اخبار الامارات

مستقبل العلاقات الغربية الصينية ‹ جريدة الوطن

شهدت العلاقات الصينية-الأمريكية نهاية هذا العام 2023، العديد من الأحداث والتصريحات التي في مجملها يمكن أن تؤشّر، للمرة الأولى ومنذ فترة ليست بالقصيرة، على بوادر إخماد ما بات يوصف بـ”حرب باردة جديدة” بين البلدين.
ومن أهم مؤشرات التهدئة والتعاون بين الجانبين في الفترة الأخيرة دعوة وزير الخارجية الصيني إلى تنمية سليمة ومطّردة ومستدامة للعلاقات الصينية-الأمريكية، وذلك خلال محادثة هاتفية مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، بناءً على طلب الأخير. كما يبدو أن الاجتماع الأخير نهاية هذا العام بين الرئيس الصيني شي جينبينغ ونظيره الأمريكي جو بايدن في كاليفورنيا كان قد وضع رؤية لمستقبل العلاقات الأمريكية-الصينية مؤسسة على وضع معيار مفاده أن المنافع والتعاون المتبادل هي أساس العلاقات بين البلدين.
ولكن برغم التهدئة الحالية في العلاقات بين البلدين، فلا يجوز نسيان أن هناك كثيرًا من المشكلات العميقة والهيكلية والعديد من المخاطر والتحديات التي يتعين معالجتها بشكل مشترك، فالاجتماع الأخير بين الرئيسين ينبغي ألا يكون خط النهاية، بل نقطة انطلاق جديدة.

فعلى سبيل المثال، وبالرغم من وصول مستوى التجارة بين الولايات المتحدة والصين آخر عام 2023 إلى مستوى قياسي، يبدو أن تحقيق التوازن بين الأمن القومي والمصالح التجارية صعب التحقق بين البلدين؛ مما سيؤدي -ربما في قابل الأيام- إلى تجدد المظاهر التنافسية الحادة بين البلدين. فذوبان الجليد في العلاقات بين الولايات المتحدة والصين هو نتاج تلاقي “المنافسة بين الطرفين” مع “الاعتماد المتبادل لكليهما على الآخر”.
على مستوى العلاقات الصينية-الأوروبية، يمكن القول بأنها مازالت تتراوح بين التنافس والتعاون والتمايز عن العلاقات الأمريكية-الصينية، ولكن غلب عليها مؤخرًا مؤشرات على تزايد وتيرة التعاون بين الجانبين، مثل لقاء الرئيس الصيني شي جينبينغ في بكين أول ديسمبر 2023 رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال، في إطار قمة بين الاتحاد الأوروبي والصين، عُقد خلالها أكثر من 70 اجتماعًا أو حوارًا مؤسسيًّا.
وفي سياق تلك القمة أكد الرئيس الصيني أنه في الوقت الذي تسعى فيه بلاده لتحقيق تنمية عالية الجودة وانفتاح عالي المستوى، فإنها ترى في الاتحاد الأوروبي شريكًا رئيسيًّا للتعاون الاقتصادي والتجاري، وشريكًا مفضلًا للتعاون العلمي والتكنولوجي، وشريكًا جديرًا بالثقة للتعاون في مجالَيْ السلاسل الصناعية وسلاسل الإمداد. فيما أعرب القادة الأوروبيون عن أنهم لا يريدون الانفصال عن الصين، ويعتقدون أن التنمية المستقرة طويلة الأجل للاقتصاد الصيني تصب في مصلحة أوروبا. كما تعهد الجانبان الصيني والأوروبي بالتمسك بالتعددية وممارستها، وتعزيز التنسيق داخل الأمم المتحدة وغيرها من الأطر متعددة الأطراف، ودفع إصلاح منظمة التجارة العالمية، والعمل معًا لمواجهة التحديات العالمية؛ مثل: الأمن الغذائي، وتغير المناخ، والصحة العامة.
وبالرغم من أن الكثير من المراقبين يرون أن اجتماع قادة الصين وأوروبا قد أرسل إشارة إيجابية من الحوار والتعاون لمواجهة التحديات المشتركة -وهو أمر مرحَّب به في ظل الاضطرابات المتزايدة التي يشهدها العالم – فإن الملفّات التي تباعد بين الصين والاتّحاد الأوروبي (الصين وأوروبا أكبر شريكين تجاريين، حيث تتدفق بينهما بضائع تقدر قيمتها بنحو 100 مليون دولار أمريكي كل ساعة) لاتزال كثيرة، وفي مقدّمها العجز التجاري الكبير بين الطرفين، والحرب في أوكرانيا. كما أن هناك إشارات مقلقة أخرى، مثل انسحاب إيطاليا من خطة “الحزام والطريق” رسميًّا.
فهل ستأخذ قمَّتا كاليفورنيا وبكين العلاقات الصينية الغربية إلى مرحلة جديدة من التعاون برغم المعوقات والتنافس؟ وحده عام 2024 هو الذي يستطيع الإجابة عن هذا السؤال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى