يحيى السنوار.. «الرجل الميت» يودع خطواته
لطالما كان «رجلا ميتا» يمشي على قدميه، يقضي أيامه متخفيا في الظل مبتعدا عن كل ما يمكن أن يمنح عنه إشارة حياة أو وجود.
لكن حتى الظل طوى يحيى السنوار لتخنقه الأنقاض وتكتم أنفاسه ثم يلفظه الركام لتلتقط إسرائيل صوره مؤشرا أوليا على نهاية المطلوب رقم 1 لديها قبل أن تمر لمرحلة اليقين بفحص حمضه النووي.
وفي وقت سابق الخميس، أكدت هيئة البث الإسرائيلية مقتل السنوار، لافتة إلى أن العملية لم تتم بتوجيه استخباراتي سابق.
فمن هو يحيى السنوار؟
لم يكن الخبر مفاجئا، فبعد مقتل زعيم حزب الله بلبنان حسن نصر الله في غارة إسرائيلية على قلب بيروت، بدا أن مسألة القضاء على زعيم حركة حماس لم تكن سوى مسألة وقت.
ورغم أن مصادر تقول إن الرجل ضاعف «تدابيره» الأمنية حول نفسه، بتفادي استخدام أي وسيلة اتصال حديثة، إلا أن كل ذلك لم يحمه من الوقوع تحت نيران إسرائيل.
والسنوار تعتبره تل أبيب المطلوب رقم 1 على قائمة المطلوبين بعد الهجوم المميت الذي نفذته حركته في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وأسفر عن مقتل 1200 شخص، وخطف أكثر من مئتين آخرين ما زال أغلبهم رهائن في غزة.
تضعه إسرائيل ضمن قائمة 3 أشخاص تعتبر قتلهم جميعا أو بعضهم انتصارا في حربها على غزة، وتحمله المسؤولية عن التخطيط للهجوم على البلدات والقواعد العسكرية الإسرائيلية في غلاف قطاع غزة.
وهو ما عبر عنه وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت بقوله في تصريحات سابقة بالقول إن “يحيى السنوار أخطأ، وحسم مصير حماس في غزة”.
«رجل ميت»
لطالما كان السنوار مطلوبا لأجهزة الأمن الإسرائيلية، ولكن في يوم 7 أكتوبر/تشرين أول الماضي وضعت الحكومة الإسرائيلية عليه إشارة “رجل ميت”.
وتقصت جميع أجهزة الأمن الإسرائيلية أثر السنوار في محاولة للعثور عليه وقتله، وهي تعتقد أنه يختبئ في أنفاق موجودة أسفل مدينة غزة.
ولد السنوار في أوائل ستينيات القرن العشرين في مخيم خان يونس للاجئين داخل قطاع غزة، لعائلة تعود جذورها إلى مدينة عسقلان.
درس في مدارس المخيم وأنهى دراسته في مدرسة خان يونس الثانوية للبنين، ثم حصل على درجة البكالوريوس في اللغة العبرية من الجامعة الإسلامية في غزة.
وأصبح ناشطا وكان مقربا من مؤسس حماس الشيخ أحمد ياسين، الذي قتلته إسرائيل في عام 2004.
فمن سنوات عمره الـ62 أمضى السنوار 24 عاما في السجون الإسرائيلية، وهناك تعلم اللغة العبرية وأصبح يتقنها بطلاقة ما مكنه من متابعة القنوات الإخبارية لوسائل الإعلام الإسرائيلية وقراءة الصحف الإسرائيلية.
وبعد اعتقاله الأول في عام 1982، حيث أمضى 4 أشهر بالسجن قيد الاعتقال الإداري دون توجيه اتهامات محددة له، أسس عام 1985 جهاز الأمن والدعوة “مجد” وهو جهاز استخباري تم تكليفه بمراقبة المتعاونين مع المخابرات الإسرائيلية ومعاقبتهم.
وعلى إثر هذه الخطوة اعتقل لمرة ثانية في نفس العام، 1985، ليمضي في السجن 8 أشهر، ولكن بعد 3 سنوات اعتقل مجددا وتم الحكم عليه بالسجن 4 مؤبدات أي 4 مرات مدى الحياة.
ومنذ العام 1988، بقي السنوار في السجن حتى العام 2011 حينما تم الإفراج عنه في صفقة تبادل الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط بأكثر من 1200 أسير فلسطيني.
وعلى ما يبدو فإن هذه الصفقة أثرت كثيرا على السنوار الذي أراد تكرارها منذ توليه رئاسة حركة “حماس” في غزة عام 2017.
ففور الإفراج عنه، تولى السنوار مهمة التنسيق ما بين المكتب السياسي لحركة “حماس” وكتائب القسام، الجناح العسكري للحركة.
ولم يكن السنوار غريبا على كتائب القسام حتى وهو بالسجن، ولكن توليه هذا المنصب أتاح له صلة أكبر مع القسام، التي ما زال يقودها محمد الضيف.
ولكن سطوته الحديدية على “حماس” في غزة بدأت بعد حرب 2014 حينما أمر بتشكيل لجنة تحقيق في أداء قادة الحركة خلال الحرب الإسرائيلية آنذاك، ليقوم بإقالة بعض قادة الحركة لاحقا.
«صارم» و«عنيد»
يوصف في “حماس” بأنه “صارم” في قراراته أما في إسرائيل فيوصف بأنه “عنيد”.
ومحاولته تكرار صفقة تبادل برزت في العام 2015، عندما عينته حماس مسؤولا عن ملف تبادل الأسرى مع إسرائيل.
ففي حرب 2014 احتجزت “حماس” 4 إسرائيليين بينهم جنديان تقول إسرائيل إنهما قتلا في الحرب فيما لم تفصح “حماس” عن مصيرهما.
وقاد السنوار جولات المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل وأراد إخراج أكبر عدد ممكن من الأسرى من السجون الإسرائيلية ولكن العديد من الجولات لم تؤد إلى أي نتيجة.
في إسرائيل يقولون إن السنوار أصر على إتمام صفقة لتبادل الأسرى وإن هجوم 7 أكتوبر/تشرين أول هدف أساسا إلى أخذ جنود رهائن لإتمام عملية صفقة كبيرة.
وعند انتخابه رئيسا لحركة “حماس” في العام 2017، فإن قيادات عديدة من الحركة في غزة إما ابتعدت عن المشهد مثل الدكتور محمود الزهار أو غادرت إلى الخارج مثل رئيس المكتب السياسي الراحل إسماعيل هنية.
وتشير تقارير عديدة إلى أنه كاد يخسر رئاسة الحركة في غزة في الانتخابات التي جرت في مارس/آذار 2021.
وعكست مجريات الانتخابات في حينه وجود معارضة ملحوظة في صفوف الحركة لقيادته التي توصف بـ”الصارمة والشديدة”.
يذكر أن التصريح الوحيد الذي صدر عن السنوار منذ بدء الحرب كان يشير إلى الاستعداد لإتمام صفقة تبادل 241 إسرائيليا رهائن في قطاع غزة بجميع الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية والذين يزيد عددهم الآن على 6000.
aXA6IDJhMDI6NDc4MDphOjE0NTE6MDoxN2IzOjljNmY6MiA= جزيرة ام اند امز