الإمارات والهند.. تعاون ثقافي مزدهر يعزز الوئام والتسامح
تعاون ثقافي مزدهر بين دولة الإمارات والهند تتويجا للشراكة الاستراتيجية التي تربط البلدين والعلاقات التاريخية بينهما.
يرتقب أن يشهد هذا التعاون دفعة قوية مع الزيارة التي يجريها الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي إلى الهند، الأحد، ويلتقي خلالها رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي.
تعزيز التعاون الثقافي يحتل جانبا مهما من برنامج الزيارة، التي تعد الأولى للشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان إلى الهند منذ توليه مهام منصبه كولي عهد أبوظبي مارس/ آذار 2023.
ومن المقرر أن يحضر ولي عهد أبوظبي خلال الزيارة عدداً من الفعاليات التي تعكس عمق ومتانة الروابط الاقتصادية والثقافية التي تجمع بين دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية الهند الصديقة.
الأحفاد على درب الأجداد
الزيارة تعد امتدادا لعمق العلاقات التاريخية التي تجمع البلدين والتي رسخها المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.
وتستمد العلاقات الإماراتية – الهندية قوتها وزخمها من تاريخ طويل من اللقاءات الثنائية بين قادة الدولتين يعود إلى يناير 1975 حين قام المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، بزيارة تاريخية إلى الهند، التقى خلالها مع الراحل فخر الدين علي أحمد- رئيس جمهورية الهند آنذاك، والراحلة أنديرا غاندي – رئيسة وزراء الهند آنذاك.
وشهدت تلك الزيارة التوقيع على الاتفاقية الثقافية بين دولة الإمارات وجمهورية الهند، التي تعد الإطار الأساسي لتعزيز العلاقات الثقافية بين الشعبين الصديقين.
وأعقب تلك الزيارة وتلك الاتفاقيات زيارات عدة بين قادة ومسؤولي البلدين، توجت بتوقيع نحو 96 اتفاقية ومذكرة تفاهم لتعزيز التعاون بين الجانبين في مجالات من بينها الجانب الثقافي.
توقيت مهم
تأتي زيارة ولي عهد أبوظبي للهند في وقت يتزايد فيه التعاون الثقافي بين البلدين بوتيرة متنامية، تجلى مظاهره في أمور عدة من أبرزها:
– تأتي الزيارة بعد فترة قصيرة من صدور النسخة الهندية من كتاب “صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان: إضاءات في مسيرة رجل الإنسانية”.
الكتاب من تأليف الدكتور جمال سند السويدي، نائب رئيس مجلس أمناء مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.
وتُسهم الطبعة الهندية في تعريف العالم الناطق بتلك اللغة، بتفاصيل الدور الذي يقوم به الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، من أجل تعزيز التسامح ونشر قيم الأخوة الإنسانية وصناعة السلام وتعزيز الاستقرار في المنطقة والعالم إضافة إلى تحقيق الريادة العالمية لدولة الإمارات في جميع المجالات، الأمر الذي يسهم في تعزيز التعاون الثقافي بين البلدين.
– تأتي الزيارة بعد أشهر من افتتاح أول معبد هندوسي في أبوظبي وذلك خلال الزيارة التي قام بها رئيس وزراء الهند للإمارات فبراير / شباط الماضي، الأمر الذي يجسد عمق العلاقة بين دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية الهند، ويبعث رسالة سلام من هذه المنطقة إلى العالم أجمع، كما يعكس امتداد الإرث الطويل من التعايش السلمي في الدولة منذ افتتاح أول معبد هندوسي في دبي عام 1958.
وتقدم ناريندرا مودي رئيس وزراء الهند بجزيل الشكر للشيخ محمد بن زايد آل نهيان على دعمه الشخصي بمنح قطعة أرض لبناء معبد بابس في أبوظبي.
وأكدت الإمارات والهند أن المعبد يجسد الصداقة الإماراتية الهندية، والروابط الثقافية عميقة الجذور التي تجمع البلدين، كما يعكس التزام دولة الإمارات العالمي بتعزيز قيم الوئام والتسامح والتعايش السلمي بين الشعوب.
وخلال الزيارة نفسها، شهد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات وناريندرامودي رئيس وزراء الهند، توقيع عددا من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم، من بينها مذكرات تعزز التعاون الثقافي بين البلدين من قبيل:
– مذكرة تفاهم للتعاون مع مجمع التراث البحري الوطني، لوثال في ولاية غوجارات.
– بروتوكول تعاون بين الأرشيف والمكتبة الوطنية بدولة الإمارات والأرشيف الوطني الهندي.
وأشارت الإمارات والهند في بيان مشترك إلى أن بروتوكول التعاون بين الأرشيف الوطني في البلدين ومذكرة التفاهم للتعاون مع مجمع التراث البحري الوطني في لوثال بولاية غوجارات سيساعدان في ترسيخ جذور العلاقات الهندية الإماراتية التي تعود إلى قرون مضت والحفاظ على إرث التراث البحري المشترك.
واستعرض الجانبان خلال الزيارة نفسها سير العمل في إنشاء منتدى المجلس الثقافي الإماراتي – الهندي وعضوية المجلس من الجانبين، وشددا أيضًا على دور الدبلوماسية الثقافية والمعرفية في توطيد التفاهم المتبادل بما يحقق المنفعة للبلدين.
اتفاقيات تتوالى ودور عبادة تفتتح تبرز عراقة قيم التسامح والتعايش السلمي وحرية المعتقد في الدولة.
قيم جسدتها الإمارات على أرض الواقع، من خلال احتضانها لأكثر من 200 جنسية يمارسون معتقداتهم بحرية تامة، من بينهم من الجالية الهندية التي تعد أكبر جالية أجنبية في الإمارات.
تعاون أكاديمي
على صعيد التعاون الأكاديمي، تأتي زيارة الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، بعد أيام من افتتاحه رسميا 2 سبتمبر/ أيلول الجاري المعهد الهندي للتكنولوجيا دلهي – أبوظبي، أول فرع خارج الهند في العالم للمؤسسة الهندية العريقة المتخصصة في مجال الأبحاث والتعليم العالي في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات.
وشهد ولي عهد أبو ظبي خلال الافتتاح إطلاق شراكات تعليمية استراتيجية بين المعهد الهندي للتكنولوجيا – دلهي وفرعه الجديد في أبوظبي ومجموعة رائدة من مؤسسات التعليم العالي في الإمارة، بما في ذلك جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا، وجامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، وجامعة السوربون أبوظبي، وجامعة زايد.
وسيعمل المعهد الهندي للتكنولوجيا – دلهي أبوظبي على التعاون مع جامعة خليفة بموجب هذه الشراكة من خلال برامج البحث الأكاديمي، واستخدام المرافق البحثية والمختبرات العلمية، والإشراف على برامج لتبادل الطلاب وأعضاء هيئة التدريس في إطار دعم جهود تبادل الخبرات والمعارف.
كما ستتيح الشراكة مع جامعة السوربون أبوظبي المشاركة في مشاريع بحثية مشتركة، وتبادل الطلاب على مستوى الدراسات العليا، وعقد الندوات والاجتماعات العلمية.
وستشارك جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي في الأبحاث المشتركة من خلال تخصيص منح مشتركة لدعم مشاريع بحثية أساسية، إلى جانب التعاون في تنظيم برامج تعليمية وتدريبية قصيرة المدة، واستضافة برامج التدريب التطبيقي للطلبة.
من خلال هذه الشراكة أيضاُ، ستعمل جامعة زايد على استضافة برامج تبادل للطلاب وأعضاء هيئة التدريس، والتعاون في مجالات التعليم والبحث، والإشراف المشترك على أبحاث التخرج، وتنظيم فعاليات أكاديمية تشمل مؤتمرات مشتركة وندوات بحثية ومنافسات طلابية وورش عمل علمية في مختلف التخصصات الأكاديمية.
واطّلع ولي عهد أبوظبي، خلال جولة تفقدية شملت مختلف مرافق المؤسسة التعليمية، على البرامج الأكاديمية للمعهد، ومن ضمنها برنامج البكالوريوس في التكنولوجيا في تخصُّص هندسة الطاقة، وبرنامج الهندسة وعلم الحاسوب، التي تهدف إلى تزويد الطلبة بالمعارف والمهارات الضرورية لإيجاد الحلول المبتكرة للتحديات المرتبطة بالطاقة والإسهام في رسم ملامح المستقبل الرقمي؛ كما اطّلع على أبرز محاور برنامج ماجستير الاستدامة وتحوُّل الطاقة، الذي يهدف إلى إعداد جيل جديد من قادة المستقبل في مجال الاستدامة لمواصلة دعم الجهود العالمية لتطبيق الحلول المستدامة في مسيرة الانتقال إلى الطاقة المتجددة.
وأُنشئ المعهد الهندي للتكنولوجيا – دلهي أبوظبي بموجب مذكرة تفاهم تم توقيعها بحضور الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، وناريندرا مودي، رئيس وزراء الهند في يوليو/ تموز 2023، بين دائرة التعليم والمعرفة – أبوظبي، ووزارة التعليم الهندية، والمعهد الهندي للتكنولوجيا – دلهي، لإنشاء فرع للمعهد في أبوظبي.
ندوات وفعاليات
وتتوثق عرى التعاون الثقافي بين البلدين يوما بعد يوم، في ظل المباحثات المتواصلة بين مسؤولي البلدين، والزيارات المتبادلة بينهما، واتفاقيات التعاون والشراكة، والفعاليات والندوات المشتركة التي تقام في البلدين.
ضمن أحدث تلك الفعاليات، نظمت هيئة الشارقة للآثار خلال مشاركتها في أعمال الدورة الـ46 للجنة التراث العالمي التي عقدت في مدينة نيودلهي بالهند يوليو/ تموز الماضي ندوة بعنوان “الحفاظ الرقمي: ضمان الإرث الثقافي”.
سلطت الهيئة من خلالها الضوء على التزامها بأهداف استراتيجية واضحة لصون التراث الثقافي وتوثيقه مما يجعله متاحًا للمجتمع المحلي وللجمهور والأكاديميين ونشر الدراسات الخاصة به.
على صعيد ذي صلة، استضاف مركز إكسبو الشارقة، خلال الفترة من 7 وحتى 9 يونيو/ حزيران الماضي ، فعاليات النسخة السادسة من المعرض الهندي التجاري الثقافي “اكتشف كيرلا”.
وشهد المعرض، على مدار 3 أيام، تنظيم مجموعة من البرامج الثقافية والندوات التجارية والأمسيات الفنية والمسابقات بالإضافة إلى تخصيص ردهات للمأكولات الشعبية والعروض المختلفة ومهرجان للمأكولات الخاصة بولاية كيرلا ومسابقات في الطهي، فضلا عن إطلاق جوائز التميز للسيدات إلى جانب عدد من الفعاليات الأخرى.
أيضا أسهمت المشاركات المتبادلة في معارض الكتاب في البلدين بدور مهم في تعزيز التعاون الثقافي والمعرفي بين البلدين.
وشاركت هيئة الشارقة للكتاب في معرض نيودلهي الدولي للكتاب 2024 الذي نظمه الصندوق الوطني للكتاب في الهند خلال الفترة من 10حتى 18 فبراير / شباط الماضي في ميدان براغاتي في العاصمة الهندية.
وشهد جناح هيئة الشارقة للكتاب في المعرض إقبالاً كبيراً من الزوار الذين أبدوا اهتماماً بالكتب العربية المترجمة إلى اللغة الهندية للشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة والتي تتناول جوانب مختلفة من تاريخ المنطقة وعلاقاتها مع مختلف دول العالم وتسلط الضوء على الإسهامات العلمية والفكرية والفنية للحضارة العربية والإسلامية.
وأجرت هيئة الشارقة للكتاب خلال مشاركتها عدة لقاءات مع مختلف الجهات والمؤسسات المعنية بقطاع النشر في الهند والعالم حيث تم تبادل الخبرات والمعارف والرؤى والمقترحات لتطوير القطاع وتعزيز التعاون المشترك.
كما عقد وفد الهيئة اجتماعاً مع اتحاد الناشرين في الهند تم خلاله استعراض الأنشطة والمبادرات التي يقوم بها الاتحاد لدعم الناشرين والمؤلفين والتعرف على سوق النشر الهندي والفرص والتحديات التي يواجهها.
وفي عام 2019 حلت الهند ضيف شرف معرض أبوظبي للكتاب الذي شهد للمرة الأولى إطلاق “وثيقة المليون متسامح” بالتزامن مع عام التسامح,
كما شاركت الهند “كضيف الشرف” في مهرجان أبوظبي الثقافي السنوي في دولة الإمارات في مارس/ آذار من العام 2018، حيث استعرضت فيه الهند ثرواتها الثقافية المتنوعة إلى العالم.
وشهدت النسخة السابعة والعشرون من معرض نيودلهي الدولي للكتاب الذي أقيم في يناير/ كانون الثاني 2019، مشاركة الشارقة كضيف شرف لها.
علاقات تاريخية
وتربط الإمارات والهند علاقات تاريخية راسخة بدأت مع تأسيس الدولة عام 1971، فيما تم تدشين العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عام 1972.
وزادت قوة العلاقات منذ الزيارة التاريخية التي قام بها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان إلى الهند عام 1975، والتقى خلالها مع الراحل فخر الدين علي أحمد- رئيس جمهورية الهند آنذاك، والراحلة أنديرا غاندي – رئيسة وزراء الهند آنذاك وشهدت الزيارة التوقيع على الاتفاقية الثقافية بين دولة الإمارات وجمهورية الهند، التي تعد الإطار الأساسي لتعزيز العلاقات الثقافية بين الشعبين الصديقين.
كما زار المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الهند في أبريل/ نيسان 1992 وشهدت الزيارة توقيع الاتفاقية الثنائية لتجنب الازدواج الضريبي على الدخل ورأس المال بين البلدين.
وأجرى رئيس الهند الأسبق فخر الدين علي أحمد عام 1976 زيارة رسمية هي الأولى لرئيس هندي للإمارات، أعقبها زيارة لرئيسة وزراء الهند الراحلة أنديرا غاندي عام 1981.
لتتوالى بعدها زيارات متبادلة ساهمت في تعزيز أواصر التعاون، وهو ما تم تتويجه من خلال التوقيع على اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين خلال زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان للهند في يناير/كانون الثاني 2017، ثم إطلاق الرؤية الإماراتية – الهندية المشتركة وتوقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة في فبراير/شباط 2022.
وشهدت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين نموا بوتيرة متسارعة، توج في يونيو/حزيران 2023 بافتتاح قنصلية جديدة لدولة الإمارات في حيدر آباد.
وتعد القنصلية الثالثة لدولة الإمارات في الهند بعد قنصليّتي مومباي وكيرلا، في إطار تعزيز العلاقات المتنامية بين البلدين.
ولا تقوم العلاقات بين الهند ودولة الإمارات على التعاون في المجالات الاقتصادية فحسب، وإنما تتجاوز ذلك إلى تقاسم وجهات النظر حول العديد من الملفات الساخنة في المنطقة والعالم.
وترى دولة الإمارات في الهند صديقا وشريكا استراتيجيا يشاركها في جهود إرساء دعائم الأمن والسلم على المستويين الإقليمي والدولي عبر قيام البلدين بالتنسيق وتبادل وجهات النظر في أبرز القضايا والتطورات الجيوسياسية في المنطقة والعالم.
aXA6IDJhMDI6NDc4MDphOjE0NTE6MDoxN2IzOjljNmY6MiA=
جزيرة ام اند امز