انسحاب النيجر من بحيرة تشاد.. «شرخ جديد» بجدار مكافحة الإرهاب

وسط مشهد إقليمي متوتر، جاءت خطوة النيجر بالانسحاب من القوة العسكرية المشتركة لحوض بحيرة تشاد لتضيف مزيدًا من التعقيد إلى معادلة الأمن في المنطقة.
هذه القوة، التي تشكلت لمواجهة خطر التنظيمات الإرهابية التي تعيث فسادًا في دول المنطقة، تجد نفسها اليوم أمام اختبار وجودي، حيث يهدد انسحاب أحد أركانها الرئيسية بانهيارها الكامل، وفي ظل تصاعد الهجمات المسلحة وتزايد التحديات الأمنية، يصبح مستقبل الاستقرار في هذه البقعة الحيوية على المحك، بينما تتجه الأنظار إلى ردود فعل بقية الدول الأعضاء وقدرتها على احتواء التداعيات.
وبينما رأى خبراء لـ«العين الإخبارية» أن القرار محاولة للضغط على الحكومة التشادية للانخراط بشكل أكبر في في تحالفات منطقة الساحل الأفريقي، وكذلك غياب الثقة في إنجامينا وعلاقتها بفرنسا، اعتبره آخرون خطوة اعتيادية من النيجر التي تريد أن تركز جهودها لحماية منشآتها النفطية.
وفي 2015، أعادت جيوش نيجيريا والنيجر والكاميرون وتشاد وكذلك بنين، تنشيط قوة متعددة الجنسيات ومختلطة (القوة المشتركة)، التي كانت أنشئت في 1994 بهدف محاربة التنظيمات الإرهابية الناشطة في المنطقة.
وتمتد ضفاف حوض بحيرة تشاد، بين نيجيريا والنيجر والكاميرون وتشاد. والحوض عبارة عن بحيرة واسعة ومستنقعات وجزر تتمركز فيها مجموعات إرهابية مثل “بوكو حرام” وتنظيم داعش في غرب أفريقيا، وكانت تشاد قد لوّحت بالانسحاب في نهاية عام 2024 من القوة، إثر هجوم أسفر عن مقتل نحو 40 من جنودها.
محاولة للضغط
وتعقيبا على القرار، أوضح الباحث السوداني في الشؤون الأفريقية، محمد تورشين، أن القوة العسكرية التي سحبتها النيجر من حوض بحيرة تشاد هي محاولة للضغط على الحكومة التشادية.
وأوضح تورشين لـ “العين الإخبارية” أن هناك خلافات وتباينات في وجهات النظر بين الجانبين، وبهذه الخطوة تحاول النيجر وكذلك دول الساحل الأفريقي فرض أكبر قدر من التأثير على تشاد ودول بحيرتها، مضيفا “أعتقد أن هذه المحاولة الغرض الأساسي منها هو دفع الجانب التشادي إلى الانخراط في منظومة الساحل الأفريقي، ورغم أن تشاد جيشها من أفضل الجيوش في المنطقة، إلا أن هذا الانسحاب سيكون له ما بعده، وسينعكس بصورة سالبة على أمن واستقرار منطقة البحيرات العظمى”.
مزيد من التحديات
وأكد الباحث السوداني أنه سيكون هناك تنامٍ لتنظيمي «داعش» و«بوكو حرام» وغيرهما من الجماعات الإرهابية الموجودة في المنطقة، معتبرا أن الجانب النيجري بهذه الخطوة يسعى إلى تأمين التحالفات التي تم تشكيلها في الساحل.
وفي مارس/آذار 2024، أعلنت مالي وبوركينا فاسو والنيجر إنشاء قوة مشتركة لمكافحة الإرهاب، تلاه في يوليو/تموز إعلان قادة الدول الثالث إنشاء “كونفدرالية دول الساحل” لدولهم الثلاث والقطيعة التامة مع دول غرب أفريقيا (إيكواس).
ويرى تورشين أن “المسألة ستكون أكثر تعقيدا وأن تداعياتها ستنعكس بشكل وبآخر على منطقة الساحل الأفريقي، لأن نشاط التنظيمات الإرهابية لن يقتصر على تلك المنطقة، وربما يتجاوز الحدود إلى خليج غينيا، وكذلك منطقة الساحل”، مضيفا “هذه التنظيمات لديها تجارب وأعمال من قبل في تلك الأماكن، وهو ما سيفتح الباب على مزيد من التحديات على المنطقة بأكملها”.
فقدان الثقة
بدوره، يقول الخبير التشادي في الشؤون الأفريقية الدكتور محمد شريف جاكو، أن أسباب انسحاب القوة العسكرية النيجرية من حوض بحيرة تشاد تعود إلى أزمة العلاقات بين فرنسا والنيجر ومالي وبوركينا فاسو.
وأوضح جاكو لـ “العين الإخبارية” أنه عندما حدثت الأزمة بين النيجر وفرنسا عقب طرد القوات الفرنسية وتقليل النفوذ الفرنسي في دول الساحل الأفريقي تم تقليل الاعتماد على هذه القوة، مضيفا أن النيجر بعد الانقلاب العسكري فيها تدهورت علاقاتها مع نيجيريا والتي تتزعم المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا (إيكواس).
ووفق الخبير التشادي فإن كل ذلك أدى إلى التقليل من الثقة بهذه القوة كحماية لمصالح الدول الأربعة، مشيرا إلى أن الهجوم على القوات التشادية في المنطقة وهي عضو في هذه المجموعة، والذي أدى إلى مقتل أكثر من 40 عسكريا تشاديا في 2024.
وتابع: “آنذاك، انتقل الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي إلى المنطقة، وحاول أن يرسل قوة داخل أراضي بعض الدول المطلة على بحيرة تشاد لمطاردة القوات المهاجمة، لكن جميع الدول المجاورة رفضت أن تسمح بذلك، برغم أنه وفقا للاتفاقيات بينها فإن أي دولة لها الحق في مطاردة العدو داخل أراضي الدولة الأخرى باعتبار أن عدوهم واحد”، لافتا إلى أن هذا الرفض يعود إلى أن تشاد مدعومة من فرنسا، وأن هذا ما أغضب الحكومة التشادية وهددت من الانسحاب من المجموعة بشكل فردي، لافتا إلى أنه “لم تتوسط أي دولة من المجموعة لإعادتها من جديد، وكأن انسحابها غير مهم”.
أسباب الانسحاب
واعتبر الخبير التشادي أن انسحاب القوات النيجرية ما هو إلا تبرير من الحكومة، فمن ناحية تريد أن تركز كل قوتها لحماية منابع النفط في شرق النيجر المتاخم لتشاد، بعد تعرض أنبوب النفط النيجري إلى هجوم من إحدى الجماعات السياسية المعارضة بالبلاد والمدعومة من فرنسا بقصد تخريب المنشآت النفطية في النيجر ووقف تصديرها إلى الخارج.
إضافة إلى “عدم وجود ثقة بين هذه القوات في المنطقة، فرغم خروج القوات الفرنسية من تشاد إلا أن دول الساحل الأفريقي غير مطمئنين لوجود قوات تشادية بالقرب من أراضيهم للشك في وجود نفوذ فرنسي هناك”، وفق جاكو.
ويشير إلى ثلاثة أسباب لانسحاب القوات النيجرية أولها أنها حققت انتصارات مهمة ضد الجماعات المتطرفة داخل أراضيها مما رفع من معنويات قواتها بدون الدعم من اتحاد قوى حوض بحيرة تشاد، وأنها تعتمد على تحالف اتحاد دول الساحل أكثر، وتابع أما الثاني هو أن النيجر تريد أن تركز جهودها لحماية منشآتها النفطية من شرقها إلى غربها، والثالث يرجع إلى عدم ثقة النيجر في تشاد وعلاقتها بفرنسا.
ورأى أنه من الطبيعي أن تسحب النيجر قواتها لتدعيم دول الساحل الأكثر فائدة بالنسبة لها، فيما اعتبر أن انسحاب القوات النيجرية من المنطقة لن يؤدي إلى تنامي الجماعات الإرهاربية، معللا ذلك بأن النيجر لا يمكن أن تنسحب بدون حسابات مدروسة لتعطي المجال لبوكو حرام وغيرها للانتشار والتمدد في المنطقة، وقال إن هناك أهدافا كبيرة للنيجر من هذا القرار والذي أعتقد أنه اتخذ بعد دراسة.
وكان جيش النيجر قد أعلن مساء “السبت” انسحابه من القوة المشتركة متعددة الجنسيات لمكافحة التنظيمات الإرهابية في حوض بحيرة تشاد.
وقال جيش النيجر، في بيان بثه التلفزيون الوطني المحلي، إن العملية التي نُفذّت سابقًا تحت رعاية القطاع الرابع من القوة المشتركة متعددة الجنسيات تحمل الآن اسم (ناليوا دوليه)، مشيرًا إلى أن هذا التغيير في الاسم نابع من انسحاب النيجر من هذه القوة، ولم تعلق قوة المهام المشتركة حتى الآن على هذا الانسحاب.
aXA6IDIxMy4xNjUuMjQ3LjkzIA== جزيرة ام اند امز