اليوبيل الفضي للملك حمد.. مسيرة قائد تتوج أعياد البحرين الوطنية
أهمية خاصة تحملها احتفالات البحرين بأعيادها الوطنية هذا العام، لتزامنها مع اليوبيل الفضي لتولي الملك حمد بن عيسى آل خليفة مقاليد الحكم.
وتحتفل البحرين بأعيادها الوطنية يومي 16 و17 ديسمبر/كانون الأول من كل عام، إحياء لذكرى قيام الدولة البحرينية الحديثة في عهد المؤسس أحمد الفاتح؛ دولة عربية مسلمة عام 1783، والذكرى الـ53 لانضمامها للأمم المتحدة كدولة كاملة العضوية، وتتزامن هذا العام مع الذكرى الـ25 لتسلم عاهل البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة مقاليد الحكم.
يحتفل الشعب البحريني، بالذكرى 25 لتولي ملك البلاد حمد بن عيسى آل خليفة مقاليد الحكم، وسط امتنان وتقدير لقائد مسيرة التنمية، الذي أطلق على مدار 25 عاما من حكمه مبادرات ملهمة تعزز التنمية والازدهار والتسامح والسلام.
وازدانت شوارع مملكة البحرين وطرقاتها ومبانيها ومعالمها الرئيسية بصور الملك حمد بن عيسى آل خليفة وولي عهده الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، يتخللها علم “اليوبيل الفضي”، إلى جانب الإنارة الليلية باللونين الأبيض والأحمر والتي تعبر عن ألوان علم مملكة البحرين، ترافقها اللوحات التي تحمل عبارات التهاني والتبريكات بهذه المناسبة الوطنية، وتتضمن شعارات وكلمات تجسد القيم الوطنية والهوية والانتماء الأصيل.
تحل تلك الذكرى في وقت تترأس فيه البحرين الدورة الحالية للقمة العربية، وتواصل جهودها لتعزيز التضامن العربي.
واستضافت مملكة البحرين يوم 16 مايو/أيار، أعمال اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة في دورته العادية الثالثة والثلاثين، وذلك للمرة الأولى في تاريخها.
أيضا تحل تلك الذكرى في وقت تمضي فيها العلاقات الأخوية التاريخية بين الإمارات والبحرين إلى آفاق أرحب، الأمر الذي توج بعقد 5 لقاءات وقمم بين الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات وعاهل البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة على مدار العام الجاري، خلال 5 زيارات متبادلة.
تأتي احتفالات البحرينيين أيضا باليوبيل الفضي لحكم الملك حمد في وقت تحقق فيه بلادهم إنجازات في مختلف المجالات برعاية وتوجيهات قائد مسيرة التنمية.
مواصلة مسيرة التنمية
وفي خطابه خلال افتتاح دور الانعقاد الثالث من الفصل التشريعي السادس لمجلسي الشورى والنواب 13 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، جدد عاهل البحرين العهد على مواصلة مسيرة التنمية والبناء.
وقال في هذا الصدد: “وها نحن، ومنذ انطلاقة العهد قبل خمسة وعشرين عاماً، نلتزم بما نذرنا النفس بالعمل بمقتضاه، وكما أجمعت عليه إرادتنا المشتركة، لصون مصالحنا الوطنية العليا في دولة المؤسسات والقانون، التي نفخر اليوم، بمعمارها التنموي المتجدد، وبمجتمعها المتآلف والتواق للمزيد من التقدم”.
وأكد “على أهمية استكمال الخطط المنبثقة من رؤية البحرين الاقتصادية 2030، التي تشهد نتائجها تطوراً ملحوظاً، وتعكسه مؤشرات الأداء والتنافسية، وطنياً ودولياً، ونوجه هنا، لتسريع العمل على نسختها القادمة للعام 2050، لتشمل تصوراً متجدداً لمستقبل بلادنا وأجيالها، للحفاظ على موقعها المتقدم كدولة ذات نهضة عصرية، تلتزم بقيم شريعتها الإسلامية، وبكل ما يوثّق روابطها القومية، ويحصّن هويتها الوطنية كعنصر أصيل للتنمية الشاملة والتربية الوطنية المبكرة.”
ومنذ توليه الحكم شهدت البحرين في عهد الملك حمد بن عيسى آل خليفة نقلة نوعية ومنعطفا تاريخيا مهما، بإعلانه الإصلاحات الدستورية والميثاق الوطني عام 2001، الذي عادت من خلاله الحياة البرلمانية والديمقراطية إلى المملكة.
وخلال ربع قرن من الزمان، شهدت منظومة الأمن والاستقرار في مملكة البحرين، رسوخا واضحا انعكس على أمان المجتمع وطمأنينته، وتراجع مستوى الجريمة بنسبة 30% في ظل تطبيق الاستراتيجية الأمنية التي أطلقها الفريق أول الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة وزير الداخلية والتي تعتمد الشراكة المجتمعية منهجا، وتضع الأمن المجتمعي في الصدارة.
وأصبحت حقوق الإنسان، تشكل حضورا، بل وامتزاجا عميقا في كل مفاصل العمل الأمني، وليس أدل على ذلك من المشروع الوطني الحضاري للعقوبات البديلة وبرنامج السجون المفتوحة، والذي يمثل تجسيدا واقعيا للقيم الإنسانية والمبادئ الحضارية التي تحتويها الرؤى الملكية، ونجح خلال فترة زمنية قصيرة أن يحقق، جائزة التميز الحكومي العربي، كأفضل مشروع حكومي عربي لتنمية المجتمع للعام 2024.
أيضا شهد فبراير/ شباط الماضي، تدشين عاهل البحرين عدد من الطائرات العمودية التي دخلت الخدمة حديثًا ضمن العديد من المنظومات العسكرية المتطورة في مختلف أسلحة قوة دفاع البحرين، في إطار مشروع درع البحرين الخاص بالطائرات العمودية المقاتلة.
ويأتي اقتناء هذه الطائرات الحديثة في إطار حرص القيادة البحرينية على التطوير والتحديث المستمر لمنظومات الدفاع، وذلك من أجل مواكبة التطورات العسكرية والتكنولوجيا المتقدمة، وبما يخدم دعائم ومرتكزات سلاح الجو الملكي البحريني.
كذلك شهد العام الجاري تدشين سفينة مملكة البحرين (خالد بن علي) إيذانًا بدخولها الخدمة في سلاح البحرية الملكي البحريني.
على الصعيد الاقتصادي، استطاعت البحرين أن تؤسس بنية اقتصادية حديثة ومتنوعة عززت مكانتها مركزا تجاريا وماليا وسياحيا رئيسيا في المنطقة.
وتحل الأعياد الوطنية في وقت يجني فيها الشعب البحريني ثمار الإنجازات التي تحققها بلادهم على مختلف الأصعدة.
دروس خالدة
ورغم توليه مقاليد الحكم يوم وفاة والده الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، في 6 مارس/آذار 1999، إلا أن ملك البحرين آثر استمرار احتفال البلاد بأعيادها الوطنية يومي 16 و17 ديسمبر/كانون الأول الذي يصادف توقيت تولي والده السلطة رسميا عام 1961، ليؤرخ بالتاريخ نفسه ذكرى عيد الجلوس.
أيضا في لفتة مهمة أخرى، سبق أن أن وجه عاهل البحرين بتخصيص السابع عشر من ديسمبر/كانون الأول والذي يصادف عيد جلوسه ليكون يوما للشهيد، في أكبر احتفاء وهدية وتكريم للشهداء الأبرار لما قدموه لوطنهم وأمتهم من تضحية وفداء، في لفتة، تدل على المكانة العالية التي يحتلها الشهداء في ضمير ووجدان القيادة والشعب.
وودعت الإمارات والبحرين خلال العام الجاري 4 من شهداء منتسبي القوات المسلحة الإماراتية وضابط من قوة دفاع البحرين صعدت أرواحهم إلى بارئها إثر تعرضهم لعمل إرهابي في الصومال 10 فبراير/شباط الماضي، أثناء أدائهم مهام عملهم في تدريب وتأهيل القوات المسلحة الصومالية.
امتزجت دماء أبناء البلدين؛ دعما للحق والشرعية ودعم الأمن والاستقرار والسلام في شتى بقاع المعمورة، وذلك امتدادا للعلاقات التاريخية الاستراتيجية بين الإمارات والبحرين، وتعاونهما في مواجهة التحديات ودعم الأمن والاستقرار.
وتعد ذكرى عيد الجلوس واليوم الوطني إلى جانب كونها مناسبة وطنية مهمة، فإنها تحمل دروساً خالدة وقيم نبيلة في الوفاء، كما تعد فرصة يعبر فيها أهل البحرين عن مشاعر الفخر والامتنان والتقدير لقائد نهضة بلادهم على مدار 25 عاما.
سيرة حافلة
والملك حمد بن عيسى آل خليفة هو أكبر أبناء أمير دولة البحرين السابق الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة؛ حيث ولد في مدينة الرفاع 28 يناير/كانون الثاني 1950، والتحق بالمدرسة الابتدائية في السادسة من عمره.
ومع انتهاء دراسته المتوسطة سنة 1964 بتفوق، أعلن رسميا توليه ولاية العهد، يوم 27 يونيو/حزيران من العام نفسه، وهو في الرابعة عشرة من عمره، وذلك بعد 3 سنوات من تولي والده مقاليد الحكم في 16 ديسمبر/كانون الأول 1961.
ثم التحق بالدراسة الثانوية في مدرسة ليز بمدينة كامبردج بإنجلترا، وبعدها التحق في 14 سبتمبر/أيلول 1967 في كلية مونز الحربية للضباط في مدينة درشوت همبشارير وتخرج فيها يوم 14 فبراير/شباط 1968.
وبعد عودته إلى البحرين، قام بوضع خطة لإنشاء قوة دفاع البحرين التي تم تعزيزها ببراءة أميرية في مستهل شهر أغسطس/آب سنة 1968، وظل الملك متوليا منصب القائد العام لقوة دفاع البحرين منذ بداية تأسيسها وحتى توليه مقاليد الحكم عام 1999.
كذلك شغل منصب رئيس مديرية الدفاع وأصبح عضوا في مجلس الدولة الذي تم تأسيسه في 19 يناير/كانون الثاني 1970، وعقب استقلال البحرين في 15 أغسطس/آب 1971، وتشكيل مجلس الوزراء أصبح وزيراً للدفاع.
وفي 21 يونيو/حزيران 1972، التحق الملك حمد بمقره العسكري التدريبي بكلية القيادة ورئاسة الأركان في فورت ليفنوورث (كانساس) بالولايات المتحدة الأمريكية، ومنح وسام الحرية لمدينة كانساس من قبل عمدة وشعب مدينة كانساس.
وخلال أوقات فراغه في ليفنويرث كان يتلقى مقرراً في المراسلات الخارجية للكلية الصناعية للقوات المسلحة في واشنطن، حيث نال شهادة الدبلوم الوطنية في الإدارة العسكرية، وذلك في 31 مايو/أيار 1972.
ويوم 26 يونيو/حزيران 1972 حصل على شهادة الشرف العسكرية من الولايات المتحدة الأمريكية وذلك تقديراً لما أنجزه في الشؤون العسكرية منذ عام 1968، ونتيجة ذلك تم وضع اسمه ضمن الأسماء المدرجة في لوحة الشرف للضباط في الجامعة.
بعد عودته من الولايات المتحدة الأمريكية انهمك بشكل جاد في العمل على دفع عجلة التطور والتوسع في بلاده بصورة عامة وفي قوة دفاع البحرين بصورة خاصة.
وجرى تعيينه في 26 يونيو/حزيران 1974، نائبا لرئيس مجلس عائلة آل خليفة بعد مرسوم أميري صدر في هذا السياق، كما تم تعيينه رئيسا للمجلس الأعلى للشباب والرياضة في عام 1975.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 1977، بدأ تدريبه على طائرات الهليكوبتر، وقد تخرج طيارا يتمتع بكفاءة تامة في قيادتها، وذلك في 14 يناير/كانون الثاني 1978.
ومنذ ذلك الحين، سار قدماً في إنشاء جناح الدفاع الجوي لقوة دفاع البحرين.
مقاليد الحكم
بعدما قضى 35 عاما وليا لعهد البلاد تقلد فيها كثير من المناصب واكتسب كثيرا من الخبرات، تولى الملك حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة الحكم أميراً للبحرين (حيث كانت البلاد ما زالت إمارة) يوم السبت 6 مارس/آذار 1999م، في نفس يوم وفاة والده.
وفي 9 مارس/آذار 1999م، أصدر مرسوماً أميرياً يقضي بتعيين ابنه الأكبر الشيخ سلمان بن حمد بن عيسى آل خليفة ولياً للعهد.
وبعد نحو عام من توليه الحكم، أصدر الملك حمد قرارا في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2000 بتشكيل لجنة وطنية لإعداد ميثاق العمل الوطني، وقد تسلم مشروع الميثاق في الشهر التالي، وتم طرحه على الاستفتاء في 14 و15 فبراير/شباط 2001، ووافق عليه 98.4% من المواطنين.
ومشروع ميثاق العمل الوطني في البحرين يُعد وثيقة تاريخية، احتوت على مبادئ عامة وأفكار رئيسية، الهدف منها إحداث تغييرات جذرية في منهج العمل والأداء.
المشروع الإصلاحي
ومثّل هذا الميثاق قاعدة انطلق منها المشروع الإصلاحي الذي أطلقه ملك البحرين، وشمل إحداث تغييرات جذرية في الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، حيث تم بموجبه إعادة إحياء الحياة السياسية والديمقراطية في البحرين بعد أن توقفت عام 1975.
وقد غدا الميثاق الوطني القاعدة الأساسية لجميع التغييرات السياسية التي شهدتها المملكة في عصرها الإصلاحي الشامل.
ففي الذكرى الأولى لتدشين ميثاق العمل الوطني، عُدل دستور البلاد في 14 فبراير/شباط 2002، وأعلن ملك البحرين في خطاب له تحول البلاد من إمارة إلى مملكة دستورية.
كما مهّد الميثاق إلى إجراء انتخابات المجالس البلدية في مايو/أيار من العام نفسه، ثم انتخاب أعضاء مجلس النواب في أكتوبر/تشرين الأول وانعقاد أولى جلساته في 2002 لتبدأ المسيرة الديمقراطية في مملكة البحرين عهدا جديدا.
ولم تقتصر التغيرات الإيجابية التي شهدتها البحرين على تلك النواحي، بل اشتملت على تعزيز دور المرأة في الحياة السياسية، الأمر الذي أهَّلها إلى دخول البرلمان.
وتتويجا لتلك المسيرة الديمقراطية، شهدت البحرين انتخابات نيابية وبلدية نوفمبر/تشرين الثاني 2022 لانتخاب 40 عضوا في مجلس النواب و30 عضوا في المجلس البلدي، وتوجت بانتخاب برلمان ومجلس بلدي جديدين.
وبلغت نسبة المشاركة في الانتخابات 73.18%، وهي أعلى نسبة مشاركة منذ انطلاق أول انتخابات عام 2002، في رسالة تؤكد نجاح مسيرة الإصلاحات التي قادها عاهل البلاد في تحقيق أهدافها.
مستقبل واعد
وعلى الصعيد الاقتصادي، صادق الملك حمد بن عيسى آل خليفة على الرؤية الاقتصادية 2030 في أكتوبر/تشرين الأول 2008 التي رسمت ملامح واضحة للتطوير والنمو الاقتصادي بما يعكس جهود المملكة وحرصها على بناء حياةٍ أفضل لكافة أفرادها.
ومنذ إطلاق الرؤية، حرص مجلس التنمية الاقتصادية بمملكة البحرين على طرح العديد من البرامج والمبادرات التي تهدف لتحقيق الإصلاح الاقتصادي في المملكة، بالتنسيق والتعاون مع الجهات الحكومية والمؤسسات الخاصة ومؤسسات المجتمع المدني.
وعلى صعيد السياسة الخارجية، واصلت مملكة البحرين في عهد الملك حمد جهودها ومساعيها من أجل تعزيز علاقاتها بدول العالم كافة والدفاع عن القضايا العربية والإسلامية في كل المحافل والمنابر الدولية، وتترأس البحرين منذ مايو / آيار الماضي الدورة الحالية للقمة العربية.
كما التزمت المملكة بسياسة واضحة المبادئ والثوابت في علاقتها مع دول الجوار الخليجي ودول مجلس التعاون.
وشارك الملك حمد بصورة شخصية ناشطة في معظم المؤتمرات والمحافل الدولية المعنية بإنشاء السلام العالمي والتخفيف من معاناة الشعوب، وكان دائما على الخط الخليجي مبادرا لتعزيز الصف وتوكيد أواصر علاقات التعاون والتنسيق بين الأشقاء.
وتحتفل مملكة البحرين بأعيادها الوطنية واليوبيل الفضي لتولي عاهل البلاد مقاليد الحكم وهي تتطلع للمستقبل بمزيد من التفاؤل والأمل، في ظل ما تشهده البلاد من إنجازات بتوجيهات قائد مسيرة التنمية.
aXA6IDIxMy4xNjUuMjQ3LjkzIA== جزيرة ام اند امز