوبية من انجمينا، وأنهم غير مسلحين بسلاح ناري وأنهم مجموعة سكارى على حد قول الناطق الرسمي للحكومة».
وأضاف: «القصر الرئاسي في تشاد مبنى محصن وضد الأسلحة الخفيفة، والمعارضة التشادية المسلحة، التي احتلت العاصمة في يومين حاولت في 2008، واستخدمت كل الأسلحة لفتح ثغرة فيه، ولم تستطع»، متسائلًا: «كيف يدخل هذا المبنى الآن حوالي 24 شخصًا غير مسلحين وسكارى»، وفق وصفهم.
مشهد غامض
وبحسب الخبير التشادي، فإن «الشعب التشادي لا يعلم شيئًا عما حدث، ولم توضح الحكومة الصورة بشكل قاطع».
وأضاف: «الشعب التشادي غير مقتنع أن بوكو حرام أتت إلى انجمينا ودخلت القصر»، مؤكدًا أن «هذا غير ممكن وأن أسلحتهم لا يمكنها فعل ذلك».
واستبعد ضلوع فرنسا في هذا الحادث، مؤكدًا أنها تعلم «حصانة القصر»، متسائلًا: «إذا كانت فرنسا غير ضالعة ولا أي جهة سياسية داخلية ولا بوكو حرام، فمن يقف خلف هذا الحادث؟».
وتساءل: «لماذا لم يُعرض المهاجمون على التلفزيون الرسمي؟»، موضحًا أن «هناك شيئًا ما غير واضح، وأن كل التصريحات الرسمية تزيد المشهد غموضًا، وتثير أسئلة أكثر غرابة ولم تجب عن شيء».
سوء تفاهم
وأضاف الخبير التشادي أن «هناك من يرى أن العملية كلها مبنية على سوء تفاهم».
وتابع: «في تقديري أن هؤلاء الشباب عمال في شركة بناء عائدون من عملهم إلى منازلهم، وأن طريق عودتهم في الشارع الرئيسي للقصر وتعطلت سيارتهم أمام بوابة القصر، وتعامل الحرس الرئاسي معهم، وقام هؤلاء الشباب بالدفاع عن أنفسهم بأدوات عملهم».
مستدركًا: «لكن كيف دخلوا القصر؟»، مفسرًا ذلك بأن «الحرس الرئاسي أدخلوا الجثث داخل القصر، حتى يُحسب أنه هجوم».
وبين أن «العملية حتى الآن مجهولة، معربًا عن اعتقاده أن هناك مشاكل داخل القصر ومن بينها علاقة النظام بالسودان، وأن هناك جزءًا كبيرًا من الأسرة الحاكمة ضد ما يحدث بالسودان وتعامل تشاد مع الأزمة هناك وغيرها من الخلافات».
وأضاف: «هناك من يرى أن عددًا من الأسرة استخدموا هؤلاء الشباب ليتسنى لهم القيام بانقلاب داخلي، وربما فشلت العملية في مراحلها الأولى وقد يكون ذلك سبب تكتم الحكومة وعدم إعلانها الحقيقة».
انقسام داخلي
من جهته، يرى الباحث السوداني في الشؤون الأفريقية الدكتور محمد تورشين أن الهجوم على القصر الرئاسي يأتي في إطار عدة عوامل.
وقال تورشين لـ«العين الإخبارية»: «أول هذه العوامل أن التماسك الداخلي في المؤسسات التشادية به الكثير من الشرخ فيما يتعلق بالتعامل مع الأزمة السودانية».
وأضاف أن «هناك شرائح واسعة داخل المؤسسة الرئاسية ترفض هذا التعامل»، مستبعدًا «أن يكون خلف هذا الهجوم أطراف معارضة أو قوى كبرى فرنسا أو أمريكا».
وقال إن «الخطاب التشادي تجاه فرنسا لم يدخل منحى التصعيد الذي أخذته دول الساحل الأفريقي».
وأضاف أن «أمريكا رغم أنها خرجت من تشاد إلا أنها ستعود باتفاق جديد وشراكة جديدة، وربما كانت التعقيدات الداخلية المرتبطة بهشاشة النظام وانقسام الأطراف صاحبة النفوذ على ما يحدث بالسودان هي السبب الحقيقي».
aXA6IDIxMy4xNjUuMjQ3LjkzIA== جزيرة ام اند امز